المسرح في ليالي رمضان قديما (2)

المسرح في ليالي رمضان قديما (2)

العدد 611 صدر بتاريخ 13مايو2019

تحدثنا في المقالة الأولى عن العروض المسرحية التي كانت تُعرض في مصر في ليالي رمضان منذ القرن التاسع عشر، فتحدثنا عن عروض فرقة القباني، وإسكندر فرح، وسليمان الحداد، وسليمان القرداحي، بالإضافة إلى عروض النوادي والجمعيات الخيرية، حتى وصلنا في الحديث عن الفرق المسرحية التي عرضت في الإسكندرية، مثل فرقة عزيز عيد، وفرقة أمين عطا.. وفي هذه المقالة نستكمل الموضوع!!
فرقة عكاشة
إذا كان حال فرقتي عزيز عيد وأمين عطا، يسمح لهما بالسفر والتنقل إلى الإسكندرية، استغلالا لليالي رمضان الصيفية في الإسكندرية، فماذا ستفعل الفرق الراسخة، التي لها مسرح ثابت في القاهرة، مثل فرقة أولاد عكاشة؟! الحقيقة، إن الفرقة ابتكرت شيئا جديدا لجذب الجمهور، وهو إعداد بوفيه خارج المسرح طوال شهر رمضان، به أفخر المرطبات وأجود المشروبات، مع وجود فرقة موسيقة برئاسة عبد الحميد علي، وذلك قبل العرض المسرحي، الذي يبدأ كل يوم في رمضان الساعة التاسعة مساء، كما نشرت ذلك جريدة (الأخبار) في مايو 1921.
وفي العام التالي، واظبت الفرقة على هذا الأسلوب، مع تغيير بسيط، وهو إلغاء العروض المسرحية النهارية التي كانت تُقام يومي الأحد والجمعة، والاكتفاء بالعروض المسائية كل يوم في رمضان، كما أخبرتنا جريدة الأهرام في أبريل 1922.
أما رمضان في عام 1925، فكانت بدايته مميزة بالنسبة لفرقة أولاد عكاشة؛ حيث وافق افتتاح مسرحية الفرقة الجديدة، مع أول يوم رمضان!! ومن الواضح أن هذا الافتتاح كان غير مسبوق، لأن العرض كان مهما، لا سيما وأن أم كلثوم غنت بين فصول المسرحية!! لهذا اهتمت أغلب الصحف بالإعلان عن هذا اليوم، اهتماما غير عادي، وكررته على مدار آخر عشرة أيام من شهر مارس 1925. ومن هذه الصحف: الأهرام، والبلاغ، وكوكب الشرق، وهي الصحف التي نشرت إعلانا واحدا، وبصيغة واحدة، نشرت فيه مضامين المسرحية في عبارات مقتضبة، قالت فيه الآتي:
«الطرب والتمثيل والغناء.. الرواية الجديدة المدهشة.. استعدوا لمشاهدة ذلك، يوم الخميس أول رمضان، 26 مارس الساعة 9.30 مساء، لأول مرة بتياترو حديقة الأزبكية، الرواية الجديدة. شركة ترقية التمثيل العربي.. جوق عكاشه وشركاهم.. يمثل لأول مرة الرواية الجديدة ذات المناظر الخلابة.. رواية (الأعمى المصور). مأساة، عبرة من أكبر العبر، قطعة من الحياة العائلية، تبكي العيون الجامدة، درس دامي، يستفز القلوب، وتنحني أمامه العواطف. زوبعة مريعة، تكتسح كل ما حولها من الآمال. قسوة مدهشة، ساعة متأخرة من الليل، علامة الأبن غير الشرعي، حظ النساء الجميلات، عشق المجانين، مفاجأة غير منتظرة، صوت يجذب قلوب السامعين. الشعور والوجدان أكبر ميزة في الإنسان، الطرب يحلل الجرائم، سماع الحب من أفواه العصافير، لماذا يخضع المرء للعواطف، البحث في ظلام الليل، طريق الصواب، الصوت الحنون يزيد المرأة جمالا، قلب قد من الصخر، النداء المريع، زين للناس حب الشهوات، عفا الله عما سلف. تظهر بين مناظر الرواية فتشدو بصوتها الساحر مغنية أرض مصر المقدسة عروس المطربات الآنسة أم كلثوم. تغني مقطوعات جديدة، تغني أناشيد شجية، تغني كل ما يطرب ويشجي، تغني نشيد السلام، تغني إلى الساعة الأولى ونصف بعد منتصف الليل. وترقص الراقصة التركية الجميلة عديلة هانم أجمل راقصات الأناضول».
