زهرة اللوتس.. دعوة للعمل

زهرة اللوتس..  دعوة للعمل

العدد 618 صدر بتاريخ 1يوليو2019

زهرة اللوتس رمز النقاء والجمال والخصوبة والثراء والمعرفة، تطفو على سطح الماء، ويجب أن تكون المياه دافئة، تتميز برائحتها الجميلة ومناظرها الخلابة اللافته للانتباه، وهي من النباتات المعمرة ولها ألوان كثيرة الأبيض والوردي والأزرق والأحمر، عرفت قديما في أنحاء كثيرة من العالم.
وجدت زهرة اللوتس في النقوش المصرية القديمة حيث قام باستخدمها المصريون القدماء في صناعة مساحيق التجميل للحفاظ على البشرة، وتستخدم حاليا في الطب التقليدي.
انطلاقا من هذه المرجعيات يمكن أن ننطلق في تحليل عرض «زهرة اللوتس» الذي قدمه البيت الفني للمسرح – المسرح القومي للأطفال – على مسرح ميامي من تأليف (طارق مرسي) أشعار وأغاني (أيمن النمر) وإخراج محمد حجاج.
تبدأ الأحداث بظهور مجموعة من الأطفال في صالة العرض، ليكتشفوا أنهم داخل مسرح ويصعدوا على خشبته ويشاركون أحداث العرض، كذلك تجدهم يقومون بتغيير المناظر السابقة، وهو أسلوب يحفز الطفل الجالس في صالة العرض بالاهتمام بالعرض مع حبه للمسرح ويتمنى مشاركة هؤلاء الأطفال.
يبدأ العرض بالموسيقى المميزة لحكايات ألف ليلة وليلة، التي قدمت في الإذاعة المصرية ثم التلفزيون تخلق أفق توقع إضافي للطفل قبلما يبدأ العرض المسرحي في تقديم موضوعه عن الأميرة لوتس فقد أطلق عليها هذا الاسم والدها الملك لاهتمامه بزهرة اللوتس التي تصدر له طاقة إيجابية.
تظهر الأميرة لوتس ووصيفتها لليان في حديقة القصر وتجلس أمام البحيرة التي تنمو فيها زهرة اللوتس، نعلم أن والدها مريض، تدعو لوالدها بالشفاء، يدخل علاء الدين إلى حديقة (قصر الملك) ومعه بعض الأصدقاء من الحيوانات، هذه الحيوانات تقوم بمساعدته في العمل، تكتشف الأميرة وجود علاء الدين فتسأل قائد الحرس عنه وعن سر وجوده مبكرا، فتعلم أنه جاء للعمل في حديقة القصر بدلا من عم فارس الذي أصبح غير قادر على العمل، ويجيبها علاء الدين بأنه يحب العمل مبكرا، كما أنه سوف يذهب لجمع الحطب لاحتياجه للمال للصرف على علاج أمه المريضة. يموت الملك ويعلن الحداد لمدة أربعين يوما، يفكر عم الأميرة مع وزير الملك في حيلة لتصدير الطاقة السلبية للأميرة لعزلها عن حكم البلاد بعد مرور فترة الحداد. لذلك يصدر العم قرارا بمد فترة الحداد لمدة ستة أشهر ومنع العمل خلال تلك الفترة. تسوء حالة الأميرة، وتصبح طاقتها سلبية لعدم ظهور زهرة اللوتس على سطح الماء وتصدر الأميرة قرارا بمنح مكافأة لمن يعلم سر اختفاء زهرة اللوتس؟!
يهتم علاء الدين بمعرفة السبب، لكنه أثناء تنظيفه للأباريق التي ورثها عن والده يظهر له مارد، هذا المارد ليس المارد الذي يحقق الرغبات ويقدم الحلول مباشرة لكنه يساعد الإنسان للوصول لما يبحث عنه، يذهب علاء الدين في رحلة مع المارد إلى السحاب ويقابل ملك السحاب ويتعلم قيمة الوقت، وكذلك معلومات عن الأمطار وكيف تسقط؟ ولماذا يصبح ماء الأمطار عذبا؟ ثم يذهب علاء الدين مع المارد إلى أعماق البحار ويتعلم معنى الشجاعة، وأن لاختفاء زهرة اللوتس سببا متمثلا في كلمة مكونة من خمسة حروف.
