نصر أكتوبر المجيد هل أخذ حقه من التوثيق المسرحي أم ذهب ليشكو المسرحيين للسماء؟!

نصر أكتوبر المجيد هل أخذ حقه من التوثيق المسرحي أم ذهب ليشكو المسرحيين للسماء؟!

العدد 635 صدر بتاريخ 28أكتوبر2019

منذ عام 1973 يعيش الشعب المصري ويتنفس أصداء بطولات حرب أكتوبر ويضع نصب عينيه دائما هذا النصر العظيم الذي لم يحدث في التاريخ من قبل، والذي وصفه العالم كله بالمعجزة التي تنم عن قوة وصلابة الشعب المصري وقوة إيمانه وعزة ورفعة جيشه الأبي. ودائما يتدخل الفن ليضع بصمته بعد الحروب والبطولات التاريخية في كل دول العالم ويعلن وجوده في رصد وتوثيق وتسجيل وتأريخ تلك البطولات، وبيان مدى تأثير الفنون بأنواعها على الشعب والأجيال اللاحقة في تقوية الانتماء والحس الوطني والتعريف ببطولات الجنود البواسل لحماية كيان الأمة.
وقد شارك المسرح المصري بدوره في حرب الاستنزاف التي كانت تمهيدا مهما لحرب أكتوبر ولولاها ما حدث النصر العظيم. فقدم على خشبات المسرح الكثير من العروض التي ترفض الهزيمة وتدعو لضرورة الاستعداد للمعركة الكبرى بشحذ الهمم والعمل على رفع الروح المعنوية، ومن أهم هذه العروض، كما ورد في كتاب “المسرح المصري مائة وخمسون عاما من الإبداع”، ما قدمته فرقة «المسرح القومي»: كوابيس في الكواليس: تأليف سعد الدين وهبة، وإخراج كرم مطاوع عام 1967، وطني عكا: تأليف عبد الرحمن الشرقاوي، وإخراج كرم مطاوع عام 1969، ليلة مصرع جيفارا: تأليف ميخائيل رومان، وإخراج كرم مطاوع عام 1969، النار والزيتون: تأليف ألفريد فرج، وإخراج سعد أردش عام 1970، كما شاركت الفرق المسرحية الأخرى بتقديم عروضها الوطنية، فقدمت فرقة المسرح الحديث عام 1968 عرض أغنية على الممر: تأليف علي سالم، وإخراج أنور رستم، وقدم مسرح الجيب عرض رسالة إلى جونسون عام 1967 من تأليف عبد الرحمن الشرقاوي، وإخراج كرم مطاوع، كما قدمت فرقة «مسرح الحكيم» عام 1967 مسرحيتين من تأليف محمد العفيفي وإخراج جلال الشرقاوي وهما: أرض كنعان (أو فلسطين 48)، والصليب، وقدمت عام 1969 مسرحية زهرة من دم: تأليف سهيل إدريس، وإخراج كمال ياسين، وجان دارك: تأليف جان أنوي، وإخراج أحمد زكي عام 1970، شمشون ودليلة: تأليف معين بسيسو، وإخراج نبيل الألفي عام 1971، غوما الزعيم من تأليف مصطفى محمود، وإخراج جلال الشرقاوي عام 1972، وكذلك قدمت أيضا فرقة مسرح الجيب ثورة الزنج: تأليف معين بسيسو، وإخراج نبيل الألفي عام 1970، الغول من تأليف بيتر فايس، وإخراج أحمد زكي عام 1971.
