سمير العصفوري: في مسرحنا المصري لم يعد أحد يسأل: من أين وإلى أين؟ .. وتلك مصيبة

سمير العصفوري: في مسرحنا المصري لم يعد أحد يسأل: من أين وإلى أين؟ .. وتلك مصيبة

العدد 595 صدر بتاريخ 21يناير2019

كرمت الهيئة العربية للمسرح المخرج الكبير سمير العصفوري ضمن فعاليات الدورة الحادية عشرة للمسرح العربي التي أقيمت في القاهرة، مع أربعة وعشرين رائدا من رواد المسرح المصري والعربي.
سمير العصفوري مدرسة فنية متكاملة وأحد أعلام عصر النهضة المسرحية ومن أهم رموزها الفنية، استطاع أن يضع بصمته الفنية في مسار المسرح المصري، ليكون قدوة ونموذجا لأجيال تالية ومصدرا مشعا للإبداع لمن عاصروه، هو قيمة فنية إبداعية وعقلية إدارية كان له دور كبير في المسرح الطليعي منذ سبعينات القرن الماضي من خلال عروضه المسرحية ومن خلال إدارته لعدة مسارح كان أهمها وأكثرها تأثيرا وارتباطا باسمه الكبير هو مسرح الطليعة.
تميزت أعماله بروح الفكاهة والسخرية الفكرية المرة والتمرد على القواعد السائدة واستلهام الصيغ الشعبية والبحث عن الجديد المدهش.
ولد سمير العصفوري ببورسعيد في 27 فبراير 1937. تخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية عام 1960، وفي معهد الفنون المسرحية قسم التمثيل عام 1963. ثم عين ممثلا بفرقة التلفزيون المسرحية عام 1962. تحول للإخراج بفرقة المسرح العالمي عام 1964، فأخرج الدرس ليونيسكو، وبلدتنا لنورتون وايلدر، رومولوس العظيم، وزيارة السيدة العجوز لدورينمات، وجسر ارتا ليتوتوكا، ثم انتقل لفرقة المسرح الحديث عام 1967 وأخرج لها أولى مسرحيات الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور مأساة الحلاج.
وفي أواخر 1969 أوفد إلى فرنسا في بعثة تدريبية حيث اطلع على أحدث تيارات المسرح الفرنسي، وشهد تمرد فناني وأدباء الطليعة على المسرح السائد، واستعاد روح المسرح من طقوس وشعر وممارسات سحرية تخرج المسرح من عالم الأدب.
عين العصفوري بعد عودته 1971 مخرجا بالمسرح القومي ثم مسرح الحكيم فالمسرح الحديث مرورا بمسرح الطليعة عام 1975، الذي غادره لفترات قصيرة عام 1980، ثم موسم 1983 - 1984 حيث عين مديرا للمسرح القومي. أسس بمسرح الطليعة قاعة «79» (قاعة صلاح عبد الصبور حاليا) وعين مستشارا للبيت الفني للمسرح بعد إحالته إلى المعاش عام 1997.
أخرج المخرج سمير العصفوري عشرات المسرحيات لفرق الدولة والثقافة الجماهيرية والفرق الجامعية، منها:
الدرس، رومولوس العظيم، جسر ارتا، مأساة الحلاج وهوليوود البلد، كلام فارغ، حبيبيتي شامينا، مولد الملك معروف، يا عنتر، أبوزيد الهلالي، سلطان زمانه، ضحايا الواجب، التربيع والتدوير، العسل عسل والبصل بصل، القاهرة 80، الست هدى.
كما أخرج للفرق التجارية كثير من المسرحيات، منها: نجمة الفاتنة، ليه ليه، إنها حقا عائلة محترمة، العيال كبرت، حزمني يا، باللو، ألاباندة، شبورة.
شارك في كتابة نصوص بعض عروضه مثل: زنزانة المجانين، ما زالت المغنية الصلعاء صلعاء، العسل عسل والبصل بصل، مسافر ظهر.. وهي معارضة لمسرحية صلاح عبد الصبور «مسافر ليل».
كرمه مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي عام 1995 تقديرا لجهوده وإبداعاته في مجال التجريب كواحد من ألمع المخرجين المصريين. وكرم في يوم الوفاء للمسرح المصري عام 1997. كما حاز على جائزة التفوق في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام2000.
وبمناسبة تكريمه مؤخرا بالمهرجان العربي للمسرح كان لنا معه هذا الحوار.
قيم ثقافية موروثة

