أدرينالين واللعب بالنار ووجع الروح

أدرينالين واللعب بالنار ووجع الروح

العدد 622 صدر بتاريخ 29يوليو2019

عرفت أسماء مصطفى منذ أن كانت صغيرة مبهورة بأضواء المسرح والمكياج، مفتونة بالوقوف على خشبة المسرح، هي امرأة عشقت المسرح بصدق وأعطته من روحها وعقلها وجسدها الكثير، لا أريد أن أستطرد في حديثي عن شخصيتها، ولكن كيف لا أتحدث عن شخصيتها، فالفنان هو اختيار واختيار أسماء مصطفى اختيار صعب، اختارت اللعب بالنار، فاختارت موضوعا حساسا يحمل وجع المرأة الإنسان، فالمرض هو العدو الخفي للإنسان يهزمه يجلسه بعيدا عن المشاركة في الحياة بشكل طبيعي وإيجابي.
أسماء مصطفى تقدم في هذا العرض مرض سرطان الثدي وهو موضوع خطير في ساحتنا العربية والعالمية أيضا، مرض العصر، وهي تغلفه بحكايا رد فعل المجتمع عندما يكتشف أن هناك امرأة مصابة بسرطان الثدي، ما الجديد الذي قدمته أسماء مصطفى في هذا العرض.
أولا: لغة الجسد في العرض المسرحي التي تدخلك في عالم يشبه الباليه والأكروبات واللياقة الشديدة في أداء الجسد مع حوار البطلة.
ثانيا: كشف الموجوع والمسكوت عنه وعلاقة الرجل بالمرأة عندما يواجه بأن زوجته مريضة بمرض سرطان الثدي فيبتعد عنها ويهملها بل يتخلص منها ببطء بل بوقاحة سريعة.
أسماء مصطفى حاولت أن تعري الرجل الذي يتخلص من المرأة التي عاشرته وأعطته ما لديها من حياة وحب وحنان ودفء وهو لا يدري أنه عاجز جنسيا لكن الحياء يمنعها، هل تتحدث في مثل هذا الأمر الذي يعتبر في الوطن العربي من التابوات الكبرى التي من العيب أن تتحدث المرأة عن العلاقة الجنسية بينها وزوجها.
فالعرض يتسم بأداء مسرحي رفيع المستوى وإضاءة مدروسة وبساطة السنوغرافيا وجمال الحالة فلا تنفصل عن العرض لحظة أثناء المشاهدة.
وفي نهاية العرض تقف أسماء مصطفى على المسرح كأميرة من أميرات الإغريق بملابسها التي وظفتها توظيفا رائعا أثناء العرض وكفراشة تطير بين حقول الإضاءة والموسيقى والحرب والألوان.
والمسرحية تطرح عدة قضايا:
هل نحن مجتمع سوي ومحترم؟
هل نحن لدينا القدرة على استيعاب الحالة المرضية والتعامل معها ومع المريض بشكل يليق؟
هل وصل حال المجتمع العربي إلى الانهيار الاجتماعي والأخلاقي والفكري إلى هذا الحد؟
إن هذا العرض يطرح الأسئلة ولا يقدم إجابات لأننا في الأول والأخير لسنا مطالبين كمسرحيين بالإجابة على الأسئلة. فإن طرح السؤال في حد ذاته هو فكر إنساني ورسالة، فالإنسان بلا أسئلة يعني والعدم الفكري. فهل جاءت أسماء مصطفى لتدق الباب على عالم الذكورة المسيطر على حياة المرأة على مر التاريخ.
وعيب هذا العرض أنه مونودراما حيث إنه موضوع يحتاج إلى جراند دراما في ثلاثة فصول، لأن القضية مهمة جدا والتفاصيل أهم، ولكن إيقاع العصر السريع القاتم يدفع بالفنانين إلى تكثيف المسرحيات. كما أن تكلفة الإنتاج العالية تسبب ارتباكا في الميزانيات التي تخصص للعروض المسرحية وإن انتشار ظاهرة مسرح المونودراما ومهرجانات المونودراما لا يعني إلا شيئا واحدا أننا كمسرحيين نختفي من الساحة رويدا رويدا أو بمعنى مباشر إن المسرح ينتهي من حياتنا.
إن المسرحيين العرب يلجأون إلى حيلة للبحث عن حياة وهي إقامة المهرجانات، مهرجان هنا ومهرجان هناك لكذا أو ماذا.. ولكن هل عرض لمدة ليلة أو ليلتين يكفي لأن نعلن بأن هناك مسرحا وأن المسرح بخير وأن المسرحية شاهدها جمهور.. اللعنة عليكم.. ألا تفقهون.. إن الخطر يدق على أبوابنا من الخارج ونحن من الداخل لا نفعل شيئا.
تحية للمسرح الأردني الرائع بكل طوائفه ورجاله ونجومه ونجماته فهم في حبة القلب.


السيد حافظ