وبعد هذا كان علينا أن نتوقف لنتساءل حول نصر أكتوبر وبطولات الجيش المصري، هل وثقها المسرح دراميا ومنحها ما تستحق من عروض مسرحية؟ وما الذي يجب على كتاب ومخرجي المسرح والقائمين على الجهات والمؤسسات المسرحية التابعة للدولة عمله تجاه انتصارات أكتوبر وبطولات قواتنا المسلحة؟
في بداية لقاءاتنا يطلعنا المؤرخ المسرحي د. عمرو دوارة على لمحة تاريخية توثيقية للعروض التي قدمت بعد حرب أكتوبر مباشرة، فيقول: لقد أوليت هذا الأمر اهتماما خاصا في كتابي “المسرح المصري مائة وخمسون عاما من الإبداع”، حيث قمت بربط الأحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية بما قدمه المسرح وتأثير كل ذلك على مسيرته، وأوضحت أن حرب أكتوبر عام 1973 كانت بادرة الأمل أمام الإرادة المصرية والعربية لتثبت ذاتها، وفي فورة الحماس عمل المسرحيون على تقديم عدد من العروض الحماسية الوطنية فقام «المسرح القومي» بتقديم العروض التالية: أقوى من الزمن: تأليف يوسف السباعي وإخراج نبيل الألفي عام 1973، صلاح الدين: تأليف محمود شعبان وإخراج كمال حسين عام 1973، حدث في أكتوبر: تأليف إسماعيل العادلي وإخراج كرم مطاوع عام 1973، حبيبتي شامينا: تأليف رشاد رشدي وإخراج سمير العصفوري عام 1973، سقوط خط بارليف: تأليف هارون هاشم رشيد وإخراج سناء شافع عام 1974، النسر الأحمر: تأليف عبد الرحمن الشرقاوي وإخراج كرم مطاوع عام 1975، باب الفتوح: تأليف محمود دياب وإخراج سعد أردش عام 1976.
وقدمت كذلك فرقة «المسرح الحديث» بعض العروض الوطنية ومن أهمها: مدد مدد شدي حيلك يا بلد: عام 1973، تأليف زكي عمر، وإخراج عبد الغفار عودة، رأس العش: عام 1974، تأليف سعد الدين وهبة، وإخراج سعد أردش، العمر لحظة: عام 1974 تأليف يوسف السباعي، وإخراج أحمد عبد الحليم، الحب والحرب: عام 1974 تأليف شوقي خميس، وإخراج عبد الغفار عودة، كما شاركت فرقة «مسرح الطليعة» بتقديم ثلاثة عروض عام 1974 هى: القرار من تأليف سعيد عبد الغني، وإخراج مجدي مجاهد، جبل المغماطيس: تأليف سعيد عبد الغني، وإخراج فهمي الخولي، حراس الحياة: تأليف محمد الشناوي، وإخراج أحمد عبد الحليم، كذلك قام قطاع «الفنون الشعبية والاستعراضية» بتقديم عدة مسرحيات غنائية استعراضية من أهمها: حبيبتي يا مصر: عام 1973، تأليف سعد الدين وهبة، وإخراج سعد أردش، الحرب والسلام: عام 1974، تأليف يوسف السباعي، وإخراج محمود رضا ومحمد صبحي، مصر بلدنا: عام 1978، تأليف حسام حازم، وإخراج أحمد زكي، نوار الخير: عام 1979، تأليف توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، وإخراج حسن عبد السلام.
أضاف دوارة: ورغم كثرة الأعمال السابقة نسبيا إلا أنه يجب ملاحظة أن عددا كبيرا من هذه المسرحيات كتب وقدم في عجالة بحيث أصبحت أقرب إلى عروض المناسبات والاحتفالات التي يصعب إعادة تقديمها بعد ذلك.