- امتازت فترة الستينات والسبعينات بنهضة مسرحية كبيرة، كيف تصف لنا معالم تلك النهضة التي تسمع عنها الأجيال الجديدة ولم ترها؟
- كنا نعاني ونحن ما زلنا طلابا في المدارس. في الخمسينات من القرن الماضي من ضيق مساحة الإبداع أو مساحة الفرص أو الطريقة التي يمكنن أن نصل بها إلى أن نتعلم فنون المسرح على الأقل، فكنا نحاول أن نجتذب من هنا كتاب ومن هناك مسرحية كي نتعرف على هذه الحكاية. لكن كانت هناك مصادر أخرى نتعلم منها، فالراديو كان هو المصدر الرئيسي لكثير من المعلومات زائد المجلات الفنية المحترمة ومجموعة كبيرة من الأفلام القيمة المحترمة التي كان يقدمها نجوم كبار والراديو الذي كان يقدم برامج كثيرة تعطينا ثقافة موسيقية دائمة ونستمع إلى أحاديث طه حسين والعقاد وأشعار وموسيقات متعددة,..الإعلام كان مدرسة علمية مفتوحة من الأربعينات وليس فقط الخمسينات، وكانت الثقافة موجودة ومتاحة، صحيح أننا لم نكن نرى هؤلاء الكبار مباشرة. لم يكن التلفزيون قد ظهر، وفي 1964 الدولة قررت زيادة المسارح وتكبير حجم الفرجة المسرحية وبدأ التلفزيون يتعامل مع المسرح بإنشاء فرقتين ثم عشر فرق مسرحية. هذه الفرق حولتنا جميعا من محبين وشبه محترفين مشردين إلى أعضاء في فرق الدولة المسرحية، وتبنت حركة مسرحية حقيقية وكبيرة للغاية، أهمية هذه الحركة أنها انتشرت عن طريق التلفزيون، الغريب في الأمر أن الناس لم تصب بالكسل لتجلس أمام التلفزيون بل كانت تلك هي الوسيلة الأساسية لانتعاش الحركة المسرحية وجذب جماهير واسعة إلى المسارح والتعرف على كمية كبيرة من الأسماء العظيمة وكان هناك جذب لمسرحيات من الأدب العالمي، ومسرحيات رصينة لسعد وهبة ويوسف إدريس ولطفي الخولي ونعمان عاشور وألفريد فرج وغيرهم.