فرقة الريحاني
تُعدّ فرقة نجيب الريحاني من الفرق الراسخة - مثل عكاشة – التي كانت تعرض مسرحياتها في رمضان على مسرحها الثابت، دون الحاجة – في أغلب الأعوام – للانتقال إلى الإسكندرية. فقي رمضان – الموافق أبريل 1924 – عرضت الفرقة مسرحيتها الناجحة (البرنسيسة) على مسرح برنتانيا، طوال الشهر الكريم، بطولة الريحاني وبديعة مصابني. وفي رمضان – نوفمبر عام 1936 - عرضت الفرقة مسرحيتها الجديدة (قسمتي) على مسرحها تياترو ريتس، من تمثيل: ميمي شكيب، زوزو شكيب، زينات صدقي، ماري منيب، عبد اللطيف جمجوم، بشارة واكيم، حسن فايق، محمد مصطفى، مصطفى سامي، فيليب كمال، السيد سليمان، السيد فخر الدين، إبراهيم يونس، حلمي عشماوي، سعيد فرج، نعيم فهمي، مرجريت صفير، شفيقة جبران، سلمى جمجوم، أفكار كامل. وكان الإعلان الموزع على الجمهور، يقول: إن المسرحية ستعرض «أثناء شهر رمضان المبارك كل يوم سواريه فقط، ويوم الأحد ماتنيه الساعة 6 ونصف».
الفرقة القومية
حتى الفرقة القومية؛ بوصفها الفرقة الحكومية، كانت تستفيد من ليالي رمضان، التي حانت مع بداية بعض مواسم الفرقة. فعلى سبيل المثال، بدأ رمضان – في أكتوبر عام 1937 – مع بداية موسم الفرقة، التي أعلنت عن عروضها – ابتهاجا برمضان – حيث بدأت عروضها المسرحية المصرية المؤلفة، مع بعض العروض العالمية المترجمة، مثل: سر المنتحرة، الحب والدسيسة، بناتنا سنة 1937، الخطاب، الزوجة الثانية. كما أعلنت الفرقة عن أسماء مخرجي هذه المسرحيات، وهم: عزيز عيد، عمر وصفي، عمر جميعي. كما خفضت الفرقة أسعارها بمناسبة رمضان، لتصبح: بنوار 100 قرش، لوج أول 70 قرش، لوج ثان 50 قرش، ممتاز 15 قرش، مخصوص 12 قرش، ستال 10 قروش، بلكون 8 قروش، أعلى 5 قروش.. هكذا أعلنت الفرقة في مجلة آخر ساعة في أكتوبر 1937.
وفي أكتوبر 1939 تحدثت مجلة المصور عن بداية موسم الفرقة القومية في رمضان، بعرض مسرحية (مصرع كليوباترا) لأحمد شوقي، ومن إخراج سراج منير، وتمثيل: زينب صدقي، حسين رياض، عباس فارس، منسى فهمي، زكي رستم، فؤاد شفيق، نجمة إبراهيم، زوزو حمدي الحكيم، محمود رضا، فؤاد فهيم، علي رشدي، سعيد خليل، أنور وجدي، يحيى شاهين، حسن إسماعيل، محمود إسماعيل، شفيق نور الدين، عباس يونس. ويغني في المسرحية المطرب محمد عبد المطلب. وستليها في رمضان أيضا مسرحية (امرأة تستجدي) تأليف محمود غالي حسني، إخراج عمر جميعي، موسيقى عبد الحليم على، ومن تمثيل: أحمد علام، دولت أبيض، منسى فهمي، فردوس حسن، أمينة نور الدين، أنور وجدي، عباس فارس، حسن إسماعيل. أما بقية عروض الفرقة القومية في رمضان لهذا العام – حسب الإعلان الموزع حينها - فكانت: الفتاة المسترجلة، مجنون ليلى، الحب والدسيسة، طيف الشباب، طبيب المعجزات، ماريا، الأمل، لويس الحادي عشر.
