عروضنا المسرحية.. تشكو إهمال التوثيق والتسويق الإعلامي

عروضنا المسرحية.. تشكو إهمال التوثيق والتسويق الإعلامي

العدد 641 صدر بتاريخ 9ديسمبر2019

لا بد من التفريق بين أمرين، تصوير العمل المسرحي بهدف التوثيق، وهذا ما يقوم به المركز القومي للمسرح، والتصوير الاحترافي بهدف التسويق للعمل وبيعه للقنوات بهدف الانتشار وتحقيق الربح.. وفي النقطتين يؤكد كثير من المسرحيين أنه توجد معوقات كثيرة.. وللوقوف على تلك المعوقات ومعرفة الحلول كان لنا هذا التحقيق مع عدد من الفنانين والمخرجين والمعنيين بالعمل المسرحي.
بداية يرى المخرج الكبير عصام السيد أن تصوير الأعمال للتوثيق له أهميته في حفظ حقوق صناع العمل وحفظ التاريخ الخاص بهم، وليكون مرجعا للأجيال المتعاقبة يطلعون عليه حتى لا يكررون ما فعلناه بل يستفيدون منه ويضيفون إليه، هذا ما يقوم به المركز القومي للمسرح. أما التصوير بهدف الربح فهو ما تقوم به القنوات الخاصة التي تتجه لمسرح القطاع الخاص الذي يمتلك الميزانية التي تؤهله للتعاقد مع نجوم الشباك. أوضح السيد أن هذا النوع من المسرح يهدف إلى التسلية لأن القنوات الفضائية هدفها الربح، وبالتالي تهتم بالنجوم، بخلاف مسرح لقطاع العام الذي لا يهتم بالنجم أكثر من اهتمامه بالمضمون والذي لا يمتلك الميزانية للدعاية، وبالتالي لا يستطيع التسويق، الذي هو مهنة وعلم وله من يعمل به، ولا تمتلك الوزارة مثل هذا المجال. ويرى المخرج أنه لكي تعود الريادة المسرحية فهناك ضرورة تخصيص ميزانية للدعاية وعمل برتوكولات تعاون بين الوزارة وقطاع التلفزيون لتصوير الأعمال تصويرا احترافيا وتتبنى القنوات عرضها.
مهندس الديكور حازم شبل أشار أيضا إلى أن مسرح القطاع العام مقيد باللوائح والروتين، أما القطاع الخاص فمعاييره مختلفة، خاصة مع وجود النجم، بذلك يستطيع التسويق للعمل وعرضه على قنوات وبيعه بأعلى سعر.. ويذكر شبل أن في كل مناسبة قديما كان يتم بث عرض مسرحي جديد، وهو ما اختفى منذ فترة لأن عملية تصوير العروض ليست سهلة حيث تحتاج إلى 5 كاميرات تصور بشكل احترافي حتى يكون العمل قابلا للبيع. ويرى شبل أهمية أن يعرض العمل تلفزيونيا ليتمكن من مشاهدته أكبر عدد من الجمهور، لأنه مهما حققت المسرحية من نجاحات يظل جمهور المسرح محدودا بالنسبة للتلفزيون. لذلك لا بد من اتساع رقعة الجمهور حتى نستطيع بالمسرح مواجهة بعض المشكلات الاجتماعية، وكذلك من خلال قنوات الـ«يوتيوب» التي تستهدف فئة عريضة من الشباب، مشيرا إلى أن الفنان أيضا من حقه أن يرى أعماله ناجحة، يشاهدها أكبر عدد من الجمهور.. وأكد شبل على ضرورة التصوير بهدف التسويق، وبهدف التوثيق أيضا حتى تحفظ حقوق صناع الأعمال من السرقات.
هذه النقطة تحديدا هي ما بدأ بها المخرج ناصر عبد المنعم، حيث أشار إلى محاولة سرقة عرضه المسرحي «ليل الجنوب» قائلا: المركز القومي للمسرح يقوم بتصوير العروض بكاميرا واحدة بهدف التوثيق، ومن الممكن حصول أي فرد على نسخة من هذا العمل، وفي «ليل الجنوب» حصلنا على نسخة وتم تنزيل مقتطفات منها على الـ«يوتيوب» نحو15 دقيقة وتم مشاهدة هذه المقتطفات ونقلها في أحد العروض الخاصة بالشباب ضمن مهرجان لقصور الثقافة. وبالسؤال عن انعدام التصور الاحترافي رد قائلا: التصوير الاحترافي يلزمه على الأقل ثلاث كاميرات، وهذا التصوير تلزمه إمكانيات ليست متوفرة في وزارة الثقافة لأنه مكلف ماديا، لذلك كان هناك قديما برتوكول تعاون بين وزارة الثقافة وبين صوت القاهرة، بخصوص توفير التصوير الاحترافي للأعمال المسرحية المتميزة ولكنه توقف.
