إيطاليا والمسرح في مصر في القرن التاسع عشر

إيطاليا والمسرح في مصر في القرن التاسع عشر

العدد 624 صدر بتاريخ 12أغسطس2019

إيطاليون في الأوبرا الخديوية
مرّ علينا فيما سبق أسماء بعض الإيطاليين - من أصحاب الفرق المسرحية، أو من الفنانين المشهورين - ومن السهل معرفة معلومات عنهم من خلال الكتابات الإيطالية المنشورة، لا سيما وأنها أسماء زارت مصر، ولم تقم فيها إقامة طويلة. وفي المقابل، نجد أسماءً إيطالية، عاشت في مصر، وعملت في الأوبرا الخديوية، ولا نعرف عنها شيئاً!! هذا هو الأمر المهم، الذي أريد توضيحه؛ حيث إنني حصلت على معلومات عن بعضهم، ومن المحتمل أن بقايا عائلاتهم ما زالت موجودة في إيطاليا أو في مصر حتى الآن!! لذلك وجدتها فرصة سانحة، أن أنشر فحوى ما وجدته عنهم؛ ليستفيد منه الباحثون مستقبلاً!!
بولينو درانيت
بدأ عمله في مصر عام 1830 في أشغال الأخزخانة بمستشفى الجهادية بأبي زعبل. وفي عام 1833 عمل مساعداً بمدرسة الطب، ثم انتقل عام 1854 للعمل في معية والي مصر سعيد باشا، وفي عام 1859 وصل إلى رتبة ميرلاي. وفي عام 1861 كان مديراً للمرور والسكة الحديد. وفي عام 1867 نال النيشان العالي العثماني من الرتبة الثالثة. وفي عام 1869 عمل في وظيفة تفتيش التياترات، ثم أصبح ناظرها، أي مدير المسارح الخديوية. وفي عام 1872 منحه ملك إيطاليا نيشان “كوردونا ديطاليا من رتبة الكوماندور”. وفي عام 1877 نال رتبة الميرميران – الباشوية - وكذلك النيشان العثماني من الدرجة الثانية. وظل بولينو باشا مديراً للتياترات - والأوبرا الخديوية بطبيعة الحال - حتى نهاية خدمته عام 1879. ونهاية خدمته هذه، لها قصة مأسوية، يجب أن يعرفها الجميع، لا سيما وأن شارعاً في الإسكندرية مازال موجوداً حتى الآن باسمه، ولا أظن أن أهالي الإسكندرية يعرفون شيئاً عن صاحب اسم هذا الشارع!!
وثائق نهاية خدمة بولينو من وظيفته في مصر، ما زالت محفوظة في ملف خدمته المحفوظ بدار المحفوظات العمومية بالقلعة!! وهذه الوثائق، عبارة عن سبعة خطابات رسمية متبادلة بينه – أثناء وجوده في نابولي – وبين الحكومة المصرية، في الفترة من أغسطس 1879 إلى يونية 1881، ومفادها: أن بولينو درانيت باشا – أثناء وجوده في نابولي - تلقى خطاباً مؤرخاً في يوليو 1879 من وزير الداخلية المصري إسماعيل باشا أيوب. وهذا الخطاب يقضي بفصل بولينو من وظيفته في مصر؛ بوصفه مديراً للتياترات الخديوية. تفاجأ بولينو بهذا التصرف، وردّ على الوزير بخطاب أبان فيه اعتراضه على أسلوب الفصل هذا؛ وكأنه أحد المجرمين، الذين ارتكبوا جريمة في حق مصر، التي خدمها خمسين سنة منذ عهد محمد علي باشا وحتى الآن!! ولكنه ارتضى بقضاء الله وقدره، وطالب الوزير بترتيب معاشه المستحق وفقاً للقانون، وهو المعاش الكامل لآخر راتب تقاضاه، وهو ستة آلاف قرش، أي ستة جنيهات شهرياً، طالما أن مدة خدمته تجاوزت الأربعين سنة، وفقاً لقوانين المعاشات في ذلك الوقت!! فرد عليه الوزير بعدم أحقيته في أي معاش لسببين: الأول إنه ترك وظيفته في مصر بدون إذن، وسافر إلى نابولي بدون موافقة جهة العمل!! والسبب الآخر، أنه عمل في إيطاليا لصالح جهة لا تتبع الحكومة المصرية، وهذا أمر مخالف لقوانين العمل!! ومن يرتكب هاتين المخالفتين، يجب فصله من وظيفته، وحرمانه من أي معاش مستحق، تطبيقاً لنص قانون المعاشات!!
فدافع بولينو عن نفسه – فيما يتعلق بالمخالفة الأولى - بأنه سافر من مصر إلى نابولي في أبريل 1879، مرافقاً لأسرته من أجل علاج ابنته، المصابة بالرمد. وقد أذن له “شفاهة” الخديو إسماعيل بالسفر في حضور كل من: بارو باشا، وخيري باشا، وعمر باشا عزمي، وطالب بولينو الوزير بسماع شهادتهم، التي ستؤكد أنه سافر بموافقة الخديو نفسه، أثناء وجوده في الخديوية. وبالفعل وجدنا ضمن الأوراق شهادة خطية بتوقيع خيري باشا، تؤكد رواية بولينو!!