مسارح رمضانية في الإسكندرية
أشرنا فيما سبق عن أهمية العروض المسرحية في ليالي رمضان بالإسكندرية، وذلك من خلال عروض إحدى الفرق أو الجمعيات الخيرية أو النوادي الأدبية والثقافية.. إلخ. ولكن الأهمية الكبرى، ظهرت ابتداء من عام 1930، عندما لاحظت مجلة المصور – في يناير الموافق شهر رمضان – انتقال أربع فرق مسرحية من القاهرة إلى الإسكندرية لتعرض مسرحياتها في تنافس كبير، لأول مرة!! وهذه الفرق هي: فرقة أمين صدقي، وفرقة فوزي الجزايرلي، وفرقة فوزي منيب، وفرقة يوسف عز الدين.
وهذا التنافس بين الفرق الأربع في شهر رمضان بالإسكندرية، كان ناجحا، لدرجة أن التنافس توسع بينهم وبين غيرهم في العام التالي، كما وصفت لنا مجلة الحسان في ديسمبر 1931، قائلة تحت عنوان (رمضان كريم): «يكون شهر رمضان المبارك في الإسكندرية من كل عام، عبارة عن موسم تمثيل وغناء أكثر من أي موسم آخر. فترحل الفرق التمثيلية والمطربات إلى الثغر، وتقيم الشوادر الخشب والخيام على شاطئ البحر بالميناء الشرقي؟ وقد علمنا أن من بين الذين سيعملون في الإسكندرية، فرقة الأستاذ علي الكسار. وقد اتفقت مع صاحب (السينما الشرقي)، وسيكون أمامه فرقة الأستاذ الجزايرلي، ففرقة المسيري، وفرقة الأستاذ يوسف عز الدين الذي يقال إنه يتفاوض مع أصحاب سينما الحرية، وفرقة الأستاذ فوزي منيب. أما المطربين والمطربات. فيشاع أن السيد أفندي شطا سيكون في صالة البلفي، والآنسة ملك بصالة أوزونيا، والسيدة ماري الجميلة بصالة كوكب الشرق.. شدوا حيلكم يا جماعة.. رمضان كريم».
وهذه التوقعات – أو التحضرات – التي وصفتها لنا مجلة الحسان قبل حلول شهر رمضان، وصفها أحد الشهود في كلمة، نشرتها جريدة أبو الهول – في يناير 1932 – تحت عنوان (ملاهي الإسكندرية في رمضان)، جاء فيها الآتي: «كتب إلينا أديب من الإسكندرية يقول: لم أكن أعلم قبل الآن أن الإسكندرية مرعى خصيب للتياترات في شهر رمضان. فلا تكاد تسير على رصيف المينا الشرقية فيما بين المحكمة الأهلية الكلية وحمام الأنفوشي تقريبا، إلا وترى شوادر فخمة. هذا للكسار، وذاك لفوزي منيب، وآخر للمسيري. ثم تنتقل إلى حي الألعاب البهلوانية. فترى تياترو (الصول)، وتياترو (عمار المصري)، ومحل الألعاب الرياضية، ورفع حجر الطواحين، والأراجوز، والمراجيح، وخيال الظل، وإلى غير ذلك من الاستعدادات الهائلة».