نشاط ثقافي بالمجان
- إذن هذه النهضة لم ترتبط فقط بالنهوض الفني ولكن صاحبها نهوض إداري..
- بالتأكيد حدث ذلك، لأن المنظومة الثورية في 1952 كانت منظومة جادة لأنه لم يكن لدى الرئيس جمال عبد الناصر ولا القيادة الثقافية والفكرية رغبة في عمل أنشطة ذات عائد تجاري، فهو أراد نشاطا ثقافيا متاحا بأسعار ممكنة حتى لو بالمجان لبعث نوع من الثقافة والحركة الثقافية والوجدانية، فكان من الممتع أن من يستطيع أن يشاهد حفلة أم كلثوم - وهي مسألة صعبة لأنها حفلة غالية - فليمض إلى الحفلة، لكن في نفس الوقت فأم كلثوم متاحة على الشاشة التلفزيونية بصفة دائمة، كانت الثقافة للجميع ببساطة متاحة وليست محددة بسعر معين يجعل الإنسان غير قادر على أن يتسابق مع من يملك المال في أن يستمتع، أنا صاحب الوطن وصاحب الحق في أن استمتع، يمكن أن أجد كرسي في دار عرض أشاهد أم كلثوم وجها لوجه، يمكن أن أجلس على الكنبة أو الحصيرة واستمتع بالتلفزيون الخاص بي الصغير أو الكبير بالسيدة أم كلثوم. فهنا الثقافة للجميع كلمة حق وليست ادعاء، ولا ننس أن كل هذا داخل منظومة بها قدر من الحنان الاشتراكي مع كافة عباد الله، وهذه المسألة سواء المسرح للجميع أو المتعة الثقافية الإعلامية للجميع لم تكن مجرد مظاهر لكنها كانت حقيقية لتنمية وجدان الناس وهو ما جعل الناس في حالة متابعة دائمة لما يجري في الساحة السياسية والاجتماعية. كان من حق هذا الشعب أن يستمتع في لحظات الفراغ بقدر عال من المتعة الثقافية والفنية، وأيضا يشارك بحماسه عندما ينقلب الحال إلى حسم لمعركة.هذا كان منهجا من مناهج الوعي الثقافي والسياسي في هذه الفترة استفاد منها المسرح فائدة كبيرة.
الإدارة ليست مصادفة.

