«سحر الأحلام».. ماذا؟ ولماذا؟

«سحر الأحلام».. ماذا؟ ولماذا؟

العدد 638 صدر بتاريخ 18نوفمبر2019

من يمتلك الحلم سيمتلك العالم. فقط الأحلام هي البوابة الرحبة لتنفيذ الممكن في سحر الأحلام. أما وقد اجتمع الحلم مع السحر، من هنا تشكلت خيوط الأخطبوط الذي يحاول السيطرة على العالم أجمع ويفعل المستحيل كي يحكم قبضته. لكنه عندما يصل إلى وطننا الحبيب مصر فلن يستطيع أن يمس شعرة منها. مصر ستظل دائما أبية لها شعبها القوي الذي يستميت في الدفاع عنها بكل ما أوتي من قوة ولم ولن ييأس أبدا. مهما حاول الأعداء والقوى الكبرى أن يفعلوا معها يحاولون سرقتها أو تغييبها أو طمس ملامحها أو قتلها لكنهم لن ينالوا مرادهم أبدا.
بعد أن تلقيت دعوة كريمة من صديقي وأستاذي د. حسام عطا  لمشاهدة عرض سحر الأحلام، جلست في مسرح البالون العريق في ليلة هادئة بين الشتاء والصيف وبين مقاعد خاوية يبلغ عددها أكثر من ثماني مائة كرسي لا يشغلها سوى أقل من عشرة متفرجين، وقبل رفع الستار استعدادا للاندماج في العرض  انطلقت ما يسمى أغاني المهرجانات والتي لا تمت للغناء بصلة من خلال سماعات مسرح البالون العريق راعي الفنون الشعبية والغناء الأصيل.
حول التمسك بالقيم والعادات والتقاليد الراسخة والحفاظ على الجذور والهوية المصرية الأصيلة يحوم عرض (سحر الأحلام) من تأليف وإخراج د. حسام عطا والذي قدم على خشبة مسرح البالون من إنتاج الفرقة القومية للموسيقى الشعبية بالبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية. في محاولة لإبراز الصراع بين قوى الخير والشر ينطلق العرض بتقديم من بطلته (إيناس مكي) متحدثة إلى الصالة ثم تتداخل الاستعراضات والأغاني المتوالية مع مشاهد حوارية متتابعة يجتهد فيها بطل العرض (مجدي فكري) مع باقي الممثلين كي يصل إلى أذهان المتفرج عن ماذا يدور العرض وكيف تسير قصته؟ حيث تم خطف حبيبته من قبل ملك الجان وتم إرسالها إلى مكان بعيد يسمى جبل النسيان، ويحاول البطل استعادة حبيبته مرة أخرى وإنقاذها  في رحلة شقاء طوال العرض، حيث تظهر له في صورة سيئة ومهملة لا تبالي به ولا تعيره أي اهتمام لكنه يواصل رحلة الشقاء والبحث عن لقمة العيش محاولا النهوض بها واستعادتها مرة أخرى متحملا الذل والمهانة والغربة من أجل رفعة شأن الوطن، ويهدف العرض هنا إلى توضيح أهمية التمسك بهويتنا والحفاظ على وطننا في مواجهة أعداءه وقوى الشر ودحض مخططاتهم.
الفكرة جيدة والرسالة واضحة ومباشرة لكن تلاشت الملامح الدرامية من النص المكتوب. فلا توجد أسس درامية يمكن أن تستوعب منها ما يجري أمامك من أحداث على خشبة المسرح. حيث اختفت كل العناصر الدرامية في النص المكتوب. لا توجد ملامح للشخصيات ولا أبعاد. لا توضيح من وكيف ومتى ولماذا؟ أي أن كل الأسئلة التي يمكن طرحها أو أنها تدور في رأس المتفرج لا إجابات لها. مجرد أشخاص يثرثرون. بلا عمق للشخصيات. من هذه التي تتحدث؟ لا نعرف؟ ومن تلك المخطوفة؟ لا ندري؟ ومن ذا الذي يبحث عنها؟ الله أعلم. أين هم؟ لا إجابة. في أي زمن؟ لا شيء. الخاطف هو ملك الجان.. هذا ما وصل لأذهاننا.. هل نحن في حكاية لألف ليلة وليلة؟ أم أننا نشاهد عرضا للأطفال؟ وينطلق الخيال الجامح إلى ما سمي جبل النسيان الذي يقع في آخر العالم. ثم نكتشف بعد ذلك من بعض الجمل الحوارية أن الزمن المقصود هو أننا في عصرنا الحالي من خلال محاولة انتقاد بعض السلبيات في المجتمع  والعادات والتقاليد الغريبة عنه والتي ظهرت في السنوات الأخيرة وسيطرت على عقول الشباب وهي بعيدة كل البعد عن تقاليد وعادات وقيم مجتمعنا الأصيلة، ولكن كان ذلك بأسلوب بدائي ضعيف ومهترئ في مشاهد تجمع بين بطل العرض وبعض الشباب الذين يتراصون في ثنائيات بين كل فتى وفتاة قصة حب كتبت بأسلوب هزيل.
