محمود جمال: المؤلف المميز والمختلف يمتلك صبغته الفنية في مؤلفاته الخاصة

 محمود جمال: المؤلف المميز  والمختلف يمتلك صبغته الفنية في مؤلفاته الخاصة

العدد 599 صدر بتاريخ 18فبراير2019

ضمن مجموعة  الورش التدريبية التي أقامها مهرجان أيام  القاهرة الدولي،  الذي أقيم من 7 إلى 10 فبراير الجاري، على مسرح الهناجر للفنون ، أقيمت ورشة “التأليف والكتابة المسرحية “ درب فيها محمود جمال الحديني المؤلف المسرحي،الذي له العديد من المؤلفات المسرحية التي قدمت بالبيت الفني للمسرح والهيئة العامة لقصور الثقافة والمسرح الجامعي والمدرسي، وكذلك الفرق الحرة والمستقلة، وهو الفائز في الدورة الـ “11” الأخيرة للمهرجان القومي للمسرح، بجائزتي أفضل نص كتب خصيصا للمسرح وأفضل إعداد درامي ، كما فاز بجائزة أفضل نص مسرحي  في 2019، لجائزة جمعية ساويرس الثقافية  .
فيحديثه عن الفرق بين الكتابة المسرحية  والسيناريو والرواية  أشار جمال إلى أن هناك عاملا مشتركا بين كل هذه الألوان الفكرة ثم وجود القصة  النابعة من  هم يشغل  المؤلف، قضية اجتماعية أو سياسية أو تاريخية ، ويريد  نقلها للجمهور أو يريد أن يسلط الضوء على  أحد الشخصيات العامة أو المهمشة،  أو يخص بتناوله فئة  مجتمعية بأكملها  تبعا لرؤيته  الخاصة المختلفة،  فيذهب المؤلف إلى الكتابة التي تتناسب هذا الطرح ، مستقرا على أحد القوالب؛ قصة كانت أم رواية أم سيناريو أم نصا مسرحيا . وأوضح محمود جمال أن  السيناريو والنص المسرحي يتفقان معا في أنهما ليس للقراءة فقط،  و هي النقطة الفاصلة والحاسمة التي تميزهما عن الرواية ، ففي الكتابة المسرحية المؤلف شريكا أوليا وكبيرا في صناعة العرض المسرحي  على خلاف الرواية التي تكتب للقراءة بصفة أساسية ، أشار إلى أن  البعض يعدون الكتابة المسرحية لونا من ألوان الأدب ، بينما أرى أن الكتابة للمسرح عملا فنيا كتب للتنفيذ  لارتباطه بخشبة المسرح ذاتها.  

منافسة  قوية
و أوضح محمود جمال  الصعوبات التي تواجه المؤلف المسرحي في ظل ظهور السينما وتطور تقنياتها ومنافساتها للمسرح، حيث بيّن أن المؤلف المسرحي محاصر ومحكوم بمحدودية خشبة المسرح وفرضية تقديم العرض المسرحي من خلالها  بينما في السيناريو  فإن  المبدع لديه حرية التحرك في فضاءات كثيرة وأماكن وأزمنة درامية و مشاهد  متنوعة ومختلفة  ومتعددة، مما يدفع بالمؤلف حيال الكتابة  للسينما أن يطلق لنفسه العنان، لقدرة الكاميرا على الحركة والانتقال وتوافر تقنية المونتاج ، ما  تحدث متعة أكبر للمبدع وللمتلقي، على الخلاف من ذلك كتابة  النص المسرحي  المؤلف المسرحي  لا يضع نصب عينيه غير الفضاء المسرحي كمكان لتنفيذ النص  وعليه عبء تجميع العديد من الصور والمشاهد داخل منظر مسرحي واحد، وهذا يتطلب منه الوعي بتكثيف المشاهد باستخدام ما يسمي “ الركيزة المسرحية “ صورة خاصة ورئيسية تدور حولها وتتابع بعدها بقية المشاهد والصور المسرحية  الأخرى، بينما في السيناريو  تتعدد المشاهد المكتوبة بحرية مطلقة من حيث تنوع الزمان والمكان الدرامي في وقت قصير جدا  من رصد الكاميرا لذلك ، ولهذا  علي المؤلف المسرحي التغلب علي القيود من أجل تحقيق الإبهار وجذب  الجمهور و البحث عن أنماط واتجاهات جديدة ومغايرة عن  المسرح  النمطي أو المعتاد .
ضرب جمالا مثالا من تجربته ليبين الفروق بين الكتابة للمسرح والسينما  قال:  بعد  تأليف مسلسل “ سجن اختياري “ حاولت  تحويله ليقدم على  خشبة المسرح فتطلب ذلك القدرة على الاختزال لبعض المشاهد وتقديمها بشكل مكثف بحيث لا يؤثر ذلك  علي  التتابع والبناء الدرامي وإيديولوجية المؤلف، ومراعاة التقديم بشكل إبداعي وتحقيق  الإبهار الذي يجذب الجمهور. أضاف: يضعك المسرح  في حدود  أكثر انغلاقا وضيقا في الفضاء، ولكنه إبداع وتجربة شديدة الخصوصية و لها صعوبتها التي تتخطى الكتابة للسينما، و تتطلب تحد قوي  ومهارة وصنعة خاصة لتقديم إبداع  يختلف عن التلفزيون أو السينما، وصنع صورة تتفوق عليهما . تابع: في المسرح صعوبة  تتمثل في نقل الحالة من خلال الاختزال و الحوار ومختلف مفردات المسرح ، إضافة  إلى أن الإيقاع يكون أكثر أهمية في المسرح  مما يتطلب من المؤلف المتميز امتلاك هذه المهارة في الكتابة للمسرح .  

