«جبر الخواطر» حبكة بسيطة في مقابل طغيان الطقس على الدراما

«جبر الخواطر» حبكة بسيطة في مقابل طغيان  الطقس على الدراما

العدد 605 صدر بتاريخ 1أبريل2019

“حب ما شئت .. إن لم تكن امرأة “ ..! هذه هي “الفرضية “ التي بنى عليها محمد الكلزة مؤلف ومخرج عرض (جبر الخواطر ) الذي قدمته وحدة الأسكندرية ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان المسرح العربي (زكي طليمات ) في نسخته  الـ 36 ، ولعل اختلاف العرض عن جميع العروض المقدمة في المهرجان هو ما  دفعني للكتابة عنه  وهو  الحالة الصوفية التي غلفت الدراما والصورة المسرحية .
بحثت كثيرا عن مدخل نقدي لهذا العرض من خلال عنوانه باعتبار أن بعض المناهج النقدية الحديثة تتخذ من عتبات النصوص والاعمال الابداعية مدخلا لها ، فلم أجد مدلولا لـ ( جبر الخواطر ) داخل هذا العرض المسرحي .
إذ أن المؤلف / المخرج كما ذكرت قد بنى فرضيته حول إحدى الطرق الصوفية التي تبيح لأتباعها كل شيء إلا النساء، وهذه الجملة التي افتتحت بها مقالتي نجدها مكتوبة بالرسم العثمانى على أحد أبواب مكان الحضرة، مع بعض الآيات القرانية مثل ( وعجلت إليك ربي لترضى ) .
وهي جملة ركيكية الصياغة اللغوية  مقطعها الأول عامي ، والمقطع الثاني فصيح، ولا نستطيع أن تفهمها إلا من خلال العرض فهو يقصد ( أحبب ما شئت .. إلا النساء ) وهو قانون الحضرة أو الطريقة  التي ينتمي لها عالمه الصوفي الذي يعرضه ، ويتناقض مع نفسه عندما يذكر على لسان البطل ما يفيد بألا رهابنية في الإسلام وحديث شريف  للرسول “ حبب لي من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة” !
وقد تعمدّ المخرج تحييد الزمان والمكان، ورغم ذلك لم نر شيئا في العرض غريبا عن واقعنا وبيئتنا المعاصرة، وقد  بدأ مسرحيته بحضرة الذكر والمديح النبوي ومنها إلى مديح شيوخ الحضرة، وهو بمثابة تمهيد للصراع  داخل هذه الطريقة وبين شبابها، الذين يطمحون في الوصول إلى رتبة شيخ الطريقة ، لاسيما وأن شيخهم الأكبر قد أصابه الكبر، والصراع هنا بين الشبابين (عابد ) و ( وسام) .
ولم يتوقف الصراع داخل البناء الدرامي عند ذلك بل ما نلبث أن  نلتقط طرفا جديدا من خيوط الصراع وهو الصراع داخل نفس (عابد) الذي يجاهد نفسه التي تشتهي النساء، وهو ما يحرمه قانون الحضرة / الطريقة الذي بنى عليه حبكته المسرحية، وهي حبكة بسيطة داخل بناء درامي تقليدي يصل لذروته تدريجيا مع تصاعد الأحداث عندما يتآمر (وسام ) أحد شباب الطريقة ويعطي مالا للفتاة التي يهواها ( عابد ) لتغوية فيقع عابد في الغواية فيتهم بالزنا في نفس اليوم الذي يموت فيه شيخ الطريقة الأكبر ، ويقام الحد على ( عابد ) بالجلد، وهو حد الزنا لغير المحصن في الشريعة الإسلامية ، ويمنع (عابد ) من إلقاء نظرة أخيرة على شيخه قبل دفنه، ومن حضور جنازته، ولا يجد من يدافع عنه سوى امرأة بسيطة كانت تعيش في كنف الشيخ ، في خدمة الشيخ وأتباع الطريقة ، فيتم طردها هي الأخرى.
