إيطاليا والمسرح في مصر على مائدة المؤتمر الدولي للمركز الثقافي الإيطالي

إيطاليا والمسرح في مصر على مائدة المؤتمر الدولي للمركز الثقافي الإيطالي

العدد 621 صدر بتاريخ 22يوليو2019

أقام المركز الثقافي الإيطالي الأسبوع الماضي مؤتمرا دوليا، ناقش خلاله د. سيد علي إسماعيل أستاذ اللغة العربية بكلية آلاداب جامعة حلوان، موضوع «إيطاليا والمسرح في مصر في القرن التاسع عشر». كما ناقش أحمد عامر الدكتور بقسم علوم المسرح بكلية الآداب جامعة حلوان، موضوع «القضية الفلسطينية في الدراما المسرحية الإيطالية/ مسرحية (فدائيون) لدرايفو نموذجا». وذلك بحضور كوكبة من الأكاديميين منهم د. وفاء رؤوف رئيسة قسم اللغة الإيطالية بجامعة حلوان، ود. سلوى محمود رئيس قسم اللغة الإسبانية التي شاركت بمداخله عن المفهوم الجمالي للحياة اليومية في عرب البحر عن طريق السندباد من موانئ الجزيرة العربية إلى جزيرة زنجبار للكاتب جوردي استيبا، ود. أحمد الراوي رئيس قسم اللغة العبرية الذي شارك بمداخلة عن أدب الرحلات العبري من أوروبا إلى فلسطين ودوره في الاستيطان اليهودي وأهدافه، ود. أبو العزائم فرج الله المدرس بقسم اللغة العبرية جامعة حلوان الذي شارك بمداخلة حول ظاهرة الاستعارة في الأدب العبري الوسيط، ود. إبراهيم سالم عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العبرية بجامعة حلوان الذي قدم مداخلة عن فن السيرة الذاتية في الأدب العبري الوسيط.
ذكر د. سيد علي إسماعيل أن بدايات المسرح في مصر، أو البدايات المهمة كانت إيطالية، من حيث البناء والإدارة والعروض والنصوص. أشار إلى أن أغلب الباحثين حتى الآن لم يعتمدوا في بحوثهم على الكتابات العربية المنشورة في الصحف المصرية أو على النصوص المسرحية المترجمة عن الإيطالية أو على الوثائق العربية المتعلقة بالمسرح الإيطالي أو متعلقة بالإيطاليين المسرحيين في مصر في القرن التاسع عشر.
وتابع: أقدم إشارة عن عروض مصرية شبه مسرحية، نقلها إلينا الرحالة الإيطالي «بلزوني» عام 1815 عندما حضر عرسا في منطقة شبرا وشاهد في احتفالاته عرضين أقرب إلى المسرح أحدهما يدور حول عملية نصب واحتيال وقع فيها أحد الحجيج. والآخر يدور حول إعرابي فقير يدعو أوروبيا لتناول الطعام في بيته، ويبدأ الإعرابي بإلقاء الأوامر إلى زوجته لتذبح عنزة إكراما للضيف فتخبره بأن العنزة شردت.
أضاف: إذا تركنا بداية العروض هذه إلى بداية أخرى سنجد إن أول قوانين تنظيمية تتعلق بالمسرح في مصر، أصدرها باللغة الإيطالية ارتين بك وزير الخارجية في 16 أكتوبر 1847، وكانت تخص المسرح الإيطالي الموجود في الإسكندرية.
وأشار د. سيد علي إسماعيل إلى أن من المفاجآت المكتشفة حديثا، أن أول مسرحية تم تمثيلها باللغة العربية في مصر كانت عام 1870 وهي مسرحية «الإسكندر في الهند» والمترجمة عن اللغة الإيطالية من تأليف الإيطالي «بيترو تراباسي» الملقب بميتاستازيو وقام بتمثيلها مجموعة من شباب مصر الهواة، وأن المطبعة الإيطالية في القاهرة والمشهورة بالمطبعة الكاستلية لصاحبها الخواجة جاكموا كاستلي نشرت في 9 أبريل 1872 أول مسرحية مصرية مؤلفة باللغة العربية وهي «نزهة الأدب في شجاعة العرب المبهجة للأعين الزكية في حديقة الأزبكية» من تأليف محمد عبد الفتاح.
