مناقشة كتاب «قراءة النص المسرحي» لأحمد مجاهد

مناقشة كتاب «قراءة النص المسرحي» لأحمد مجاهد

العدد 620 صدر بتاريخ 15يوليو2019

استضافت الجمعية المصرية للنقد الأدبي ندوة لمناقشة كتاب «قراءة النص المسرحي» للدكتور أحمد مجاهد، بحضور الدكتور محمد سمير الخطيب، أستاذ المسرح بقسم الدراما والنقد بآداب عين شمس، والناقد المسرحي جرجس شكري، أدار اللقاء الدكتور أحمد عبد الحميد، وبحضور مجموعة من النقاد والأكاديميين.
وبدأت المناقشة بمداخلة للناقد المسرحي جرجس شكري حيث قال إن هذا الكتاب يضم ثلاثة أبحاث عن ثلاث مسرحيات، تحت عنوان «قراءة النص المسرحي» فالأول لمهران السيد وهو أحد شعراء جيل الستينات الذين كتبوا ودافعوا عن قصيدة التفعيلة، وصدر له عدة دواوين، والبحث الثاني حول مسرحية كتبتها جاذبية صدقي، أما الثالث فجاء حول مسرحية نوال السعداوي، وأنه من الواضح أن الثلاثة مباحث التي تضمنها الكتاب، تتضمن مسرحيات ليس لها تأثير كبير في الواقع المسرحي، وأن المسرح ليس مهنة أصيلة في مشوارهم الإبداعي، إلا أنه رغم هذا التباين الكبير على المستويين المسرحي والأيديولوجي، وزمن النشر فنجد أن مسرحية “سكان العمارة” التي لم تنشر في كتاب، قد تم عرضها على خشبة المسرح القومي عام 1955 وبإخراج يوسف وهبي، أما “حكاية من وادي الملح” فقد نشرت عام 1975، أما “إيزيس” فقد كتبت في عام 1986، إلا أننا نجد أن الثلاث مسرحيات قد أتت في سياق أحلام المواطن المصري بعد ثورة يوليو.
وتابع شكري قائلا: إنه بداية من عنوان الكتاب «قراءة في النص المسرحي» حيث إن قراءة المسرح ثلاثة أنواع: قراءة النص، وقراءة العرض، وقراءة علاقة النص بالعرض، واختار منها الكاتب النوع الأول وهو قراءة النص، بأنه عملية تحليلية تأخذ بعين الاعتبار البنية العميقة والبنية السطحية للنص، وتربط بينهما، ودراسة البنية العميقة تعتمد على أدوات منهجية مستمدة من الدراسات اللغوية والدراسات البنيوية المطبقة على السرد، وهي التي تأخذ بعين الاعتبار البناء الدرامي للحكاية، وتطور الصراع وشكل توضيح هذه البنية في الفضاء المسرحي، وهذا ما فعله الباحث في المسرحيات الثلاث.
وأكد الناقد المسرحي على أن الدكتور أحمد مجاهد قد ذكر في مقدمة الكتاب أن «قراءة النص بوصفها فعلا إيجابيا تسمح بوضع النص في السياق الاجتماعي والثقافي والفكري لكل من المؤلف والناقد معا، عوضا عن سياقه الأدبي المسرحي الذي يمثل قاعدة الانطلاق»، حيث إننا نجد في المسرحية الأولى «حكاية من وادي الملح» أنه يحدد الأدوات، وهي التناص ليس بمفهومه لدى جوليا كرستيفا الذي يعتمد على الوجود اللغوي، بل الأوسع والأشمل عند جيرار جينت، وهو – مفهوم التعالي النصي - الذي يتمثل في معرفة كل ما يجعل النص في علاقة خفية أو جلية مع غيره من النصوص، وإن كان سوف يلجأ كثيرا لـ«جوليا كرستيفا» والوجود اللغوي خاصة في النتاص الشعري من خلال مجموعة من الأمثلة تؤكد تأثر مهران السيد بصلاح عبد الصبور، وتؤكد أن أخنوم الفلاح الفصيح يسير على نهج الصوفي الحلاج في العصر العباسي، ففي أحيان كثيرة نجد تتطابقا بين الجمل الشعرية، مثل «وكأنهم يمشون إلى الموت» عند «مهران»، و«وإذ شاهدتهم يمشون إلى الموت» عند «عبد الصبور».