- كيف اتسم هذا الجيل بأكمله بالجمع بين الإبداع والتخطيط؟
- الإدارة المسرحية أو الشخصية المسرحية الموجودة في الساحة المسرحية شملت إما فنانا منفذا مثل الممثل وعامل المسرح والمخرج المساعد من ناحية، ومن ناحية أخرى عنصر مبتكر وخلاق للفكرة، الذي يمكن أن يكون مؤلفا أو مخرجا أو مهندسا سواء في التكنولوجيا أو الديكور أو الإضاءة.. إلخ، فكلمة مصمم تعني مبتكر، في هذه الفترة كان الاتجاه في بعض الحالات منصب على شخصيات كبيرة ومستنيرة، فالشاعر الكبير خليل مطران كان في فترة من الفترات مديرا عاما للمسرح القومي، هذا الرجل كان شاعرا عظيما، لكنه كان مديرا فاشلا، السبب في هذه القضية أن تخصصه في التحليق الشعري في الفراغ الكوني لا يصلح أن يتعامل به مع عمال وممثلين ومخرجين، وجمهور وفلسفة إبداع، وهو مترجم عظيم لا اعتراض على هذا. يوجد غيره من كبار الكتاب تقلدوا منصب مدير المسرح القومي، وأنا أتحدث عن المسرح القومي كنموذج لأهم مسرح في المنطقة، فالمسرح القومي في أي بلد هو المسرح الذي يمثل الترمومتر الحقيقي للثقافة المسرحية، وللجودة المسرحية وقيم الدولة، لأن المسرح القومي ليس مجرد خشبة مسرح تعرض أي كلام لأي كاتب في أي وقت لأي مخرج بأي ممثلين، لا، فهذا المكان على مستوى العالم له اختيارات ترتبط بفكر فلسفي وسياسي واجتماعي أي أنه ليس خشبة متاحة لكل (من هب ودب) وأي شخص يمر يقدم أي هراء، هذا مسرح يقوم على جودة العمل وارتفاع مستواه، وأن يصلح لكل افراد الشعب أصح.. كنا شبابا صغيرا لم نصل للعشرينات وكنا نقوم بالإخراج كرم مطاوع وجلال الشرقاوي وحمدي غيث ونبيل الألفي وكمال يس، كانوا شبابا في مقتبل العمر موهوبين، إذن من أين يأتي المدير؟ توجد تجارب كان المديرون ضباطا مثل آمال الميرصفي الذي كان ضابطا، وشكل إدارة منضبطة ناجحة في المسرح القومي، مستخدما أهم العناصر التي لديه، كبار الكتاب وصغار الشباب من المخرجين واستطاع أن يقدم مواسم حقيقية يسودها العدل والاكتمال، ولا يأتي بمدير إنتاج ليضعه في دور صغير في عمل تلفزيوني، مرحلة أخرى عندما أدار يوسف وهبي المسرح القومي منحازا لأعماله، رأيت في الخمسينات أفيشات يوسف وهبي ووجدت أن إعلانات فرقة رمسيس معلقة على المسرح، معنى هذا أن يوسف وهبي احتل المسرح القومي وجلس على قمته، وجورج أبيض فعل نفس الشيء، الدولة رأت والممثلون الكبار من العاقلين أمثال أحمد علام وغيره مثل فتوح نشاطي وكبار المخرجين مثل زكي طليمات وأساتذة المسرح رأوا أنه لا يستطيع أن يدير المسرح شخص منحاز إلى فرقته، فمن يملك فرقة عليه أن يعمل فيها، لكن قيادته للفرقة تؤدي إلى تكريس المسرح لفرقته فهذا كان خطأ، وهذا التوجيه وجه لعمالقة مثل يوسف بك وهبي وجورج بك أبيض، هذه قيم كبيرة أجمع الناس على احترامها وتقديسها، مع أن الأعمال التي كانوا يقدمونها لم تكن سهلة بل كانت أعمالا ضخمة والفرقة التي كانت معهم دخلت هذا المكان بصحبتهم لأنهم كانوا أفرادا من فرقة رمسيس وفرقة جورج أبيض، أي لم يكن هناك مسرح قومي، لكن الممثلين بعد فترة رأوا أنه يتم استهلاكهم لصالح المدير المنتج وهو الذي يصرف لهم الأجر فتطور الأمر لصالح نشاط تملكه الدولة وتقيم فيه قدرة إدارية معقولة. عندما نتساءل من أين يأتي المدير؟ تجربة المدير الممثل فاشلة تماما لأنه في نهاية الأمر مهما كانت مهارته
فهو منفذ وليس مبدعا مطلقا، فالممثل الممتاز – وهذا كلام علمي - هو الممثل الذي يغرق في داخله، فوظيفته أنه مرآة يأخذ الصورة من الخارج ثم يعكسها ويخرجها من داخله، فهو نفسه متوحد مع نفسه شديد الذاتية فكيف يمكن لهذا الممثل شديد الذاتية الذي يرى نفسه في المرآة جميلا أو شريرا، إنه خاضع لأدواره وليس خاضعا لحريته كيف يمكن أن يجلس على مكتب لكي ينظم العمل المسرحي لغيره من الممثلين والمخرجين، إذن تجربة الممثل المدير فشلت بشكل كامل مع ممثلين كبار جدا يتمتعون بالنجومية والذاتية. جاءت بعد ذلك فترة تقرر فيها أن يكون المخرج هو المدير. لماذا؟ لأن طبيعة العمل المسرحي هي أن المخرج يدير كل فروع العمل الفني في المؤسسة المسرحية، فهو الذي يختار النص ويتناقش مع المؤلف ويتشاحن معه ويتم التعديل بينهما مشاركة، وهو الذي يختار الممثلين ويدير عملهم، وهو الذي يقرر متى يبدأ بروفاته ومتى ينهي هذه البروفات ومتى يعيش عرضه أو لا يعيش. هو المتحمل لكل المسؤولية الإدارية، إذن هو شخصية غير ذاتية، هو شخصية جماعية لأنه خالق الابتكار ككل وكمجموع، بتجارب هؤلاء الناس قررت الإدارة تمرين المخرج الشاب بأن يكون مساعدا لأستاذه فيتدرب ويصبح كأنه طيف له، ثم يصبح معاونا له ثم يصبح مشرفا على شعبة، ثم ينتقل من الإشراف على الشعبة لأن يصبح مهيًا لإدارة الفرقة في مسرحية ثم ينتقل لإدارة الفرقة المسرحية، إن نجح فقد حقق مواسم ناجحة أي أنه حل جميع المشكلات الممكنة إدارية وإبداعية وفنية وأيضا خلق جوا، في نفس الوقت يستطيع أن ينافس مسارح أخرى، في هذه الحالة يمكن اختياره كرئيس للبيت الفني أو رئيس للمؤسسة المسرحية أو عضو مجلس إدارة في هذه المنظومة لأنه قد ذاكر جيدا ماذا يعني موسم مسرحي؟. المسرح ليس تجربة هوائية، ابتكر كما تشاء في أي مكان في منزلك، لكن لا تبتكر على حساب الدولة، إلا في الحدود التي قررتها الدولة، كأن تجرب في قاعة صغيرة مثل قاعة صلاح عبد الصبور أو قاعة الغد فجرب كما تشاء، لكن عندما يكون لدينا منصات مسرحية اسمها منصات المواجهة وهي المسرح القومي والمسرح الكوميدي في عزته وشدته والمسرح الحديث، هذا ليس مجال للعب، لسبب أن اللعب على المسرح مثل اللعب بالنار بالضبط، لأنك لست حرا في أن تقول لقد أعجبني هذا النص أو أعجبني هذا الإخراج، أنا متميز وأثق بأني سأقدم بتاريخي الطويل مسرحية ستفشل مثل الذين فشلوا من قبل، وأنه لا أحد يسألني ماذا سأقدم لأنني المبدع الخطير، كل هذا خطأ، لأنه توجد مقاييس إدارية تحدد المعيار الذي على أساسه تدور الاختيارات وبتنظيم الموسم، إذا كان رئيس مجموعة مديرين كرئيس قطاع مثلا يتم اختياره من صفوف الممثلين فقط دون ذوي الخبرات الواسعة في الإدارة أو في الإخراج أو في التعامل مع هذه المهنة، مع وجود ناس غير دارسين لفكرة الإدارة بشكل عام فتوقع فشل الحركة المسرحية وللموسم المسرحي. نحن نعاني منذ سنوات قليلة أو طويلة هذا الفشل في هذه التجارب الغير مدروسة. كل من (هب ودب) يمكن اختياره ببساطة بدون سوابق تجربة ولا سوابق خبرة.
كان الممثل عنوان المسرح

