في وداع رفيق الدرب«أحمد خلف»

في وداع رفيق الدرب«أحمد خلف»

العدد 621 صدر بتاريخ 22يوليو2019

في البدء خالص، كنا سردين في البحور، لقيناها بايخه ف حقنا.
صرنا سحالي، بجناحات زي الطيور، دايرين نلقط رزقنا،
طحلب ودود.. ودود وطحلب، كل يوم ف بقنا،
شئ مش تمام!
طب نبقى إيه؟.. قال لك: قرود!
أصبحنا يا مبارك، قرود.. برضك زهقنا، وقلنا: لأ، نبقى بشر
وبشر بقينا، وإيه بأه؟ أهو ليل نهار غلب وشقا..
أين المفر؟!

لأول مرة تغزوني تلك الكلمات للرائع صلاح جاهين عبر أوتار شجبة وصوت يحمل شجن الحارة المصرية وأهازيج على وتر السمسمية البورسعيدية للرائع أحمد خلف الذي سجل اللحن على شريط كاسيت لفرقة بيت ثقافة البراجيل في أول التسعينات للمخرج أحمد طه في أولى عروضه بالثقافة الجماهيرية وقتها.
صوت خلف وهزات أوتار عوده لم يخرج صداها من روحي وقتها تلك البساطة التي تغزوك رغما عنك وتتسلل لروحك بكل عفوية حاملة تاريخا كبيرا وعمقا وأصالة كبيرين.
قدم أحمد خلف عشرات وعشرات العروض المسرحية بالثقافة الجماهيرية والبيت الفني للمسرح وغيرها من الفرق هاوية ومحترفة، حاملا عوده دوما كأحد رحالة الفن بمسرح الثقافة الجماهيرية ونموذج لكل فنان حقيقي وقع راضيا عاشقا تحت أسر ومحبة هذا المسرح.
أذكر حين قدمنا سويا مع فرقة السامر أولى أشعاري في نهاية التسعينات «بر انبابة» للفرقة المركزية مع جيل كبير رحل عنا معظمه من بينهم محمد عبد الرازق، إبراهيم علي حسن، مصطفى أبو الخير، عبد الواحد السعيد، وغيرهم، إضافة لمجموعة رائعة من الفنانين أسعدهم الله بالصحة والإبداع من بينهم عادل الكومي وأشرف فاروق وكمال عطية وهمام تمام وخليل تمام ومحمود بشير، وفي الغناء أحمد الطويلة، وأعتذر لمن لم تسعفني ذاكرتي لذكرهم.
كنا قد استوطنا المسرح العائم بجوار نقابة المهن التمثيلية الذي أصبح مسرحنا نبيت ونقوم فيه لننهي العرض في توقيت لم يزد على عشرين يوما، حتى حولتا النص للراحل محمد زهدي وديكور وملابس محمود حنفي وإخراج أحمد طه، لما يشبه الأوبريت نتناقش ونكتب ونسمع الألحان، وهكذا حتى خروج العرض للنور.
استقبلني أحمد خلف بمحبة في أول لقاء وأول عمل لي بمسرح الثقافة الجماهيرية، ومن يومها لم نفترق حتى لو لم نعمل سويا إلا في النادر، فقد صهرتنا تلك التجربة مسرحيا وإنسانيا.
أحمد خلف المبدع الموهوب ابن بورسعيد الذي طالما كان يحمل ذلك الوهج وتلك الموهبة والغيرة الفنية على ما يقدم، مشوار كبير بين صالونات الفن وسهراته الفنية، وقصائد مثل الكعكة الحجرية لأمل دنقل وغيرها التي تغنى بها في مناسبات عدة وعلقت في وجدان الكثيرين؟
أحمد خلف ذلك الخبير الموسيقي الذي أبت الدولة أن تستمر في منحه ذلك اللقب توفيرا للنفقات، ليدور في فلك رحلة طويلة قبيل وصوله لسن المعاش كي يوقع يوميا في دفاتر لهيئة قصور الثقافة التي لا تعترف به موظفا بها وقتها، وفي الوقت نفسه وبعبثية يحسد عليها أولو الأمر بذلك الجهاز، لم تحرمه الهيئة من التوقيع في دفاترها حتى انتبهوا وقرروا أن يوقفوا التوقيع ليرفع قضية تثبت عمله لسنوات وسنوات ومحاضر توقيعه تثيت ذلك في وقت على مستوى رسمي آخر هو ليس له علاقة وظيفية بتلك الجهة التي منحها خلف الكثير من دمه وإبداعه شرقا وغربا شمالا وجنوبا في مشوار يعد بعشرات السنوات ومئات الإبداعات، فهل تنتبه الوزارة والهيئة لتكرم الراحل أحمد خلف على مجمل إبداعاته وتعيد له اعتبارا أفسدته البيروقراطية.
لم يهتز خلف، ظل مبدعا غير عابئ بتلك التفاهات، وكنت تراه أيام الأحد والأربعاء بساحة قاعة منف يقود فرقة النيل للآلات الشعبية بمنتهى الشغف، رغم كل تلك الإجراءات التي صيغت ضده.
الكثير والكثير يمكن أن يقال حول أحمد خلف الفنان والإنسان، تاريخ حافل بالإبداع والمعاناة حتى آخر فاصلة لحنية حزينة، تنتهي في صمت جنائزي لم أحضره ولم أعلم به إلا منذ قليل.
تغمدك الله برحمته وطيب ثراك وأحسن مثواك يا رفيق الرحلة الذي غادر مفاجئا الجميع بعزف منفرد بسيط.
 

 


أحمد زيدان