«نعش».. دراما الصوت الواحد

«نعش».. دراما الصوت الواحد

العدد 637 صدر بتاريخ 11نوفمبر2019

يبدو أن هناك تخوف ما من خوض الدراما في المسرح الخليجي موضوعات وأطروحات جمالية تحتك بقوة مع الواقع السياسي والاجتماعي الراهن فرغم الأحداث الجسام التي تمر بها المنطقة نلاحظ بداهة أن معظم ما يقدم من دراما هناك لا يشتبك مع راهن القضايا ويفضل أن يطرح موضوعات بعيدة إلي حد كبير عن واقع الناس وقضاياهم الراهنة، يأتي ذلك علي عكس المقولة الجمالية التي تؤكد أن المسرح (إبن المعاناة والحرية) وعرض نعش تأليف إبراهيم الحارثي وإخراج مساعد الزهراني يأخذنا خطوة نحو الحقيقة وإن إقترب علي إستحياء وفضل تعميم الطرح الجمالي ربما للتموية أو خوفا من الاصتدام مع المنع المتوقع هكذا وصلتني رسالة العمل حيث كنت مع كل حدث أبحث عن ماوراء الطرح والفكرة ولكني اعود من جديد لكونها خفيفة أو غير معتني بها بالقدر الكافي.
يتناول العرض المسرحي (نعش) والذي مثل جامعة الطائف ضمن المسابقة الرسمة للملتقي الثاني للمسرح الجامعي بالقاهرة حكاية تبدو للوهلة الاولي فانتازية إذ يقدم لنا المؤلف الشاب إبراهيم الحارثي مجموعة من الموتي الذين ينتظرون دفنهم ولما أصابهم الضجر خرجوا من نعوشهم كي يبحثوا عن أي إنسان حي يقوم بتلك المهمة ولما لم يجدوا أحد حاولوا وجود حلول من خلال الحوار المتبادل فيما بينهم كأن يقوم واحد منهم بتلك المهمة ثم يتولي بنفسه في نهاية الأمر التخلص من ذاته، ورغم كونها فكرة غريبة الي حد كبير علي خيال الكتابة في المسرح الخليجي إلا أن الكاتب الذي أعرف شغفه ودأبه الشديد أعطاها مشروعية الوجود من خلال الترويح الكوميدي الذي غلف به شخصياته واحداثه، كما أنه مرر تلك الأفكار وخلصها من عدميتها التي إعتدناها وكان ذكايا حين ضمنها بعض اللمحات الكوميدية الخفيفة حتي يقلل من طرح فكرة قد تبدو صادمة أو مرعبة، انت هنا وفي ظل تلك الاحداث قد تلمح إشارة جادة لتلامس الفكرة مع قضايا راهن الشباب الذي مل الوعود ومل الانتظار ومل عدم تحقق الأمل في غد مختلف، فالرهانات المؤجلة والاحلام المؤجلة قد تفضي لموت مادي أو معنوي والنص يتضمن تلك الفكرة ولكنه يقولها بإستحياء شديد وتخوف يلمحه المتعلق بفن المسرح الذي يفهم أن النص الدرامي القوي عادة ما يقدم لك اكثر من معني ضمن حوار واحد بحيث يمكن من أراد الاستيعاب والفهم من الغوص في المعاني الضمنية وتشريحها بالطريقة التي تلائم وعيه وقدرته.  
كنت أنتظر من الكاتب أن ينوع في شخصياته وتيماته بحيث يبدو الطرح عميقا بالقدر الكافي كما أن التنويع كان من شأنه إعطاء العمل روح مختلفة وهو الأمر الذي كان بالضرورة سيأخذنا إلي أفكار وأطروحات نيرة تناقش وتطرح هؤلاء الموتي الأحياء أو الأحياء الموتي، وقد إعتمد المؤلف تضمين بعض الأفكار المنتقاة من كتاب عرب لهم أثرهم في مخيلة الكاتب فيمكنك بسهولة أن تلمح أصداء الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش في قصيدته الشهيرة (تنسي كأنك لم تكن) والكاتب السوري سعدالله ونوس في أحد نصوص المرحلة الأخيرة.
علي مستوي الاداء والاخراج هذة هي المرة الاولي التي أشاهد فيها عرض من إخراج (مساعد الزهراني) والحقيقة يبدو واعدا بحلوله الذكية سواء في تلقين الممثلين حركة سريعة مناسبة لطبيعة التيمة أو في إختيارمناطق الغناء التي تعضد الفكرة المطروحة، ويبدو أن غرابة الفكرة وعدم إعتمادها حكاية عادية أو تكوين منطقي للأحداث أعطي للمخرج خيط يمكن من خلاله تمرير دنيا الفانتازيا والروح الكوميدية وهو الامر الذي لمحناه تقريبا في كل شخصيات العمل المسرحي للحد الذي تتشابة فيه الاطروحات وكأنها دراما الصوت الواحد الذي لا تمايز فيه بين شخصية وشخصية أو حدث وحدث فقط نحن امام افكار ونماذج تكمل بعضها بعضا .
فقط كنت أرجو أن يقلل المخرج من وجود هذة المجموعة الكبيرة من التوابيت علي خشبة المسرح حتي يعطي مساحة مناسبة للمثلين، صحيح كان إستخدامها متنوع كونها مزودة بعجل وتسمح بالهدم والبناء إلا أن قليل منها كان يمكن أن يؤدي الغرض خاصة وأن الوانها غير مناسبة لطبيعة الفكرة، ورغم ان معظم الممثلين يتمتعون بحضور طيب الا أنهم يحتاجون أيضا لإكتساب بعض الخيرة كي يرسخوا بعض الشئ علي خشبة المسرح حيث إفتقدنا كثير من ملامح الأداء بسبب التركيز علي سرعة الإيقاع وترديد معاني متشابهة التكوين .
ظني أن مستقبل تلك العروض طيب حيث أن المؤلف والمخرج يتمتعان بالمرونة والاطلاع ويسعيان لتجويد الطرح الجمالي ولن يهدأ لهم بال قبل أن يقتربا من هموم الان وهنا في المجتمع الخليجي الملئ بالمسكوت عنه.

 


أحمـد خميس