المزاد الكل بائع والمشتري واحد

المزاد الكل بائع والمشتري واحد

العدد 600 صدر بتاريخ 25فبراير2019

منذ خلق الإنسان ووعى بوجوده تخلقت داخله الصراعات وأصبح مجبرًا على مصارعة العالم خارجه على حد سواء، ولكن في عصرنا الحديث اختلفت الصراعات فزادت حدة وعنفا وزادت عددا وأصبحت أكثر مادية فالجميع سلع والجميع يباع ويشترى الكل عبد للسيد الأوحد وهو المال فالفقير عبد لاحتياجه للمال والغني عبد لثروته، فالمال هنا هو السيد الحقيقي فهو يستعبد الغني قبل الفقير. «المزاد» عرض مسرحي نتاج ورشة مسرحية تدور أحداثه خلال خمسة وأربعين دقيقة تدور داخلها الكثير من الإشكاليات بشكل مدموج ومختصر وتدور أحداث العرض في مساحة مسرحية مختلفة ومميزة وهي «مسرح الغرفة» وهو نوع من المسارح مختلف عن خشبة المسرح الإيطالية المعتادة بشكل كبير حيث يكون الممثلون في نفس المستوى مع الجهور على عكس خشبة المسرح الإيطالي مما يزيد من حالة الالتحام بين الممثلين والجمهور وقد خدم هذا عرضنا اليوم «المزاد» بشكل خاص حيث إن التحام الممثلين مع الجمهور جعل الإشكاليات المعروضة أقرب للجمهور وجعلهم أكثر تفاعلا معها.
العرض نتاج ورشة مسرحية تأليف الفنان خالد الصاوي إخراج هشام طارق.
يبدأ العرض على المزاد الذي يبيع فيه شاب صغير عدة أشياء وهو يعلن عن سلعته الأغلى في النهاية، يعلن عن تلك السلعة التي تكون ذاته ليتكشف الصراع الأول الذي يجسده العرض وهو صراع الإنسان الحديث وخصوصا المنتمي للجيل الشاب مع الرأسمالية التي حولت البشر إلى سلع يتم تداولها فتسعر ويبخس بثمنها أيضا.
ويبدأ العرض على مشهد ثنائي بين البائع والشاري ويتابع البائع عرض مميزات نفسه كبضاعة يتم المحاولة لبيعها بأعلى ثمن ويجد الشاري الذي يحاول أخذه بأبخس ثمن ويحاول استغلاله أسوأ استغلال ليجد البائع نفسه يتحول إلى عبد في يد المشتري.
ينتقل العرض بعد ذلك إلى مناقشة المشكلات الأسرية بشكل سريع بنفس الشخصيات فنجد البائع هو الابن والمشتري هو الأب ليستعرض لنا العرض العلاقة غير الصحية بين الآباء والأبناء فهي المشكلة الأكثر تأثيرا على نسبة كبيرة من الشباب في الوقت الحالي، فنرى أن العرض يشير إلى عدة مشكلات في عصرنا الحالي في وقت واحد.
ويتبلور هذا الاتجاه في مشهد تلو الآخر حيث نرى محاولة عرض المشكلات النفسية وانتشارها بين الشباب والمشكلات الأسرية وانتشارها والسلطة الأبوية ومحاولة امتلاك الأبناء وكل هذا يحدث داخل نفس الإطار وهو إطار الشخصيات النمطية حيث نجد شخصيات العرض عبارة عن أنماط متغيرة فهي لا تحمل أسماء أو سمات شخصية بل كل شخصية هي عبارة عن نمط، نمط أبوي نمط استغلالي نمط الضحية وغيرها من الأنماط لتنكشف مستويات العرض مستوى تلو الآخر من خلال تلك الأنماط، اعتمد العرض على الملابس الاعتيادية المألوفة في الحياة اليومية للقرن الحادي والعشرين بشكل عام حيث تدور أحداث العرض في اللازمان واللامكان فلم يتم الإشارة إلى مكان بعينه ولا الملابس تميزت بخصائص زمنية معينة، وكذلك الحال الخاص بزمن العرض.
شاب العرض بعض المشكلات التقنية حيث ظهرت مشكلات دمج الإضاءة جلية للجمهور، وكذلك بعض المشكلات الصوتية وذلك بسبب بساطة الإمكانيات المستخدمة لإنتاج العرض، ولكن عوض تلك المشكلات الأداء المتميز للممثلين حيث اعتمد معظم الممثلين على الأداء الحركي ووجدت الاستعراضات الخلفية للدلالة على أن الإشكاليات الموجودة داخل العرض هي إشكاليات عامة وليست مجرد مشكلات شخصية يمر بها أبطال العرض، ويمكننا أن نرى التشتت في العرض الإشكاليات يصيب الجمهور بربكة مقصودة ففي النهاية لا يستطيع الجمهور أن يدرك بشكل كامل أي المستوى هو المستوى الحقيقي وأي المستويات هو الانعكاس له، وفي النهاية نستطيع أن نرى أن العرض قد حقق أقصى ما يمكن تحقيقه من خلال مشروع تخرج ورشة إخراجية حيث أظهر مواهب القائمين عليه سواء من الممثلين أو القائمين على الإخراج والملابس والديكور والمكياج، وقد ازدهر المكياج والإكسسوار داخل العرض ليكون الأكثر ظهورا والأكثر إظهارا لحالة الأبطال الداخلية والخارجية وتعبيرا عن انفعالاتهم ومشاعرهم فيظهر العكاز في يد الأخ ليدل على العجز وقلة الحيلة سواء في الماضي أو المستقبل والدماء على يد الابن تدل على الانهيار والغرق في المشكلات المتعددة، أما جمود وتسطح ملامح الأب فيشير إلى شخصيتة السلطوية وعلاقتة غير السوية مع أبنائه.
وفي النهاية نستطيع أن نرى رغم بساطة الإمكانيات، أن العرض استطاع أن يصل إلى جمهوره وأن يدمج الكثير من الإشكاليات في وقت قياسي وشكل مميز.


هالة راضي