محاضره علمية حول المسرح اليونانى تكشف أزمات مابعد الحداثة

محاضره علمية حول المسرح اليونانى تكشف أزمات مابعد الحداثة

العدد 629 صدر بتاريخ 16سبتمبر2019

أقيمت ضمن فعاليات اليوم الثانى من مهرجان القاهرة للمسرح التجريبى والمعاصر، فى دورته ال26، محاضره عملية “master class”عن أعمال تواضروس تيرزوبولوس والمسرح اليونانى المعاصر، وحاضر فيها مدير مهرجان اليونان سافاس باتسليدس وذلك بالمجلس الأعلى للثقافة ،فى ندوة أدارتها د. أسماء يحيى الطاهر عبد الله مدير المهرجان ومسئول المحاور الفكرية .
تحدث باتسليدس عن شكل المسرح ومضمونه فى حالة الأزمات التى تمر بها المجتمعات، وأعطى نموذجاً بدولة اليونان، وشرح خلال كلمته: أن المجتمع طالما انه يعيش فى حالة ازمات فهذا يجعله ينتج افكاراً جديدة.
وقال: أن هناك تيارات مسرحية مختلفة تحاول تجسيد النسيج الوطنى اليونانى الذى أصبح متشعباً، حيث انفصلت الهوية اليونانية الى عدد من الهويات، وتحاول الدراما اليونانية عكس هذه التصدعات على الخشبة، وهذا يحدث فى كل مكان فى العالم ، والذين يستجيبون لهذه التغيرات بشجاعه هم الشباب، لأن الضحايا لأى ازمه هم صغار السن .
وأشار : أن هناك العديد من الأزمات التى تواجه المجتمع اليونانى ، خاصة وأن معدل البطاله فى السن من 20 ال30 فى اليونان هو 45 فى المائه،وهناك الاف من المهاجرين اليونانين غير الشرعيين ، بسبب المشاكل الأقتصادية ، فنحن بلد تعانى من مشكله محلية متعلقة بالنسيج الوطنى والهوية الوطنية، و الشباب هم المؤرخون الحقيقيون للكساد فهم يقدمون الأزمات بشكل درامى.
وأضاف أن الشباب يحاولوا فهم الاختلاف بين الشعوب ، وقد كان الأمر فى العصور السابقة سهل ، لأن المسرحيون كانوا يتحدثون عن أمة متجانسة قائمة على التشابه ، لكن الأن اصبحت الأمه مختلفة ومتشعبه امه قائمه على الاختلاف ولكى نفهم ذلك مسرحيا علينا أن نتحلى بالشجاعه ، ولذلك يتمتع الشباب بشجاعه اكثر من كبار السن فى التناول المسرحى لأنهم يرحبون باالاختلاف ، لذلك فهم يحاولون اعادة اكتشاف سؤال مابعد الحداثه ماهو الواقع ، ومما يتكون الواقع فى اليونان اليوم ، وهو سؤال اساسى يعيد تعريف الامه حتى نكون اتحادا واحدا .
وأضاف أن الشباب فى مسرح مابعد الحداثه هدفهم جعل الدراما جزء من حياتنا اليومية ،كما تجدون على الشاشة ، وهذا يوضح سبب هذا الانتعاش فى النشاط المسرحى فى بلد يعانى من نقص المال ،بمجرد ان تفقد سردك الوطنى تصبح مضطر للبحث عن طريقه جديدة للتعامل مع السرديات المختلفه .
وأضاف :اذا ذهبتهم الى اثينا ستجدون العروض ليس فيها مناظر لانها فقيرة ماديا ،ويلجأ الفنانون فيها الى اعادة استخدام المساحة دون دعم الديكور والإضاءة وهذا تحدى ايضا .
وأضاف :من هنا يسعى جيل الشباب الفنانين لاكتشاف المسرح لكن ليس بالطريقه اليسارية التى اتبعها كبار السن سابقا ، رغم ان معظم الشباب يعتنقون الاتجاه اليسارى فى السياسية لكن ليست بالطريقة الماركسيه التى عفا عنها الزمن ، انهم فى مناطق رماديه مختلفة تؤثر فى تناولهم المسرحى.