وحول غياب الضوء الإعلامي عن المسرح وعدم اتجاه القنوات الخاصة لعرضه، رد قائلا: المشكلة هي آليات التسويق، فالقناة الخاصة يحكمها فكرة الربح وتعمل وفقا لأجندة رأسمالية خاصة بها، وبالتالي لا يوجد أمامنا سوى التلفزيون المصري الذي تدعمه الحكومة، ومن هنا فلا بد للدولة من مساندة الفنون الرفيعة لأهمية تلك الفنون في التوعية، فالمسرح معني بإعلاء القيم وبناء الإنسان وهذا دور الدولة (التنمية الثقافية) ويتفق عبد المنعم في ضرورة وجود برتوكول بين البيت الفني للمسرح والتلفزيون المصري. ويرى كذلك ضرورة أن يقوم المثقف والمؤسسات الثقافية والإعلام التعليم كل بدوره لإفراز إما مبدع أو متذوق، وهما أساس الإنسان.
ويختم ناصر عبد المنعم بالقول إن المسرح وحده بدون إعلام لن يفعل شيئا وتعليم بدون مسرح لا يخلق إنسانا مثقفا، لأن قيم المسرح ضد العنف وضد التمييز ويعلم السماحة ويدعم فكرة الانتماء، والفنون بصفة عامة مهمة في التنمية ولكي يكون البشر أسوياء.
فيما قال المخرج إسلام إمام عن أهمية الإعلام بالنسبة للمسرح: أهميته ليست قاصرة على تعريف الجمهور بالفنان أو المخرج أو صناع العمل فقط، بل تتجاوز هذا إلى ما يقدمه.. فالإعلام دوره فرز الفنون الجيدة الهادفة وإلقاء الضوء على الفنان، وأيضا التنوير على الأعمال السيئة حتى يتم تجاوزها وعدم تكرارها. كما تحدث عن دور المسرح بالنسبة للمجتمع فقال: المسرح منذ بداياته له علاقة بالمجتمع. وكل الظواهر الفنية التي ظهرت لها علاقة بالمجتمع منذ الكلاسيكية وحتى الآن، وبالتالي يقدم الفن للمجتمع ما يهمه، مدركا لطبيعة جمهوره وزمنه ووضعه الاقتصادي والاجتماعي.. فمثلا مسرحية «المتفائل» على سبيل المثال، تطرح قضايا إنسانية وليدة اللحظة، ما يجعل لها صدى كبير لدى المتفرج، حيث تعطي طاقة إيجابية كبيرة وكذلك كانت مسرحية «رجالة وستات» التي لاقت صدى كبيرا لمناقشتها قضايا تهم الرجل والمرأة على السواء. وحول مشكلات التسويق قال: المشكلة ليست في التسويق ولكن في البيروقراطية والإجراءات والتصاريح المطلوبة لتصوير العروض، فمثلا القنوات الخاصة لا تهتم ولا تتقيد بهذه اللوائح، ولكنها تبحث عن العمل الجيد والنجم، والتصوير الاحترافي يحتاج إلى وحدة تصوير كاملة وهذا مكلف وليس متاحا في عروض الدولة، لعدم وجود ميزانية كافية للتصوير الاحترافي، ويرى أن الحل لهذه النقطة هو تسهيل الإجراءات التي تعيق تصوير العروض بشكل احترافي وهو دور الفنانين داخل المؤسسات، وكذلك ضرورة فتح قنوات مثل قناة DMC مسرح التي لم يتم فتحها إلى الآن وتكون لها إمكانية تصوير العروض ذات النجوم والمحتوى والإقبال الجماهيري.
ويرى إمام أيضا ضرورة إلقاء الضوء أيضا على مسرح الأقاليم والفرق المستقلة من خلال عودة المسرح المتجول وأن يقام المهرجان القومي للمسرح في شتى أنحاء الجمهورية. بمعنى أن يقام كل عام في محافظة حتى يحقق الجدوى منه وأن يعود مهرجان مسرح الشارع ويذهب إلى الحارات وكذا ضرورة عودة الحركة النقدية التي تكاد تكون منعدمة.
الفنان ياسر صادق مدير المركز القومي للمسرح يرى أن إلقاء الضوء الإعلامي على فن المسرح قليل جدا بسبب ارتفاع أسعار الإعلانات وقلة توزيع الجرائد الورقية من ناحية، ومن ناحية أخرى على انخفاض نسبة المشاهدة لنوعية معينة من العروض، والمبالغة الشديدة في أسعار الإعلانات. وأشار صادق إلى أنه قديما كانت هناك إعلانات مخصصة للمسرح مثلا «أين تذهب هذا المساء» الذي كان يقدم للمشاهد خدمة التنويه عن المسرحيات المعروضة في المسارح، كما كان هناك بروتوكول مع صوت القاهرة مخصصا للمسرح وتوقف لقلة الدعم، هذا على مستوى القنوات الحكومية، أما القنوات الخاصة - أضاف صادق - فلها أهداف ومعايير لا تتناسب مع مسرح الدولة.