 ولم يرد المؤلف أن ينهي مسرحيته بهذه النهاية المأسوية، فنرى عابد وقد تزوج محبوبته وأنجب منها في أرض أخرى بعيدا عن هذه الأرض ، وقد جاءت النهاية مفاجئة دون تمهيد لنجد أنفسنا مجبرين على قبولها دون أي مقدمات ،  كل هذه الأحداث غلفتها الحالة الطقسية / الصوفية بالرقص والغناء والذكر ، فالموسيقى والإنشاد ورقصات المولوية كانت بطل العرض، ولعلها كانت أقوى من دراما العرض ذاتها.
فما جسده هذا العرض من صراع على مشيخة الطريقة الصوفية  ومن شخصيات لم تأت مكتلمة البناء الدرامي ، كان من الممكن أن يصيغه في أي قالب آخر ،  وليس فيه ما يستدعي أن يسقط فكرته داخل طريقة صوفية أقرت لنفسها قانونا أشبه بالرهبنة ..! فربما كان منطقيا أن يدور هذا الصراع داخل أحد الأيرة بين مجموعة من الر هبان .
إن جوهر الدراما في المقدمات التي تقود للنتائج وفي الشخصيات الواضحة الأبعاد داخل البيئة الدرامية التي تستعرضها احداث المسرحية ( هنا والآن) ، ورغم شاعرية اللغة التي كتب بها المؤلف مسرحيته  وطغيان الحالة الصوفية بمفرداتها الموسيقية والطقسية على الدراما ، إلا أننا أمام دراما أراها غير مكتملة ، وإن كانت خاضعة شكلا للبناء الأرسطي التقليدي ، ولكن لم يستطع المؤلف /المخرج تشبيع اللحظات الدرامية ، وإبراز أبعاد شخصياته المتباينة والتي بدت نمطية إلى حد كبير ، ولم تظهر خصوصيتها داخل البناء الدرامي .
أما على مستوى الصورة البصرية فرغم جمالها إلا أننا وقعنا أسيري صورة ثابتة لا تتغير مع اللحظات الدرامية ، فالمشهد عبارة عن اربع غرف متجاورة أفقيا تتوسطها غرفة الشيخ الأكبر وعلى يسارها غرفة عابد ، وبجوارها غرفة للمنشدين ، وعلى الرغم من ذلك لم يكن لهم وجود درامي إلا كونهم منشدي الحضرة ، وقد سيطرت الاضاءة الخضراء والبنفسجية على الصورة طوال العرض المسرحي ، وفي اقصى اليسار غرفة للمرأة البسيطة التي تعيش في كنف الشيخ .
 إذا كانت وظيفة الديكور في العرض المسرحي هو تحديد الزمان والمكان والتعبير عن الدلالات الدرامية والتكوينات الجمالية، فنرى أن مهندس الديكور قد اعتمد على صورة ثابته لم تكن ملائمة للحالة الدرامية  فارتكز على بعض  الخطوط الرأسية في تكوين الغرف   وخلا التكوين من الدورانات والمنحنيات رغم صوفية حالة العرض اللهم إلا من ثلاثة (ارج) بين أعمدة الغرف، ربما كانت هي الوحيدة المعبرة عن الحالة .
وعلى  مستوى الأزياء ارتدى الجميع الجبة والعمامة وهي أزياء شديدة التقليدية يرتديها الأزهارة وبعض المتصوفين .
أما عن الأداء التمثيلي فقد أتقن الممثلون أدوارهم ولاسيما (عابد ) الذي جسده محمد الكلزة مؤلف ومخرج العرض، والمرأة البسيطة / الأم والتي جسدتها شريهان الشاذلي وهي طاقة تمثيلة وموهبة طاغية .
ويبدو تأثر المخرج الشديد على مستوى الصورة  بعرض (قواعد العشق الاربعون ) للمخرج عادل حسان والذي قدمته فرقة المسرح الحديث على مسرح السلام  في العام الماضي، لكننا لا نعيب عليه هذا التأثر، ولكن تبقى بساطة الحبكة وسط هذا الزخم الصوفي هو نقطة الضعف الأبرز في هذا العرض .


عماد علواني