يعود علاء الدين من رحلته ويبدأ في التفكير لفك شفرات المعلومات التي حصل عليها أثناء رحلته مع المارد، يصل إلى أن زهرة اللوتس لم تظهر على سطح الماء نتيجة الكسل والخمول فتصبح البيئة المحيطة بزهرة اللوتس باردة وذلك كان سبب إخفائها. ليتعلم الطفل وتغرس فيه قيمة حب العمل.
العرض يمتلك القدرة على التواصل مع الكبار والصغار عبر تقديمه لقيم مهمة مثل حب الوطن، معنى الصداقة، الإصرار على تحقيق الحلم بالعمل، أن يكون الإنسان دائما مع الحق والعدل، الاهتمام بالعلم.
كان ديكور (حازم شبل) مكونا من خمسة مناظر، حديقة القصر، منزل علاء الدين، قاعة العرش، مملكة السحاب، مملكة أعماق البحار، وكان كل منظر مرسوم على بنر مشدودة على بانوه، فقد تخلى عن الكتل الثقيلة وأصبح تغيير المناظر سهلا، وكان منظر منزل علاء الدين مستوحى من التراث، أما الرسومات الأخرى فهي من وحي خياله لمبتكر ومصصم للديكور.
قامت الإضاءة (أبوبكر الشريف) بتجسيد الديكور الذي استخدم الألوان الرئيسية الأحمر والأخضر والأزرق، مع ملابس (مروة عودة) التي اختارت ملابس من التراث لتتناسب مع الشخصيات المستوحاة من ألف ليلة وليلة، وكانت ملابس ملك السحاب وملكة البحار والحيوانات من وحي خيالها كمصممة أزياء.
أما أعمال النحت (يحيي صبيح) فكانت مكملة لمنظومة متكاملة لتحقيق الرؤية البصرية الممتعة لخدمة العرض المسرحي مع إظهار الألوان المبهجة للطفل. وعندما نتحدث عن استعراضات (شريف راضي) وموسيقى وألحان (إيهاب حمدي) فهي من العناصر التي تحقق المتعة للطفل، وكانت المادة الفيلمية (محمد الجباس) التي عبرت عن صعود علاء الدين والمارد السحاب وغوصه في أعماق البحار، فتم تنفيذها في حدود الإمكانات المادية القليلة، فانعكس ذلك على الصورة.
كان الأداء التمثيلي المتميز (سيد جبر) الوزير، (حمدي العربي) العم، كعادتهما في رسم الابتسامة وقدرتهما على إسعاد الطفل، وعلى الرغم من قصر مساحة دور (محسن العذب) ملك السحاب فقد قدمه باحترافية فهو من الأدوار المهمة التي تحتاج لممثل متمكن، تميز جميع الممثلين (هدى هاني) الأميرة، (شادي خفاجه) علاء الدين، (أشرف شكري) الحمار وأيضا دور التاجر، (وائل إبراهيم) الشاطر علي، (فاطمة ذكي) الوصيفة لليان، (وليد أبو ستيت) المارد، (محمد بسيوني) سمكة القرش، (عصام إبراهيم) الكلب، (بدر سيد حسن) رجل السحاب، والأطفال (شذى، مروان سامي، فرح مجدي، محمد خالد، مريم، ماجدة عصام).
تحية للمخرج محمد حجاج الذي استطاع أن يقدم عرضا ممتعا مبطنا بقيم تعليمية للأطفال في حدود الإمكانات التي توفرت له.
والتحية للفنان القدير حسن يوسف مدير عام المسرح القومي للأطفال وكل العاملين معه للاهتمام بتقديم أكبر عدد من الليالي المسرحية والجهد المبذول في جذب الجمهور في ظل الإمكانات المادية القليلة جدا فأرجو من المسئولين تدبير الموارد المالية للمسرح القومي للطفل، طفل اليوم هو مسئول الغد، قائد المستقبل، مسرح الأطفال مصنع للرجال.


جمال الفيشاوي