ومن الواضح أن جريدة أبو الهول، رصدت بعناية كبيرة هذا التتافس الفني، فكتبت كلمة مهمة يوم 30/ 1/ 1932، تحت عنوان (إسكندرية في رمضان)، جاء فيها الآتي: «تشهد إسكندرية أو بالتحديد جزء من الإسكندرية، هو الميناء الشرقي، صراعا عنيفا بين أربع فرق تمثيلية هي: فرقة الكسار، وفرقة منيب، وفرقة الجزايرلي، وفرقة المسيري. وإذا كان لحكم أن يصدر حكمه على اعتبار أن المقدمات دليل النتائج، تكون فرقة الكسار قد كسبت المعركة، وتكون فرقة منيب قد استفادت من وجود فرقة الكسار، فكسبت من وجودها، ما لم تتعود كسبه في كل عام بعدم وجودها. وتفصيل ذلك، أن المسرح المتنقل المؤقت، الذي بناه الأستاذ الكسار لنفسه، يمتلئ كل ليلة، أو بتعبير المتعهدين (بكمبل)، من الساعة السابعة. فيضطر الذين حضروا لمشاهدة الكسار بعد هذه الساعة، أن يقنعوا بقضاء ليلتهم في مسرح منيب. وفيما يلي بيان عن الإيراد النسبي لكل فرقة من الأربع فرق، أطلعنا عليه أحد المتصلين بهم: مسرح الكسار يتراوح إيراده كل ليلة بين 60 و70 جنيها، ومسرح منيب بين 40 و50 ج، ومسرح الجزايرلي بين 7 و10 ج، ومسرح المسيري بين 3 و4 ج. وأثمان التذاكر عند الكسار 10 و5 قروش، وعند منيب 5 فقط، وعند الجزايرلي 3 و4 قروش، وعند المسيري من قرشين ونازل».
وفي رمضان عام 1934، كانت فرقة علي الكسار في تألق غير مسبوق بالإسكندرية، ولم تستطع أية فرقة منافستها، وكفى أن نطلع على عناوين بعض المسرحيات التي مثلتها - الفرقة على مسرح خاص بالكسار، أقيم في المينا الشرقية بجوار المحكمة الكلية – ومنها: الجنايني، يا بنت الإيه؟، بوابة جحا، برغوث أفندي، البربري في الهند، ورد شاه، الطمبورة، حماتك تحبك، بيت النتاش، اللي يعيش، هانت، السندباد البحري. وقام ببطولة هذه العروض: علي الكسار، عقيلة راتب، حامد مرسي.. هكذا جاء في إعلانات الفرقة المنشورة في مجلة الجمهور في ديسمبر 1934.
ومن أهم المواقف الوطنية، التي وقفها الكسار في عروضه الرمضانية بالإسكندرية في هذا العام، هو تخصيصه لحفلة واحدة للعمال، حضرها الأمير عباس حليم، نصير العمال وأحد الرموز الوطنية – رغم أنه من الأسرة الحاكمة – حيث أرسل الأمير خطابا إلى الكسار – نشرته جريدة أبو الهول في يناير 1935 - قال فيه: «حضرة الأستاذ علي أفندي الكسار نشكركم على حفاوتكم بنا، وإجادتكم في التمثيل. ونرجوكم إبلاغ شكرنا لحضرات الممثلين والممثلات، الذين عاونوكم في إحياء ليلتنا، وإظهارها بالمظهر اللائق، ونخص بالشكر الأستاذ حسين المليجي، على ما قام به من همة في إلقائه كلمة العمال. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام رئيس الاتحاد العام عباس حليم». وقد رد عليه الكسار بالخطاب الآتي: «حضرة صاحب الشرف الرفيع، كان للكتاب البليغ الذي تفضلتم فيه بكلمات العطف، وترجمتم فيه عن تقديركم لولائنا لكم، وإخلاصنا للعمل الفني، الذي نسري به عن النفوس والأرواح، أعمق الأثر وأجمله. وليس عجيبا أن يصدر عمن ناط به العمال آمالهم ومستقبلهم، ذلك التشجيع الكبير الذي يظل ألوف العمال في مصر، والذي يدخره الملتفون بكم لمستقبل هذه البلاد. وباسم الأسرة الفنية التي أنوب عنها في خطابي هذا، أتمنى أن تتنازلوا بقبول شكري واحتراماتي.. علي الكسار».

 


سيد علي إسماعيل