تابع: دور وزير الثقافة هو الدور الأهم لحل هذه المشكلات، ولأنها فنانة فهي لا تبخل أبدا في دعم المسرح والموسيقى، وقد دعمت المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، وقد قمنا بشراء أحدث الكاميرات للتصوير الاحترافي فأصبح لدينا وحدة مونتاج بها 6 كاميرات بأعلى كواليتي وجاري تدعيمها بأخرى. ولكن التصوير نفسه مكلف جدا فحدث تعاون بين قطاعات متعددة كالإنتاج الثقافي وغيره بأن نستعين بمصورين محترفين من المركز القومي للسينما ويتم تصوير الأعمال وعمل المونتاج مقابل مبلغ زهيد بالنسبة لأسعار السوق يتحمله البيت الفني للمسرح. على سيبل المثال صورنا مسرحية «المتفائل» بـ5 كاميرات احترافية.
وعن دور المركز قال: توثيق العروض، أما التصوير الاحترافي فيكون للأعمال المؤهلة للعرض وهذا ما يتحمله المركز، بالإضافة للتوثيق في كتب. ولعلاج المشكلات يرى ضرورة إنشاء قناة على «يوتيوب» باسم المركز القومي للمسرح، مؤكدا: وبالفعل قمنا بخطوات في هذا الشأن ونحن بصدد الاتفاق مع شركة حكومية كوسيط يضخ الحساب من الـ«يوتيوب» مقابل نسبة متفق عليها بشكل قانوني. كما يرى رئيس المركز القومي ضرورة تنازل النجوم عن نسبة من أجورهم لصالح القناة. أما فيما يخص مسرح الهواة فيرى أنه لا بد من تنازل كل أطراف العمل الفني من أجل حق البث، ولا بد من تصريح من النقابة وإيجاد صيغة قانونية تتيح لنا التصوير وإلا نتعرض للمساءلة القانونية.
فيما يخص المسرح المستقل يرى الفنان الشاب محمد حسن، الممثل بالثقافة الجماهيرية بالجنوب وعضو إحدى الفرق المستقلة، أنه من خلال عروض الثقافة الجماهيرية يمكن إلقاء الضوء على المشكلات الخاصة ببيئة الجنوب التي يتم تجاهلها والتعتيم عليها مما يساعد في تفاقم المشكلات التي تؤدي إلى جرائم في النهاية مثل عادة الثأر، وعادة ختان الإناث وغيرهما. وبالسؤال عن كيفية تدعيم الفرق المستقلة قال: من الضروري أن تصل رسالة المسرح لأكبر عدد من الجمهور، ومن هنا يأتي دور الإعلام سواء المرئي أو المسموع أو حتى المقروء.
المؤلف المسرحي الشاب كريم الحسيني يرى أن الإعلام ينجذب دائما إلى الروايات العالمية وروايات الكتاب المعاصرين التي كثيرا ما تم تناولها في الأعمال الفنية كأعمال يوسف إدريس ونجيب محفوظ وغيرهما. منوها بضرورة الالتفات إلى الكتاب الشباب لأنهم يقومون بطرح مشكلات جيلهم، وهو يتفق مع المخرج إسلام إمام في أهمية تحديث الخطاب المسرحي ليواكب المشكلات الآنية للمجتمع، ويرى الحسيني أيضا أنه من الضروري تبني هؤلاء الشباب من خلال استضافة البرامج الإعلامية لهم وتصوير أعمالهم وتسليط الضوء على مشكلاتهم، وكذا فتح أبواب المسابقات الخاصة بالإبداع المسرحي أمامهم، من تأليف وإخراج وتمثيل وتخصيص مساحة أكبر داخل المهرجانات.
يتفق مع ذلك الفنان هشام السنباطي مدير مركز آفاق للفنون وتنمية المواهب ويرى ضرورة إلقاء الضوء الإعلامي على الفرق المستقلة، لأن - للأسف الشديد - غالبية التغطية الإعلامية تهتم بالنجوم، باستثناء بعض الأماكن المحدودة مثل جريدة «مسرحنا» الوحيدة تقريبا التي تهتم بالفرق المستقلة والهواة.. أضاف: فالإعلام بمثابة حلقة الوصل بين الفرق والجمهور. وحول غياب التصوير الاحترافي عن العروض المسرحية يرى أن جمال المسرح يكمن في التلقي المباشر مع المبدع، وتصوير العروض بهدف عرضها على القنوات يفتقد عنصرا مهما جدا من عناصر التفاعل المباشر بين المبدع والمتلقي. وأشار إلى أنه قديما كان هناك مسرح التلفزيون الذي يكتب له خصيصا، وكان له عناصر وآليات مختلفة عن آليات وعناصر العروض المسرحية العادية، بالتالي يرى أنه ليس كل عرض مسرحي يصلح للتصوير والعرض لأنه سوف يفقد تأثيره على المتلقي، وتمنى أن يعود مسرح التلفزيون مرة أخرى.


منار سعد