- هل غياب المنهجية العلمية مع العشوائية دون الموضوعية هي الأسباب الرئيسية للأزمة الحالية؟
- للأسف نحن نتحدث عن المسرح يعني نتحدث عن فراغ أو حلم ومضى وعن فرق غير موجودة. قديما كانت تلك الفرق المسرحية قائمة وموجودة، فتعرف عنوان مثلا محمود المليجي أنه يحب العمل في مسرح الحكيم، فؤاد المهندس يعمل في المسرح الكوميدي وسميحة أيوب قطعا في المسرح القومي، كان الممثل أو الفنان عنوان المسرح، أما الآن فلا نعرف من ولا أين؟ وهكذا نجد أن الجمهور أيضا قد تاه. لا يعرف لمن يذهب أو ماذا سيشاهد. إلا عند ظهور علامات واضحة مثل ظهور يحيى الفخراني فهذا مؤشر، فهو يظهر عادة في المسرح القومي الذي يحبه، فأنت تتجه للمسرح القومي ليس لأن المسرح القومي جذاب بالنسبة لك، لكنك تذهب إليه عادة لأنه يوجد ممثل أو كاتب كبير تعرفه، وهنا تذهب مثلا ليحيى الفخراني، ثم أضع بدلا منه ممثلا غير معروف، فلن يذهب أحد. لأنه لا يتوقع أحد أنه في مسرح كبير جماهيري ومعروف وهو مسرح الشعب كله أنه يمكن أن يحدث تجريب، فمزاج المشاهد البسيط ليس أن يشاهد المسرح التجريبي، كأن يوجد شاب يقدم تجربة ثانية أو ثالثة بالنسبة له، هذا اختلاط يمكن أن ينجح أو يفشل داخل قاعة تدريب. لكن هناك فارق بين مسرح المواجهة وهو المسرح المطمئن لجذب الجماهير الواسعة بدون نقاش ومسرح التجربة، فأنا أريد أن أقول مثلا: إن البطيخة بداخلها بيضة، فهذا تجريب، مسرح عبث، فأقدمه في أي مكان آخر وقد ينجح أو يفشل، يراه أحد أم لا، ليس مهما لكنها تعتبر تجربة فنية تهم المحبين للحركة، لا يمكن أبدا أن تكون كل أعمالنا مثل فكرة البطيخ، إما قرعة أو حمراء، لا يجوز، لا بد يقينا لكل مسارح المواجهة أن تكون النتيجة حمراء، أي مضمونة النتائج.