ويقترح الناقد الأكاديمي أ.د. أسامة أبو طالب إقامة مسابقة عامة للكتابة عن الحرب من خلال ورش للتأليف قائلا: لم يكن الإنتاج المسرحي على نفس مستوى المعركة والحرب ولا مستوى الانتصار العظيم، رغم أنه في تلك الفترة في 73 وجد كتاب مسرح حقيقيين، لكن الأعمال لم تكن بالعمق المطلوب، أضاف: الأفلام الأوروبية والأمريكية عن الحروب كانت أفلاما كبيرة ومؤثرة وعميقة، لكن الحركة المسرحية المصرية لم تعط نصر أكتوبر حقه، وهذه لها أسباب لا بد لأن يتم دراستها على المستوى العلمي، فالسينما كانت متقدمة أكثر وتستطيع أن تنتقي منها بعض الأعمال المناسبة، لكن المسرح لم يأخذ الوقت الكافي لهضم الانتصار وللتمتع بثماره، فمن وجهة نظري أرى أن سياسة الانفتاح الاقتصادي التي هجمت بسرعة شديدة أثرت في الذوق العام وفي عملية التلقي، وبالتالي كان لها تأثير في عملية الإنتاج المسرحي العميق الذي لم يختمر وهذا ليس في المسرح فقط، ولكن في السينما أيضا حيث ظهرت أفلام المقاولات، تابع أبو طالب: الحركة الفنية مقصرة عموما في حق هذا النصر الفريد من نوعه، فقصص البطولة موجودة وقصص الإعداد والتدريب وحرب الاستنزاف موجودة وعلينا أن نستخرج كل ذلك ونعمل من خلاله. واعتقد أن هناك ملفات وعلى الجهاز المسؤول في الدولة أن يفتح ملف البطولات الرائع للقراءة والاطلاع للاستلهام ولإنتاج الأعمال الفنية المناسبة. وعلى الجهاز الإبداعي سواء كمؤسسات أو أفراد أو مسؤولين التحضير لأعمال ذات قيمة حقيقية وهضمها وليس مجرد تقديم أغاني حماسية وصيحات الفرح والانتصار.. أضاف: إن المطلوب هو التوغل واستبطان وقراءة الشخصية المصرية بعمق شديد جدا، وهذا ليس موجودا، أقصد دراسة الهزيمة الساحقة في 67 ثم الانتصار العظيم في 73، ست سنوات كانت فارقة وفاصلة، على الرغم من كل التحصينات الضخمة والتكنولوجيا الإسرائيلية انتصر المصريون،، هذا سر من الأسرار وعبقرية هذا الوقت القليل، مارأيناه من هدم الساتر الترابي بخراطيم المياه وإغلاق أنابيب النابالم الحارقة وغيرها من الأحداث العظيمة والبطولات.. تابع: على الكاتب المسرحي قراءة ودراسة كل ذلك بعمق وإن لم يكن الكاتب المسرحي قادرا على ذلك فيمكن تنفيذه من خلال الورش، بحيث تقام ورشة أو اثنين أو ثلاث من خلال مديريات الثقافة الجماهيرية ويشرف عليها عقول ناضجة وليس مجرد موظفين أو كتاب محدودي الموهبة، ولا بد أن يكون بها عسكريون درسوا هذا التاريخ ومادة علمية حقيقية وأساتذة علم نفس وفنانون حقيقيون متخصصون في الدراما لكي يتم إنتاج أعمال على مستوى متوازي، وتفتح مسابقة كبيرة على مستوى الثقافة لتقديم أعمال ذات قيمة حقيقية ومتسمة بالصلابة وبالعمق.
أما الكاتب درويش الأسيوطي فيوضح تجربته منتقدا إدارات المسارح حينها قائلا: المسرح من الإبداعات التي تحتاج إلى وقت للتأمل والنضج، دعك من نصوص المناسبات الاحتفالية. والذي لا شك فيه أن كثير من الأحداث التي جرت أيام حرب الاستنزاف وأيام المعركة تستحق التسجيل وتستحق أن يتم هضمها وإفرازها من خلال نصوص وعروض مسرحية.. وقد قُدمت بعض النصوص التي كتبت بسرعة للاحتفال بالنصر على مسارح الدولة وعرضت لليالي قليلة ثم ساد الصمت. ورغم أنني وغيري كتبنا بعض النصوص التي تتناول فترات مجيدة بل وقمت بتمصير نص (حكاية فاسكو) لجورج شحاده. لم أجد كما لم يجد المؤلفون الآخرون من يهتم بتقديم تلك النصوص.