أما الاتهام الآخر – المتعلق بالعمل لجهة أخرى في نابولي لا علاقة لها بالحكومة المصرية – فقد دافع عنه بولينو موضحاً، إن هذه الجهة الأخرى، هي خدمة الخديو إسماعيل لمدة أسبوعين في نابولي، بعد عزله من الخديوية ونفيه إلى نابولي يوم 30 يونية 1879، فكان بولينو في استقباله، وقام بخدمته أسبوعين، قبل أن يتلقى بولينو خطاب فصله!! وأوضح بولينو أنه استقبل الخديو المعزول، وقدم له خدماته من باب الوفاء والإنسانية، ولم يتلق أجراً على ذلك، مما ينفي عنه تهمة العمل لصالح جهة أخرى لا تتعلق بالحكومة المصرية. ومن ثم فجر بولينو في خطاب آخر مفاجأة مدوية، تمثلت في تلقيه برقية بتاريخ 30/6/1879 – يوم سفر الخديو ونفيه إلى نابولي – من عبد الجليل بك سكرتير الخديو الحالي توفيق، بضرورة استقبال الخديو المعزول إسماعيل في ميناء نابولي!! مما يعني إنه قام باستقبال الخديو إسماعيل، وقدم له بعض الخدمات؛ بناء على برقية رسمية من الحكومة المصرية، موقعه من سكرتير الخديو الحالي؛ وهذا ينفي عنه مخالفة إنه عمل لصالح جهة أخرى خارج الحكومة المصرية دون موافقة الحكومة المصرية على ذلك!! وأمام هذه الحقائق، تراجع الوزير عن تعنته، ونال بولينو معاشه المستحق.
بسكوال كليمنتي
تقول وثائق ملفه الوظيفي – المحفوظ في دار الوثائق العمومية بالقلعة - إنه ولد في نابولي عام 1842، وبدأ عمله في الأوبرا الخديوية في نوفمبر 1886، ولمدة ثلاثة أشهر في وظيفة أمين وملاحظ التياترات، وكانت وظيفته “ظهورات”، أي تحت التدريب والتجربة، ويتقاضي عليها نصف الراتب المستحق له. وابتداء من يناير 1887، تقلد وظيفة وكيل التياترات، ثم وظيفة مدير التياترات بدلاً من مسيو لاروز. وظل في وظيفة المدير هذه، حتى أُحيل إلى المعاش في ديسمبر 1910. كما أنه حصل على النيشان المجيدي من الدرجة الرابعة “شيفاليه”، وهو تاج إيطاليا.
بيرول فرديناند
تقول وثائق ملفها الوظيفي – المحفوظ في دار الوثائق العمومية بالقلعة - إنها بدأت خدمتها في يناير 1869؛ بوصفها خياطة في التياترات، ثم انتقلت إلى الأوبرا الخديوية في الوظيفة نفسها. وعندما توفى زوجها – وأظنه كان يعمل في الأوبرا أيضاً – انتقلت إلى وظيفة مخزنجية للتياترات. ومع مرور السنين - وكونها أرملة – لاحظت وزارة المالية عام 1894، أن بيرول ستُحرم من المعاش؛ لأن وظيفتها الأصلية “خياطة”، هي وظيفة من “الخدمات السايرة”. أي غير الثابتة، وغير الأساسية، ولا يستحق لها معاش!! والسبب في ذلك، أن وظيفة الخياطة، كانت من الوظائف الأولى في الأوبرا الخديوية، عند افتتاحها. وهذه الوظيفة أصبحت بلا عمل، عندما لاحظت الحكومة أن الفرق الأجنبية التي تعمل في الأوبرا، كانت تأتي بالخياطة معها من الخارج. وبالتالي أصبحت بيرول لا تقوم بعملها، واكتفت فقط بتنظيم الملابس وحفظها في المخازن. لذلك وجدت في ملفها الوظيفي مكاتبات كثيرة، تدور حول هذا الأمر؛ كونها خدمت في الأوبرا الخديوية 36 سنة، في وظيفة غير أساسية؛ بوصفها خياطة، ولا تستحق عليها أي معاش! لذلك طالبت بيرول بأن تتحول وظيفتها منذ البداية، إلى مخزنجية – بدلاً من خياطة – حتى يتحول مسار وظيفتها إلى الوظائف الثابتة، التي تستحق عليها المعاش الحكومي، وهو الأمر الذي حدث بالفعل عام 1904.
الفونسو جراناتو
تقول وثائق ملفه الوظيفي – المحفوظ في دار الوثائق العمومية بالقلعة - بأن اسمه الفونسو أنطوان جراناتو، من مواليد إيطاليا عام 1849. بدأ العمل عام 1874 في البوليس المصري، ثم التحق بوظيفة هيدكونستابل ببوليس مصر بمصلحة البوليس عام 1879، ورفت منها لعدم لياقته الطبية. وكان يسكن في بيت ملكه في عزبة الزيتون بالقاهرة. وقد انتقل إلى وظيفة ملاحظ بتياترو الأوبرا الخديوية عام 1898، وظل بها حتى أحيل إلى المعاش لعدم لياقته الطبية أيضاً عام 1911. وقيمة وثائق ملف الفونسو جراناتو، تتمثل في وجود وثيقة؛ عبارة عن كشف رواتب العاملين في الأوبرا الخديوية لشهر يناير 1904، يهمنها فيها وجود الأسماء والوظائف داخل الأوبرا الخديوية، لعل أحد الباحثين يبحث عن ملفات بعض الأسماء الواردة، والتي لم أذكرها!! والأسماء الواردة في الوثيقة، هي: المسيو بسكوال كلمنتي المدير، المسيو فيكتور بيلور سكرتير محاسبجي، المسيو فورتناتو برونو مخزنجي، المسيو أدريان فومات ترزي للملابس، الست هلانة طلماس عاملة، الست أديل كوسة عاملة، الست ليونتن فرنسسكيني عاملة، الست سيزارين ميل عاملة، المسيو الفونسو جراناتو ملاحظ.


سيد علي إسماعيل