وعن بدايات ازدهار المسرح في مصر أوضح أن البداية كانت من عصر الخديو إسماعيل الذي اهتم بالمسرح اهتماما عظيما فأقام في منطقة وسط البلد والأزبكية والعتبة منشآت مسرحية وفنية وترفيهية مثل المسرح الكوميدي الفرنسي، دار الأوبرا الخديوية، والسيرك، ومسرح حديقة الأزبكية، ومضمار السباق وكان يديره الخواجة جويليوم داود الإيطالي وكان المضمار يسمى بملعب الفروسية الإيطالياني وهي منشآت ضخمة ومهمة تحتاج إلى إدارة واعية بأهميتها وتحقيق أهدافها، لذلك اختار الخديو إسماعيل شخصية إيطالية خدمت في مصر سنوات وهي شخصية «بولينو درانيت» ليكون مديرا للتياترات الخديوية. قال إسماعيل إن الأوبرا الخديوية تم افتتاحها أوائل نوفمبر 1869 بعرض «ريجوليتو» ولم يكن أسلوب عرض إعلانات العروض المسرحية في الشوارع معروفا، حيث ظهر في أكتوبر 1870 في إعلان باللغة الإيطالية.
أضاف: في نوفمبر 1870، قام أبو السعود أفندي بكتابة مقالة في مجلة «وادي النيل» تحت عنوان «بدعة أدبية وقطعة تعريبية» والمقصود بالبدعة هي ترجمة مسرحيتين إيطاليتين إلى اللغة العربية، وهما لابادوسيت، ومزين إشبيلية، و وصف الأمر بالبدعة لحدوثه لأول مرة في مصر إذ لم نجد نصا مسرحيا إيطاليا منشورا باللغة العربية قبل هذا التاريخ، وقد تم عرض المسرحيتين في الأوبرا الخديوية باللغة الإيطالية وقام بترجمتهما إلى العربية محمد عثمان. وتابع: هذا الزخم بالنسبة لدار الأوبرا الخديوية جعل أبو السعود أفندي يطلق عليها اسم «تياترو الأوبيرة الإيطاليانية المصرية» وأطلق عليها أحمد فارس الشدياق في جريدته «الجوائب» اسم الملهى الإيطالي. وأشار إسماعيل إلى أن هذه التسميات انتشرت بسبب النموذج الإيطالي الأبرز في تاريخ الأوبرا الخديوية وهو أوبرا «عايدة» التي كتب نصها الإيطالي غيزلنسوني وتم عرضها في ديسمبر 1871، وترجمها أبو السعود أفندي إلى العربية من الأصل الإيطالي كما ترجمها أحمد راسخ إلى التركية. ثم تحدث سيد علي عن مسارح الإسكندرية موضحا أن العروض المسرحية الإيطالية هي العروض الأولى التي تم عرضها على مسرحي زيزينيا وروسينى عند افتتاحهما في ديسمبر 1864.وعن مسرح زيزينيا قال: نقلت جريدة الأهرام أخبار عروضه الإيطالية في 21/ 1/ 1881 تحت عنوان «المسيو أرنست روسي»: هو الإيطالي المشهور الذي حضر عواصم الدنيا وشخص فيها فكان له في كل محل المقام الأول في التشخيص والشهرة السامية ونال من حكومته نياشين الافتخار، ففي هذه الأثناء أتى ثغرنا ليقدم 12 رواية. وواصلت جريدة الأهرام تتبعها لعروض هذه الفرقة فنقلت وصفا دقيقا لأول عرض وكان بعنوان «كين».
وأضاف سيد علي إسماعيل: استمرت جريدة الأهرام في تتبعها لأخبار هذا الممثل وفرقته، لدرجة أن أهالي القاهرة شعروا بالغيرة من أهالي الإسكندرية وطالبوا بحضور الفرقة لتعرض عروضها في الأوبرا الخديوية بالقاهرة. تابع: أسهبت الجريدة في وصفها لعرض مسرحية «لويس الحادي عشر» التي عرضته الفرقة في زيزينيا، ولاقى استحسانا مما دفع الجالية الإيطالية إلى إقامة وليمة عشاء ألقى الأديب «فابري» فيها خطبة بليغة. وتابع: في مارس عام 1881، جاءت الفرقة الإيطالية التي كانت تعرض في الأوبرا الخديوية إلى الإسكندرية وعرضت في زيزينيا مسرحية «لوسيادي لامرمور» كما قدمت مسرحية أخرى خصص دخلها الذي بلغ عشرة آلاف فرنك لمدارس البنات الإيطالية وكانت الفرقة الإيطالية بقيادة المسيو «اليبراندي» وقدمت عروضها في الإسكندرية بصورة تبادلية بين مسرحي زيزينيا وروسيني.
وعن مسرح روسيني قال: «أقامت الفرقة الإيطالية فيه مواسم مسرحية كاملة وقدمت عدة عروض مسرحية منها «كوزي أدافيني»، «وابن كورالي»، «ومقاتلة النساء»، «جويف أران»، ومسرحية «الكونت دى مونت كريستو»، مشيرا إلى أنه كانت هناك مجموعة من المسارح الصغيرة في الإسكندرية، تأتى في الأهمية والقيمة بعد مسرحيي زيزينيا وروسيني، مثل مسرح البوليتيما، الذي تعد فرقة المسيو كاستابنا أول فرقة إيطالية تقدم عروضها عليه، وقد قدمت ما يقرب من ثلاثين ليلة عرض وكانت التذاكر تباع بنظام الاشتراك.
أما عن التعاون المسرحي بين الفرق المصرية والإيطالية