أضاف الأسيوطي: كان من المفترض أن تخرجنا المعركة العسكرية المنتصرة من حالة الكآبة وجلد الذات التي تملكتنا منذ هزيمة عام 1967، وأن يفتح فخرنا بالنصر مغاليق النفوس وننطلق لنمجد النصر العبقري الذي صنعه شعبنا بدماء أبنائه. لكن ما حدث عقب وقف إطلاق النار من ممارسات سياسية أفقدت النصر العسكري طعمه. إن الأمم المنتصرة تفرض رؤيتها على ساحة النزاع وما حدث أننا قيدنا بالصلح مع العدو الذي حاربناه وقتل أبنائنا، وهذا أفسد المسرح. تابع: حدث أن قدمت إلى المسرح الحديث بعد كامب ديفيد نصا بعنوان (الزعيمة ست الغرب) وهي شخصية من السيرة الهلالية أخت الزناتي خليفة. وتزعمت مقاومة بنى هلال الغزاة لتونس. ورأيت أن الإعلام الذي سهل للهلايل احتلال تونس يستحق الوصف بالخيانة. وكان على رأس إدارة المسرح آنذاك مؤلف مسرحي ربما لا يذكره أحد. سألته عن النص. فقال إيه اللي انت كاتبه ده.. قلت له مسرح.. قال لي دا مسرح حقد.. لم يناقشني في فنيات المسرح لكنه دافع عن النظام القائم آنذاك.. وسحبت نصي وخرجت. حينما يسود إدارة المسارح مثل هذا. هل تتوقع أن يقدم عن أكتوبر أو ديسمبر أي عمل جاد. ربما بعد أجيال تزول الغمة ويستطيع كتاب أن يكتبوا بصدق عن معركة سجلها بالفخر تاريخ أمتنا. وأسقطنا ثمارها طمعا في جزرة علقت لنا على عصا.
ويشير الباحث المسرحي د. محمد نصار إلى عدة نقاط مهمة قائلا: حرب أكتوبر ظلمت رغم قيمتها السياسية والعسكرية والتاريخية في كل الأعمال الفنية، سواء على مستوى المسرح أو المستوى السينمائي، فهي لم تأخذ حقها المنشود. وقد قمت بإجراء دراسة عن ثلاثين نصا مسرحيا، تناولت منهم ثمانية عشر نصا في موضوع رسالة الدكتوراه. ورأيت أن ما يميز حرب أكتوبر أنها تسجيلية وتعتمد في مادتها على وثائق عسكرية وتاريخية، تحمل أرقاما وإحصاءات وبيانات عسكرية، والمادة الفيلمية التي كانت تذاع آنذاك في التلفزيون. وعلى المبدع أن يأخذ هذه المادة وينشئ عليها المادة الدرامية الخاصة به، ومع ذلك جاءت النصوص الدرامية غضة وبكر ولم يكن مؤلفوها على مستوى الحدث، وأنا مثلا فكرت أن أقوم بدراسة عن ثورة يناير، لكنني تراجعت لأن الأعمال التي تقدم حينها تكون معظمها أعمالا بها سذاجة وتلقائية واعتباطية وليس بها النضج الكافي للتقييم. أضاف:لدينا نص (حمام على برج القدس) لعبد العزيز عبد الظاهر، هذا النص ولد يوم 12 أكتوبر 1973 وكانت الحرب على أشدها، وكثير من النصوص التي قدمت عن حرب أكتوبر ظلمت الحرب ولم تستطع إظهار بطولاتها، البيانات العسكرية كانت غالبا تحمل جانبا من الشك بعدما حدث في حرب 67، كانت هناك درجة من التوجس ناحية البيانات، فانتظر الكتاب حتى تكون هناك بيانات حقيقية بين أيديهم ويتحقق النصر بشكل نهائي ثم يشرعون في الكتابة بعد ذلك بدلا من أن تنتج كتابات ساذجة، لذا كان عليهم الانتظار لوضوح الرؤية ثم تنتج كتابات ناضجة بعد ذلك، تابع: من كتب مبكرا عابت كتاباته السذاجة أو البساطة وليس بها العمق الدرامي والقدر الكافي من إبراز البطولات، لأنه ليس لديهم معلومات كاملة، وبعد الحرب توفرت البيانات التي تكفي لكتابة مسرح تسجيلي عن الحرب، والفترة التي كتبت عنها في دراستي لم يكن بها صورة عالية من البطولة وإنما غلب عليها الشاعرية أو الخيال ولم تكن على مستوى التسجيل مبنية على وثائق كاملة.