وتحدث  سافاس باتسليدس عن مابعد الحداثه، وقال أنه اصبح لها دور كبير وكلها عن الشكوك واعادة تعريف كل شئ ، وتظل التساءلات حول كيفية انتعاش الافكار المسرحية فى ظل الازمات ، مشيرا أنه اذا اتفقنا على أن المسرح هو أبن الامه فلماذا ننزعج من تشظيه .
وتحدث عن اوجه الاختلاف بين المسرح زمان والأن فى اليونان وقال: المسرح قديما ً جسد المجتمع المثالى لليونان مثل مسرحيات ابسن ، والتى كان يميزها أنها تجمع عناصر متعددة وهناك حل ، لان هناك مركز للمسرحيه يحافظ على تجانس العناصر يجعل الحركة تدور حول مركز معروف وهو الواقع ،على عكس مسرحيات مابعد الحداثه التى لاتحتوى على مركز ، فهذه المسرحيات تشاهد خلالها قطع متفرقة ، فهى تدعونا الى المشاهدة الجزئية للتجربة وليست مشاهده كاملة ،لذا لانجد اجابه واحده في مسرحيات مابعد الحداثه وترفض ان تقدم اجابه لان الاجابه متعلقه بالواقع ، والواقع سؤال اساسى ، فمن الذى يحدد الواقع .
وأضاف وهذا نموذج مايحدث فى الواقع الاقتصادى فى دولة اليونان ،عندما حدثت  الأزمة الإقتصادية اتهمت الحكومه بممارسات اقتصاديه سيئة ، وخرجت الحكومة وأعلنت اننا لسنا السبب أين المركز الوطنى ،وهنا تم إحالة الأزمة الى مراكز خارجية ؛مايحدث هنا هو ازالة المركز وهذا مايحدث فى المسرح ، لايوجد مركز تخرج الأحداث منه .
وعرض باتسليدس خلال الندوة مجموعة من العروض القصيرة لتوضيح التجربة اليونانية مابعد الحداثة فى المسرح  وتناولها لازمات المجتمع من بينها عرض “ مينارابى “ لشباب المسرحين الاناث فى اليونان، والكوميديا الالهية ، ومسرحية الكهف “لبنك اوبرا “ ،ومسرحية “ عرض فى مسرح قديم مهجور “ ،عرض “ طليعى “ لفرقة كاترينى. كما تناول عروضا مجمعة  للمخرج اليوناني المُكرَّم :  ثيودوروس تيرزوبولوس ،  والذى لم يحضر بسبب مرضه الشديد ، وهو يقدم طريقه خاصة فى عرضه للتركيز على الجسد .
وأختتم الندوة قائلا: حاولت توضيح كيفية تأثر المسرح اليونانى بالأوضاع الاقتصادية .
شهدت الندوة حضور كبير من قبل المتهمين بالمسرح والشخصيات العامة بين الأكاديمين المسرحيين من بينهم الدكتورة سامية حبيب أستاذ النقد بأكاديمية الفنون التى رحبت ب” باتسليدس” باسم جمعية iti، والدكتور أحمد بدوى أستاذ الدراما اليونانية بالاكاديمية وغيرهم.
ورداً على سؤال حول : هل الحضارة اليونانية تطرح فكرة التعايش السلمى بين الجنسيات المختلفة :قال ان الذكريات جزء من السرد الوطنى ، ومثال عندما قرر الاتحاد الاوروبى بناء مايسمى ببيت التاريخ أختلف الأوروبيون أختلافا كبيرا حول مايضعونه من أحداث ومواقف فى هذا البيت ومالايستحق أن يوضع ، نظراً للتبياين الشديد فى الرؤي وتقدير الأحداث الماضية والوقائع التاريخية التى مرت بهم ومزقتهم فى وقت من الأوقات ، الا