مستكملا: «وهنا نجد أن مجاهد يحدد ثلاثة مستويات للتناص في هذه المسرحية، الأول مع الحكاية التراثية، والثاني مع نص شكاوي الفلاح الفصيح وفقا لسليم حسن، والثالث مع مأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور ومسرحيات أخرى، وأننا أمام محاولة للبحث عن القيمة الفنية لتوظيف التراث، في هذه المسرحية، وإن كنت قد تساءلت بعد أن انتهيت من قراءة هذا البحث عن ضرورة اللجوء أو توظيف التراث فيها، وأن ما قدمه مجاهد هو أقرب إلى تحقيق استقصائي تتبع من خلاله أصول هذه المسرحية سواء في التراث أو في الواقع، على مستويين: الأول زمن الحدث، والثاني زمن الكتابة، وذلك من خلال عدة أمثلة والتي تؤكد تطابق المعنى والفكرة، بل والوزن والقافية والوجود اللغوي الصريح».
واستكمل الناقد المسرحي جرجس شكري: «إن الدكتور أحمد مجاهد يؤكد في النهاية أن الشاعر قد استخدم كل السبل الفنية الممكنة لصرف القارئ عن مغزى الحكاية»، كما أن «مجاهد» قد استخدم أصعب وأندر المستويات النقدية في كتابة «قراءة النص المسرحي»، وهو أصعب المستويات وأندرها حاليا على مستوى الكتابات النقدية للأعمال المسرحية.
وقد تعرض الدكتور أحمد مجاهد لثلاثة نصوص مسرحية وهي: «حكاية من وادي الملح» للشاعر محمد مهران السيد، من ناحية التناص ومستوياته، و«سكان العمارة» لجاذبية صدقي محاولا الإمساك بالخطاب النسائي المتضمن فيها، و«إيزيس» لنوال السعداوي، راصدا مضمون الخطاب النسوي فيها.
وفي سياق متصل أكد الدكتور محمد سمير الخطيب أستاذ المسرح بقسم الدراما بكلية الآداب جامعة عين شمس، أن الدكتور أحمد مجاهد قد قدم قراءة نقدية موزاية للقراء، وذلك من خلال التكوين النقدي لديه، حيث إن الدكتور أحمد مجاهد يتميز بأن لديه وعيا كبيرا بالتيارات النقدية الحديثة، بالإضافة إلى الاهتمام بالمنظور اللغوي، فنجد أن من بداية رسائله العلمية سواء الماجستير أو الدكتوراه، حيث يتجسد التناص في منهجية حديثة بالإضافة إلى المنظور اللغوي وهو ما حدث في رسالة الماجستير حيث تناول أشعار صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي وأمل دنقل، حيث نجده مهتما بالنقد الحديث وتطبيقه على الشعر والمسرح، حيث يطرح الكتاب تساؤلات حول ماهية العلاقة بين الفصول الثلاثة، من خلال التكوين النقدي في سياق الثمينينات والتسعينات.
