«أليس» كنموذج لمسرح الطفل

«أليس» كنموذج لمسرح الطفل

العدد 587 صدر بتاريخ 26نوفمبر2018

إن لمسرح الطفل دورا كبيرا في تنمية فكر الطفل، وتطوير مهارات اتصاله، وزيادة حصيلته اللغوية والثقافية، وإشباع شغفه وحبه للمغامرة، وتفريغ مجموعة من الشحنات الانفعالية لديه، وتنميه فكره الخيالي والابتكاري، عن طريق إضافة البهجة والتشويق والمرح والإبهار، وكل هذا ما قام به المخرج محسن رزق في عرضه «أليس» والذي تم عرضه على مسرح البالون، فكرة العرض معروفة للجميع، وهي مقتبسة عن رواية الكاتب العالمي الإنجليزي “تشارلز لوتويدج دودسون” أو “لويس كارل” كما يطلق عليه «مغامرات أليس في بلاد العجائب» التي تحكي عن أليس التي تشعر بالملل، ثم تذهب وراء صديقها الأرنب وتدخل جحره الصغير، لتدخل إلى عالم مليء بالمغامرات والإثارة والتشويق وتقابل مجموعة من الكائنات والمخلوقات الغريبة، وتنتهي نهاية جميلة سعيدة، ولكن قام محسن رزق بإضافة بعض المشاهد والأحداث ليقوم بتغيير المعنى المراد توصيله، فيبدأ العرض بمشهد من تأليفه بوجود الملكة الزرقاء أو «أم أسكوت» وابنها «أسكوت»، التي تريد أن تقوم بتزويجها عنوة إلى ابنها، وهنا يأتي فرض السيطرة والتحكم، لتشعر أليس بالخوف وتقوم بالهرب وراء صديقها الأرنب لتدخل إلى عالم العجائب، ثم تدور الأحداث وتقابل أليس جميع المخلوقات الغريبة والعجيبة، والكل يحاول إقناعها بأنها يجب أن تقوم بقتل وحش الملكة الحمراء الشريرة الموجود في بلاد العجائب (الجيبروكي)، وهي تقوم بالرفض والمعارضة التامة الناتجة عن خوفها، فيعزز هنا محسن رزق بأن فكرة الخوف وعدم مواجهة مشكلاتنا الحياتية بكل تفاصيلها هي التي ستجعلنا ساكنين لا نتحرك وغير قادرين على مواجهة المشكلات.
وتقابل أيضا أليس شخصية أخرى في بلاد العجائب، وهي إضافة أخرى من محسن زرق وهو الرسام، الذي يقوم برسم جميع لوحاته بالأبيض، أي أنه لا يرسم شيئا، فهو أيضا يمتلكه الخوف من الملكة الحمراء ووحشها الكاسر، الذي يجعله غير قادر على إنجاز أي شيء في حياته الفنية، إلى أن تستطيع أليس مقاومة الجيبروكي وحش الملكة الحمراء والتغلب عليه، فنرى هنا الرسام قد قام برسم لوحة فنية جميلة لأليس، وهنا عند تغلب أليس على الوحش الشرير أو مخاوفها بالمعنى الأعمق، استطاع الفنان أن يبدأ في إبداعاته الفنية، ثم تعود أليس من نفس الجحر إلى بيتها لنجد نفس المشهد الأول بوجود الملكة الزرقاء وابنها، وتعلن هنا أليس لهما أنها لا تريد الزواج من «أسكوت» ابن الملكة الزرقاء، التي كانت ترتدي نفس فستان الملكة الحمراء داخل بلاد العجائب وهي نفس الممثلة «بسمة ماهر» التي تقوم أيضا بدور الملكة الحمراء، وهذا دليل واضح من مبدع العرض محسن رزق أن الشر والسيطرة والتحكم موجود بأشكال كثيرة ومختلفة في شتى الأماكن، ويريد هنا محسن رزق أيضا تحفيز الطفل على فكرة حب الوطن والانتماء له، والتصدي لكل معتدٍ مثل الملكة الزرقاء بدون أي خوف أو رهبة، فالخوف عدو النجاح وصديق الفشل والانهزام والانكسار، فقد قتلت أليس وحش الخوف كما قالت في العرض «قتلت وحش الخوف اللي جوايا».