ويتحدث المخرج محمد الخولي عن أهمية النص المسرحي موضحا تجربته في عرض عبور وانتصار قائلا: بعد حرب 73 مباشرة قدم كتاب الدراما المسرحية عدة مسرحيات مرتبطة بالعبور، وقدمت أكثر من مسرحية تعالج مجهود القوات المسلحة في هذا النصر ولكن بعد انتهاء الحرب بسنوات قليلة أصبح الاحتفال بالنصر مقتصرا على احتفالات بسيطة ومجرد أوبريتات، ولم يعد كتاب المسرح يكتبون شيئا عن حرب أكتوبر رغم أنه شارك فيها مليون ومائتا ألف جندي، منهم ثمانمائة ألف جندي على الجبهة، وأربعمائة ألف يحمون الجبهة الداخلية مثل محطات الكهرباء والمياه والسد العالي والعاصمة وهكذا. أما الثمانمائة ألف الذين حاربوا على الجبهة فلو جلست مع كل واحد منهم ستجد لديه مادة ثرية تصلح لعمل دراما مسرحية أو تلفزيونية أو فيلم سينمائي، لكن للأسف كتاب الدراما كانوا مقصرين جدا في الكتابة عن هذه المعركة. بعكس ما حدث في الخارج، في كل الدول الأوروبية وأمربكا وروسيا، أي الدول التي شاركت في الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث تم إنتاج كم هائل من الأفلام والأعمال الدرامية التي تتحدث عن هذين الحربين، لكننا هنا في مصر رأينا قصورا سواء من الكتاب أو المخرجين أو جهات الإنتاج. تابع الخولي: في السنوات الماضية أقدمت على تجربة عرض عبور وانتصار في 2017، التي ما زالت تعاد حتى الآن في المناسبات الوطنية، كما تم افتتاح عدة مسرحيات لها علاقة بحرب أكتوبر، وقد شجعت عبور وانتصار عدة فرق على إنتاج مسرحيات عن الحرب، وبحمد الله الدولة الآن تقف في صف هذا النوع من الأعمال بدليل إنتاج فيلم الممر مؤخرا وأتمنى من كتاب الدراما عموما أن يبدعوا في الكتابة لمثل هذه الأعمال، لأن بداية أي مشروع فني هو النص والكتابة، فإذا وجد المخرج نصا جيدا فإنه يتحمس له ويجد جهة إنتاج تتحمس له، فالبداية دائما موجودة عند المؤلف. ومؤخرا طلب الرئيس من الفنانين تقديم تلك الأعمال بعد فيلم الممر. وتوجد الرغبة في وجود فيلم من نفس النوعية كل ستة أشهر وهذا معناه وقوف الدولة بجانب الفنانين وتقديمها الدعم اللازم لوجود الأعمال الوطنية لأن وجود تلك الأعمال معناه زيادة الجرعة الخاصة بالانتماء الوطني لدى الشباب، فكلما زاد الانتماء كلما زاد الاطمئنان لعدم انضمام الشباب لجماعات متطرفة سواء إرهابية أو دينية متطرفة أو غيره.. والحقيقة أنني كنت أتوقع نجاح عبور وانتصار لدى الجمهور لأن الأعمال الوطنية لها صدى جيد دائما. والجمهور متعطش لتلك الأعمال، والفنانون المشتركون في العمل بمجرد أن طلبتهم تحمسوا له جدًا، كما أن الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة أمدتني بعدد ستة أفلام خاصة بالحرب وعملية العبور ومنها تم صنع الفيلم الخاص داخل المسرحية ومن خلالها حققت الرؤية الإخراجية التي كنت أنشدها. وهذا النص كتبته عام 2012، حتى تم إنتاجه في 2017.