قلة الوعي بالمفهوم المسرحي

- هل لدينا هوية حقيقية للمسارح؟ وهل هناك ضرورة للتقسيم النوعي؟
- المسارح كلها لدينا تشبه شخص حفظ اسمه وأسماء أبناءه وعنوانه ورقم البطاقة ورقم سيارته وعناوينه وكل شيء ثم ضُرب على رأسه ففقد ذاكرته، لماذا؟ لأن فلان سواء أكان مخرجا أو كاتبا يفرض مسرحية على مسرح ما لا يتناسب مع ما كتب، أو مخرج لا يتناسب ثقافته ولا أسلوبه مع هذا المسرح، فنرى العشوائية والفوضى وتقديم أي شكل وهذا لا يجوز، فهذه المسارح تمت بقرار جمهوري، ليست مجرد مسميات عشوائية في الهواء. فأنا كما يعلم الجميع مثلت أمام النيابة لأنني اخترعت قاعة اسمها قاعة 79 أو قاعة صلاح عبد الصبور، وكانت التهمة أنه تصرف في المسرح بدون إذن من السلطات، وقال لي وكيل النيابة أنا احترمك لأنك خلقت رئتين لمسرح واحد. فأنا كنت أحارب لصالح فكرة أن المسرح التجريبي لا بد أن يكون في قاعة تجريبية وتدريبية بالفعل وليس لقاعة كبيرة تسع 380 كرسيا. فأوجدت قاعة كبيرة للعرض الذي أرى أن الجمهور العام يمكن أن يتواصل معه. وعرض صغير في قاعة صغيرة تسمى القاعة الميكروسكوبية، وعندما تطلب من فنان شاب إقامة عرض عبقري في القاعة الميكروسكوبية يرفض قائلا ولماذا لا أعرض في القاعة الكبيرة متهما إياي بالظلم، فأقول: إن الجهل نور والمسألة ليست لعبة أو حلوى أيهما يختار، وقلة الوعي بالمفهوم المسرحي مصيبة، لأن أي مسرح من مسارحنا يقيم ندوات، وأي مسرح يقيم تدريبات، وأي مسرح يقيم اجتماعات كي يسأل الناس: لماذا نحن هنا؟ ولا أحد يعرف الإجابة. ونحن قد تعلمنا من أساسيات المسرح مقولة ستانلافسكي: من أين وإلى أين؟ سؤال يطرحه الممثل وهو يقف خلف الكواليس قبل دخوله الخشبة لا بد أن يدرك هو من أين وإلى أين؟ وأقسم أن هناك من لا يعرفون من أين ولا إلى أين؟ وعلى خطاهم يقول الجمهور: لا من أين ولا إلى أين وأنا سأجلس في المنزل، بالتالي لا يمضي المتفرج إلى مسرح غير مفهوم إلى أين يذهب ولا ماذا يُقدم فيه ولا له تجربة سابقة معه. أسال سؤالا مهما: لماذا يملأ الجمهور القاعات عندما يوجود نجم قوي ومشع مثل يحيى الفخراني؟ وأنا أضرب المثل بحيي الفخراني لأننا أصبحنا مثل الشخص صاحب العين الواحدة، فلا يوجد نجوم تجرأوا ونزلوا إلى المسرح لمباراة يحيى الفخراني، أضرب به المثل لأنه لديه القدرة والجاذبية، لكن لا يكفي مسرح واحد، لا يكفي الملايين، بل لا يكفي مائة مليون كائن حي ولدينا بضع مسارح منهارة ولدينا نجم واحد جذاب.

 


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