أما بالنسبة للديكور فقد استطاع بالفعل مهندس الديكور حازم شبل تحقيق كل عناصر وسمات مسرح الطفل، من شكل الديكور الذي يدخل البهجة والإبهار والفرحة والمرح داخل قلب المتفرج مع مراعاة المشهد الذي يدور أحداثه على خشبة المسرح، نرى أن المسرح كبير، به خمسة مناظر أساسية وهي: القصر، وأرض العجائب، والمملكة الحمراء، والمملكة البيضاء، ونرى الشاشة التي تم استخدامها لإضافة بعض المشاهد المسجلة والمصنوعة بالجرافيك من مصمم الجرافيك، نرى أن أغلب الخامات المستخدمة هي خامات شفافة ليسهل تلونها مع تلون الإضاءة، وهي حيلة عبقرية من مهندس الديكور، حيث سيساعد ذلك في تغيير المناظر بسهولة من مشهد لآخر، نرى أيضا بعض الإضافات تدخل وتخرج داخل المشاهد، فمثلا نرى شجرة المشروم في أرض العجائب، وهي تتجسم وتظهر بشكل وألوان مبهجة مع تلون الإضاءة، نرى أيضا استخدام البراقع وجاءت على شكل وشوش لإضافة نوع من أنواع الاختلاف عن ما جاء في أفلام ديزني التي تناولت نفس الرواية، ولكن مع التوافق التام لحكاية المسرحية التي تدور أحداثها أمام المتلقي، اعتمد المصمم حازم شبل على التنوع في الألوان والأشكال في استخدام المناظر وقطع الديكور وتنوعها لعمل نوع من أنواع الجذب والإبهار والمتعة البصرية للمتفرج.
بالنسبة للملابس فجاءت كلها مليئة بالألوان المبهجة المتنوعة، فنرى في البداية ملابس أليس وهي تقريبا نفس ملابس أليس العروفة بفستانها الأزرق الفاتح الذي يميل إلى اللبني وشخصية صانع القبعات أيضا، وأعتقد أن هاتين الشخصيتين كان من المقصود وجودهما بنفس الشكل المتعارف عليه لدى الأطفال لعمل نوع من أنواع الجذب والألفة للطفل ولعمل استجابة مع الشخصية المعروفة، أما بالنسبة لبقية الشخصيات فكلها كانت مختلفة تماما عما جاء في أفلام ديزني ومن وحي خيال مصممة الملابس نعيمة عجمي، فنرى الراقصين يلبسون ملابس ذهبية تميل إلى الاصفرار مع بنطلونات سوداء، والراقصات في ملابس صفراء ممزوجة بالذهبي والبرتقالي، مما جعلهن مميزات وسط المجموعة الكبيرة من الممثلين الموجودين على المسرح، ونرى بقية الشخصيات بتنوع كبير في الأشكال والألوان ما بين الأحمر والأخضر والأزرق ودرجاتهم لعمل نوع من أنواع التشكيل البصري المتناسق مع ألوان الديكور والإضاءة بدون عمل أي خلل أو تداخل يتعب العين، فمن الواضح أنه تم عمل جلسات عمل ما بين المخرج ومصمم الديكور والملابس والإضاءة لعمل في النهاية لوحات تشكيلية رائعة يتخللها التناسق الكبير ما بين كل تلك الألوان الكثيرة المستخدمة لتريح عين المتلقي وتجعل المنظر مبهرا بألوانه المختلفة المتنوعة.
العرض بشكل عام مبهر بشكله وألوانه ورقصاته التي صممها ضياء شفيق الذي مزج ما بين رقصات القرن الثامن عشر والفالس والرقص الحديث، أيضا الأزياء والإضاءة والديكور والأقنعة التي صممها محمد سعد وكل العناصر لتجعل العرض لا يقل أهمية عما شاهدناه في أفلام ديزني مع فارق الإمكانيات المستخدمة، فقد أجاد محسن رزق استخدام جميع العناصر المتاحة له بشكل يمكنه من المنافسة يوما ما مع إبداعات ديزني وإبهارها الشديد للأطفال والكبار، ويجعلنا نعيد النظر مرة أخرى في مسرح الطفل الذي له دور كبير في عقل ونفس الطفل وتنشئته وتربيته، وتوصيل كل المعلومات بشكل علمي ومبني على أساس منهجي مدروس.


وليد الزرقانى