وينفي الناقد عبد الغني داود وجود أعمال ذات قيمة عن حرب أكتوبر قائلا: لم يحدث أن عبر المسرح بصدق عن بطولات حرب أكتوبر، فكل ما صنعه المسرح سواء بعد هزيمة 67 أو بعد انتصار أكتوبر هو نوع من المواكبة بنفس طريقة التعبير الموجهة للمناخ العام من خلال التهليل والتصفيق فقط، في عروض هزيلة دراميا وليست ذات صقل تجعلنا نشير إلى وجود نص أو عرض يجسد انتصار أكتوبر أو الحالة العامة للناس أو الشعب. أضاف: هي مثل الأغاني والتمثيليات التلفزيونية مجرد تهليل دون عمق. تابع: وفي فترة 73 كان لدينا كتاب كبار لهم ثقل مثل سعد الدين وهبة ويوسف إدريس ومحفوظ عبد الرحمن وتوفيق الحكيم ويوسف السباعي ونعمان عاشور وغيرهم، لكن لم يكتب أحدهم ما يناسب حجم هذا الانتصار العظيم. أما في مسرحية أغنية على الممر فقد استعرض فيها علي سالم مجرد جوانب إنسانية وانتهى بالسخرية من أحد الأبطال بأن عليه الذهاب إلى إسرائيل مما يعني محو تاريخه كله. والمسألة كلها اقتصرت على مجرد تقديم احتفاليات يكتبها يوسف السباعي وعبد المنعم الصاوي للاحتفال الرسمي السنوي للدولة بحرب أكتوبر.
ويشرح المخرج باسم قناوي تجربته مع عرض مسرحية أمر تكليف قائلا: لم أعرف أي عرض مسرحي يبرز بطولات أكتوبر وإنما كلها احتفالات موسمية. وقد كتب عدد من الكتاب قديما عن الحرب منهم الراحل فؤاد دوارة كتب نص (العبور) لكنه لم يتم إنتاجه، ولا يوجد أي عروض تتحدث عن الحرب سوى بعض القصص القصيرة التي تحدثت عن فترة النكسة أكثر منها عن الحرب والبطولات. لذا يجب على المؤلفين كتابة نصوص مسرحية وليس مجرد احتفالات، نصوص مسرحية يتناول حالات إنسانية واجتماعية، تحمل حبكة مسرحية وشكل الدراما المسرحية والقالب المسرحي الذي يحتوي على بداية وصراع وذروة نهاية، وليس مجرد شكل تسجيلي وإن كان المسرح التوثيقي له أهميته، الحربين العالمتين الأولى والثانية نتج عنهما مسرحيات عالمية شديدة الرقي، وظهرت مدارس فنية كثيرة مختلفة مثل العبث والتعبيرية والسريالية وغيرها فكان للحرب تأثير كبير على الكتاب والفنانين، لكن في مصر لم يحدث ذلك سوى في الاحتفاليات فقط. أضاف: عندما قدمت أمر تكليف كنت أود تقديم عمل عن الجندي المصري عموما الذي يهدر حقه ويتحول إلى رقم عندما يستشهد، نسمع في الأخبار أنه استشهد عشرة جنود أو عشرون جنديا حتى باتت الأخبار عادية لا يفزع لها أحد، كما أنه يوجد أناس غير أسوياء يفرحون بهذا فكيف يكون ذلك؟ الشماتة في الموت. أنا كمخرج أردت أن ألقي الضوء على مجموعة جنود في كتيبة مختلفين تماما عن بعضهم في الآراء الاجتماعية والثقافة والتنشئة والبيئة التي نشأوا فيها، لكن يجمعهم حب الوطن والدفاع عنه وكلهم يستنشقون رائحة الموت من حولهم. وتلك التجربة لاقت قبولا وحماسا كبيرا من الفنانين المشتركين بها وكذلك الجمهور أبدى إعجابه الشديد بهذا العمل الوطني. تابع: وأرى أن دور وزارة الثقافة هو نشر الوعي في ربوع المحروسة فهناك حفاوة كبيرة جدا في استقبال العرض بالمحافظات تفوق استقباله في العاصمة، لأن العاصمة مكتظة بالعروض الفنية. والمشكلة لدينا تكمن في الكتاب.. توجد قصص عظيمة وبطولات خارقة في حرب أكتوبر ولكن لم يتطرق إليها أحد إلا بالاسم فقط.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