السمات الفنية للمؤلف المبدع
وعن سمات المؤلف المبدع قال  الحديني:  يجب أن يتسم المؤلف بوعي كبير بكافة جوانب الحياة وأن يكون علي علم ودراية كبيرة بالعديد من العلوم الإنسانية من أهمها “ علم النفس”  و” علم الاجتماع “ ليقدم  بوعي كبير الشخصيات الدرامية والمسرحية،  بأبعادها المتعددة ويستطيع تناول وبناء الأبعاد النفسية والاجتماعية وكذلك الجسدية  للشخصيات، كما يجب أن ينتبه وهو  يكتب أن يضع نفسه  كأحد المتفرجين  ،  حتي يشعر بالجمهور ويعي ما يمسهم، فيكتب عن القضايا التي تخصهم  ويقوم برصدها وتقديمها لهم،  فيجذبهم إليه وأضاف محمود جمال : من أهم سمات المؤلف  الواعي والمبدع أيضا  أن يكون علي دراية بتقنيات ووحدات وتجهيزات المسرح، من الصوت والإضاءة وكل التقنيات الحديثة المتاحة لتقديم العروض ببساطة، أن يكون  مخرجا أوليا من خلال  كلماته،، كما يجب على المؤلف أن يكون متصالحا مع نفسه ويعالج أخطائه وأن يعي تطوره ونموه و يقف على إخفاقاته ليتعلم منها فيما بعد .
 وأشار محمود جمال إلى أن على  المؤلف أن يفرق  بين ما يكتب للمسرح وما يكتب للسينما، حيث اذا كانت الفكرة متكررة ونمطية يتناولها في السيناريو لأنها ستصبح عادية وشديدة النمطية  في المسرح في ظل المنافسة  الشديدة من قبل السينما، كما نصح محمود جمال  بعدم قولبة الكتابة المسرحية ،أو التفكير  في اتباع مدرسة معينة في الكتابة، و ترك حرية الكتابة للقلم وإطلاق العنان للأفكار، بحيث تكون الفكرة قابلة للتنفيذ والمشاركة في خلق إبداع مسرحي جديد،  وأكد جمال أن المؤلف الواعي عليه أن  يقوم  بدراسة الجمهور الذي سيقدم إليه نصوصه و  يضع نفسه  مكانه،   ولا يكتب بمعزل عن وعيه به . وقال  أن  المسرح بدأ  بالكتابة وأتت بعد ذلك الحركة النقدية، و المدارس،  لذا فعلى المؤلف أن يقدم نصا متحليا بالصدق الفني لا غير .
و وعن خصوصية  المؤلف و لغته الإبداعية أوضح أن المؤلفين الجيدين والمبدعين تمتاز كتابتهم بسمة “ الصبغة الفنية” ولغة المؤلف الخاصة لتي تميزه عن غيره في ألفاظه وتركيباته اللغوية، خاصة لغة الشخصيات الدرامية والحوار المكتوب الذي يتماشى مع لغة الشخصيات الدرامية في الواقع . أضاف: وهناك   من يضيف لغته الخاصة  إلى لغة الشخصية الدرامية  فيخلق  اللغة الجديدة  المميزة للنص .

نماذج قوية للصبغة الفنية في الدراما
أشار الحديني إلى عدد من  الكتاب الذين يمتازون بامتلاكهم للصبغة الفنية  منهم الراحل “محمود أبو زيد “  في أفلامه “ العار”  و” الكيف “  و” البيضة والحجر”  حيث قام بتحويل اللغة المتعارف عليها لشخصيات نمطية إلى شكل فني  به الصبغة الفنية للمؤلف، ومنهم أيضا  مصطفى محرم ، وحيد حامد.
وأكد محمود جمال  أن الكتابة في كل أشكالها له صعوبتها التي تجعل مؤلفها  في حالة صراع داخلي، يراجع  إنتاجه طيلة الوقت ويدفعه للتساؤل: “ هل أنا مبدع جيد أم مدعي “ وهو ما  يدفع إلى تطوره وترقية نفسه وإبداعه، من خلال تلافي الأخطاء الذي يقع فيها .
وأشار أيضا إلى  أن المؤلف المسرحي يجب أن يراعي كونه مشاركا في صناعة ، عليه ان يفكر في ازدهارها والتفكير في استثمارها.. من خلال  اختيار المدخل المناسب  لجذب المتلقي ، و التنوع من نص لآخر، فقد يلجأ أحيانا إلى الكتابة المتتابعة فالتصاعد الدرامي أو يلجأ إلى كتابة مبتكرة  باستخدام نهاية الأحداث في بداية النص،  وفقا لوعيه بأساليب جذب المشاهد.
وختم الحديني بالقول إن  النص المؤلف هو الأوفر حظا في البقاء من ناحية التوثيق الفني، وأن المؤلف يعيش بنصه، . أضاف:  نعاني أزمة توثيق العروض المسرحية،  بعدم التصوير،  وقد واجهنا أزمة عدم تصوير عرض “ يوم أن قتلوا الغناء” بمسرح الدولة  في موسم عرضه ، و لكن بقى النص  حيا، يقدم من جديد  من  مخرجين آخرون و مؤسسات مسرحية أخرى.  
 

 


همت مصطفى