نص ضعيف لا معنى له وعرض مهترئ لا يمت إلى المسرح بصلة. فإذا كان الأساس ضعيفا فمن الطبيعي أن ينسحب ذلك على باقي عناصر العرض من أغاني هزيلة واستعراضات تقليدية لمجرد التواجد وإضاءة لا طائل منها. أما الديكور فحدث ولا حرج عبارة عن أربعة تماثيل في الأركان الأربعة أيا كانت شخوصهم فهم لا يحملون أية دلالات أو معاني فوجودهم لا داعي له. تم وضع اثنين منهم على مقدمة المسرح خارج خط ستار المسرح ليشاهدهما المتفرج قبل بداية العرض وكأنه محاولة للالتئام مع الصالة وكسر الحاجز الرابع الذي التزم به المخرج باستعمال ستار مقدمة المسرح. غير هذا ترك المسرح بحجمه الكبير بالبالون فارغا وحاول استعمال موتيفات ليست واضحة عبارة عن شريحتين مهلهلتين من القماش عليهما رسومات بلا داعي. وفي مشهد رئيس الجان وضع خلفه بانوه أحمر صغير.   كما وجد على خشبة المسرح بانوراما مقطعية من المشمع الشفاف (لم أدرك توظيفها حتى الآن). كما تم وضع شاشة فيديو بروجيكتور في الخلفية دون داعي حيث لم يكن لما عرض عليها من لقطات أي لزوم كما أنها لم تضف شيئا إلى الصورة البصرية ولا إلى المضمون.
للأسف لا يوجد ما يمكن أن أتحدث عنه في هذا العرض سوى أنه مجرد هراء ضاع فيه مجهود كبير لكل من عمل فيه من ممثلين وراقصين وفنانين لكل عناصر العمل. كما أهدر فيه وقت المتلقي. والأهم أن هذا العرض الهزيل يمثل إهدارا لأموال الدولة ولا يمت للفن بصلة ولا أدري كيف أقدم الفنان عادل عبده رئيس البيت الفني للفنون الشعبية على إنتاجه وصرف الآلاف المؤلفة عليه، وكيف وافق على هذا النص من البداية؟ فإذا كان رئيس البيت فنانا استعراضيا وليس متخصصا في الدراما ولا يفقهها فأين لجان القراءة المتخصصة؟ فكان يجب عليه إيقاف تلك المهزلة منذ البروفات وقبل استنزاف أموال وزارة الثقافة في شيء لا يليق بحجم وتاريخ مسرح البالون ولا بمكانة وزارة الثقافة. لاسيما أنها ليست أول مرة بل قد تكرر في السنتين الأخيرتين بهذا القطاع إنتاج عددا من تلك العروض الهزيلة وإهدار أموال الدولة في مالا طائل له دون وعي ودون محاسبة.
ويعد الفنانون المشاركون في العرض هم كتيبة من الفنانين المقاتلين بقيادة الفنان الموهوب مجدي فكري والذي بذل مجهودا كبيرا ومضاعفا بخبرته مع النجمة إيناس مكي للارتقاء بالأداء وضبط الإيقاع العام، وضمد عيوب العرض مع باقي المقاتلين وهم نيفين رفعت، عبد العاطي صالح، رضا رمزي، محمد عنتر، أمنية فتحي، رويدا كمال، نورهان الشريف، عاطف فتحي، ندى غنيم، محمد عاشور، عاصم زكريا، سيف الدين جمال، ياسر ياني، أشعار كوثر مصطفى، موسيقى وألحان أحمد محى، توزيع موسيقى عمرو عبد الفتاح، استعراضات هشام المقدم، ديكور وإضاءة د. إبراهيم الفو، تصميم ملابس جمالات عبده.
أخيرا أقول إن النوايا الطيبة وحدها لا تصنع فنا جيدا، فإن كانت الرسالة جيدة والفكرة المراد طرحها ممتازة، فماذا قدم العرض من فن مسرحي سواء على المستوى البصري والشكلي أو على مستوى الدراما؟ ولماذا تم إعادة عرضه وهو لم يلق أدنى حد من الرواج الجماهيري لدرجة أن عدد المشاركين على خشبة المسرح يفوق عدد المتفرجين بالصالة؟ خصوصا أن  ميزانيته تعد بمئات الألوف من الجنيهات. المسألة بالفعل تحتاج إلى إعادة نظر من المسئولين في كل ما يقدم حتى لا يجد المرابطون ذريعة حقيقية لهدم مسرح البالون أو لفسخ رعاية الدولة لفن المسرح.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