وتابع الخطيب مشيرا إلى أن مفهوم القراءة النقدية لدى «مجاهد» ووضعيته بين القراءة النقدية التقليدية والحداثية، والموقع بينهم فنجد أنه قام باختيار الموقع البيني، بمعنى إذا كانت القراءة النقدية التقليدية على النص أو المؤلف والقراءة النقدية الحداثية تقوم، على القراء أو القارئ، وفقا لنظريات التناص، التي يعقدها القارئ مع النص، حيث إن القراءة هي عملية تفاعلية بين اقطاب ثلاثة هما «النص، والمؤلف، والمتلقي»، لذلك نجد أن «مجاهد» قد استخدم هذه العلاقة في كتابه «قراءة النص المسرحي»، حيث اعتبر أن قارئ هذا الكتاب مهتم بالأساس بالشأن المسرحي، وبالتالي فإن القارئ نوعية مختلفة عن القارئ المتناول للشعر أو الرواية، التي تنشأ من اختلاف أو طبيعة القارئ، والتي تعتمد على التلقي الفردي، أما المسرح فيعتمد على التلقي الجماعي، وبالتالي أثر ذلك على حالة الكتابة لدى «مجاهد» وهو استخدامه لمنهج القراءة المفتوحة وليس القراءة المغلقة.
مستكملا: «وهنا نجد أن القراءة المفتوحة تجعل القارئ مشاركا في إنتاج المعنى، ومن هنا نجد أهمية التناص في اتجاه أحمد مجاهد، فالمعرفة المواكبة للنص المسرحي، حيث نجد أنه قد استخدم في العينة التي اختارها في قراءة النص المسرحي، والتي تمس القارئ في العصر الحالي، مثل اشتغاله على وضعية السلطة للمواطن والمرآة ومشكلاتها من الناحية الفكرية، إذ إن دلالات المواكبة في هذين العنصرين المرآة ووضعية السلطة، أما من الناحية الفنية فنجد أنه له القدرة على كشف آليات التشكيل الفني والحوار والشخصيات والبناء الدرامي، وطرح تساؤلات تهم القارئ».
أما من الناحية النقدية فنجد أنه قام بتطبيق المناهج النقدية الحديثة على قراءة النصوص المسرحية، وهي إشكالية يعاني منها دارس النقد المسرحي، والشق الثاني هو الاقتصاد وتشكيل الفضاء، والمقصود هنا بالاقتصاد هنا التكثيف اللغوي، الذي يرجع إلى اتقان مجاهد للغة العربية، ومن هنا نجد أن النقد عند مجاهد ليس بمثابة حكي الحدوتة والأحداث، وإنما يرسخ لمفهوم الإنتاجية – بمعنى المنتج - وهو «التناص» الذي يعتمد على الإنتاج وليس المُنتج، والذي يقوم على العلاقة التي يعقدها نص ما مع نص آخر، أو يدخل في علاقة ما مع نص آخر، بصورة واضحة وخفية في الوقت ذاته.
وحملت كلمة ظهر غلاف الكتاب بكلمات عن قراءة النص المسرحي حيث قال المؤلف: «تظل لقراءة النصوص المسرحية متعة خاصة، فهي تسمح للمتلقي بأن يمسك باللحظة ويستلهمها، ويقلبها على وجوهها متأملا، في محاولة منه لمحاورة رؤية الكاتب وتفسيرها بعيدا عن رؤية المخرج، وبعيدا عن تشويه كل العلامات الأخرى المتعددة التي تحلق في فضاء العرض المسرحي، مختزلة النص في عنصر وحيد وهو الحوار.
وإن كل نص يستدعي المنهج المناسب لقراءته، وإن كان هذا لا يمنع من إمكان تحليله بمناهج نقدية متعددة، بل لا يمنع أيضا من إمكان قراءة النص الواحد بمنهج واحد على يد نقاد متعددين، وفي كل مرة سنصل إلى تفسيرات جديدة، نابعة من النص ومعجونة برؤية الناقد، ويظل النص مشحونا بمخزونه الاستراتيجي من تعدد الدلالة، لا يتألف معناه الكلي إلا من مجموع القراءات المختلفة للقراء المتعددين على مر العصور».
وأكد على أن كل ما يتمناه المؤلف هو أن يفتح هذا الكتاب آفاقا جديدة للنظر إلى هذه النصوص من زوايا أكثر اتساعا، قد تسهم في استيعابها بصورة أكثر عمقا، وأكثر اتساقا مع الجهد الذي بذله مبدعوها في كتابتها.
 


سمية أحمد