أنه بالرغم من ذلك نجدهم الأوروبيين  وكل دول العالم حريصة كل الحرص على صنع مايسمى بالذاكرة نظراً لأن ذاكرة الشعوب لها أهمية خاصة بين الدول، ولكن ما بعد الحداثه تسعى لجعل الناس يتحدون حول الإختلاف ، وعلى المرء ان يوسع من ذاكرته ، وأن ينسى مايفرق ويتذكر مايبعث على الوحده،و مازال امامنا الكثير للوصول الى وحده سلمية ، لأننا كيف يمكن لذكريات مختلفة ان تكون تحت سقف واحد ، اذا لم نتمكن من التصالح سينهار التحالف ، لذا نجد فيما بعد الحداثه تمرر مشروع التنوير ، لنشر التعايش السلمى فى الحفاظ على وحدة الشعوب رغم اختلافاتها .
وحول تساؤل  د: أحمد بدوى عن الصورة القاتمه التى قدمها باتسليدس  للوضع الاجتماعى السيئ فى اليونان فى الوقت الذى يراها البعض تعيش حالة رخاء فنى واجتماعى  ، علق باتسليدس ان هناك تناقض اساسى فى اليونان على كافة الأصعدة ومن بينها المسرح ، لأنه يعانى ازمة “تسليع” بسبب عدم وجود دعمومع ذلك هناك إزهار فنى  ،و وفى واقع الأمر ليس هناك طريقة اخرى للبقاء سوى التعامل مع الوضع الجدلى فى اليونان .
كما حضر مجموعة من المكرمين وضيوف المهرجان من بينهم المكرمة والفنانة الأوغندية جيسكا كاهوة وعلقت: ان الاحداث التى وقعت فى اليونان هى احداث عالمية ، وأضافت  أننا فى المسرح تواجهنا الكثير من القراءات المتعددة لاشخاص يدرسون المسرح منذ عهد ارسطو ، لا نعرف كيف نعرف المسرح المعاصر ، ويقدم الناس فى الوطن العربى تجارب جديده، واصبح المسرح الواقعى يندثر.
وطرحت سؤالا حول  ما النصيحة التي نقدمها كدارسين للمسرح ، هل لدينا الفرصة لاعادة تعريف نظرتنا ، واذا اعدنا تعريف تجربة المشاهده كيف نتعامل مع غياب المركز .
علق باتسليدس ان هذا هو التحدى لان المسرح عن طريق اعادة تعريف نفسه ، واعادة تعريف تجربة المشاهده ، يساعد على فتح مجال الاختيارات بحيث تسمع للعديد من تعريفات المسرح .
وعلق المخرج العراقى جبار خماط :أن مايحدث الان فى ايجاد شكل مسرحى متعدد المراكز هو مايتم العمل عليه فى الفضاء العمومى ،فالازمه ليست متعلقه بالدولية او القومية فى البلدان الخاصة ، لكنها ثورة عالمية انتقلت من المضمون الى الشكل بسبب مواقع التواصل الاجتماعى ، والتقدم التكنولوجى .
وأضاف مايحدث للشباب اليونانى يحدث للشباب العربى هناك انفعال فى المكون المسرحى مابعد الحداثه ، والسؤال هل المتلقى العمومى بامكانه ان يتواصل مع هذه العروض ، واذا تواصل فنحن فى مسرح جيد ومؤثر ، اما اذا اقترن المسرح بفئة عمريه او جزء معين فنحن فى ازمه .
يذكر أن مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر يرأسه الدكتور سامح مهران ويقام فى الفترة من 10 سبتمبر و حتي 19 من الشهر الجاري، ويشارك فى الدورة  22 عرضًا لمجموعة من الدول الأجنبية والعربية ، حيث تشهد هذه الدورة مشاركة افريقية خاصة ، بمناسبة احتفال مصر بعام مصر أفريقيا، بينما تحل .
 

 


دينا دياب