فأوضح قائلا: النشاط المسرحي الإيطالي في مصر في القرن التاسع عشر شجع الفرق المسرحية العربية على إقامة تعاون فني غير مسبوق، ففي عام 1894 قام سليمان القرداحي بتمثيل دور البطولة في مسرحية «عطيل» التي عرضتها الفرقة الإيطالية، ومثلت الفرقة باللغة الإيطالية فيما مثل قرداحى دور البطولة باللغة العربية، والتعاون الآخر غير المسبوق تم في عام 1897 بين فرقة إسكندر فرح وفرقة إيطالية اشتهرت بتقديم الفصول المضحكة والبانتومايم والفقرات الراقصة بين فصول المسرحية أو بعد انتهائها.
وفي مداخلته تناول د. أحمد عامر موضوع «القضية الفلسطينية في الدراما المسرحية الإيطالية/ مسرحية فدائيون لدرايفو نموذجا» حيث أشار إلى أنه في عام 2017 خرجت ملكة جمال العراق مدافعه عن الكيان الصهيوني، تهاجم من يهاجمه وتصف الفلسطينيين بأنهم إرهابيون. وعلى ذلك طرح عامر سؤاله: من الذي تعبر عنهم القضية الفلسطينية؟ أجاب: إذا عرضنا ثنائية الذات والآخر على هذا الموضوع، فسنجد أن الدراما الإيطالية والمتمثلة في درايفو هي «الآخر» الذي قدمني. وتساءل عامر أيضا: كيف قدمني الآخر كعربي؟
كما تحدث عامر عن الجدل بين العمليات المعرفية، وإبداعية ممارسة التأليف الدرامي والمسرحى، مؤكدا أن الإنسان يكتب ما يعرف وأن ما نسميه خيالا ينتج أيضا من مجمل المكون المعرفي لشخصية الكاتب.
وفي حديثه عن عمل داريفو تحدث عن مصطلح «المبدع الباحث» وتحديدا «المؤلف الباحث» وهو الذي يقوم بالسفر ومعاينة الوقائع والأماكن وشهود العيان، أو يحاول تجميع ما يعينه على اكتشاف الحقيقة إذا لم يستطيع السفر لمكان الحدث أو القضية التي يشرع في الكتابة عنها، وقد ضم تحت هذا المصطلح أيضا عمل المخرج والممثل حتى لا يصبح أحد دمية مجرد دمية في العرض.
أشار عامر إلى أن درايفو اتبع أسلوبا مختلفا، فبدلا من أن يقوم بتحصيل المعرفة بالذهاب إلى فلسطين، أتى بالفلسطينيين أنفسهم الذين يناضلون بالسلاح وهم «الفدائيون» ليقفوا في أماكن عرض المسارح الإيطالية، ويقدموا بأنفسهم قضيتهم أمام الجمهور الإيطالي. تابع: هنا توجد إشكالية أن هؤلاء الأشخاص ليسوا فنانين أو ممثلين!. أضاف: فرانكا رامي ذهبت إلى لبنان عام 1971 وقامت بزيارة معسكرات الفدائيين، وفي البداية استنكر الفدائيون الزيارة ولكن بعد فترة من الزمن نجحت فرانكا رامي بالإتيان ببعض الفدائيين الفلسطينيين إلى إيطاليا وقامت بتدريبهم هي ودرايفو ليقفوا أمام الجمهور الإيطالي، وهنا تمثل فرانكا رامي وداريفو الذات الإيطالية التي قدمت الآخر وهم الفلسطينيون لجمهور به إيطاليون وفلسطينيون.
وعلق أحمد عامر بأن سؤال الذات ليس بسيطا، وله عدة إجابات وليس إجابة واحدة عامة. وتحدث الباحث عن مجموعة من الذوات، الذات الإيطالية والجمهور الإيطالي أمام الآخر الجمهور العربي والفلسطيني والذات الفلسطينية.. الفدائيون أمام صناع العرض الإيطالي والعالم.. أضاف أن المسرح الإيطالي أصبح منبرا أو فرصة للفدائيين الفلسطينيين الذين يعتبرهم البعض «إرهابيون» حتى يقدمون عرضا يحمل ويتبنى قضيتهم ويوضح دافعهم في الدفاع عن أرضهم، وبالتالى يسمي الآخر الذي لم يتم التحدث عنه وهو الكيان الصهيوني بالمحتل المغتصب وهو الذي لم يتم ذكره في العرض.
تابع: قدمت مسرحية «فدائيون» بالإيطالية والعربية، وقدم المحتوى الفلسطيني بلغته، لكن فرانكا رامى باعتبارها أيقونه العمل كانت بمثابة القائدة، وكان لها أهمية بالغة ودور كبير في هذا العمل.. فمن خلال النص وجهت فرانكا رامي رسالة للجمهور وغالبيته إيطاليون مفادها أننا قدمنا عرضا نشرح به نضال الشعب الفلسطيني والإيطالي والأردني.. وكأنها توضح أن هذا المثلث المكون من ثلاث دول من الممكن أن يكون نضاله واحدا.
 

 


رنا رأفت