مسرح ذوي الاحتياجات الخاصة : الإندماج في المسرح أكثر فعالية من الخضوع لوصايا الأطباء

مسرح ذوي الاحتياجات الخاصة : الإندماج في المسرح أكثر فعالية من الخضوع لوصايا الأطباء

العدد 587 صدر بتاريخ 26نوفمبر2018

في حلقتين سابقتين تحدثنا عن التجهيزات الفنية للمسارح لاستقبال ذوي الاحتياجات سواء كفنانين أو كجمهور، وأيضا استطلعنا آراء عدد من المسئولين والمخرجين حول تلك التجربة المتميزة والهدف منها وكيفية توجيهها وتنسيقها للوصول إلى أفضل النتائج. ولكن بقى لنا الأهم وهو تعبير الفنانين من ذوي الاحتياجات عن أنفسهم حول التجربة وكيفية تطويرها بما يناسب أفكارهم وحالاتهم وطموحاتهم كما نستعرض هنا رأي الطب النفسي حول تخصيص مسرح لذوي الاحتياجات، ونستعرض أيضا آراء فنانين تخصصوا في هذا المجال.
بداية، كان لا بد أن نتوجه إلى الفنانين أصحاب الموضوع أنفسهم من متحدي الإعاقة والتقينا بالفنانة تسنيم محمد طلعت وهي بطلة الجمهورية في السباحة وطبيبة صيدلية وهي مسئول إعلامي في فرق الشكمجية، حيث تقول: قمت بالتمثيل في أكثر من عرض مسرحي من قبل مثل (البنت اللي راسها عرايس) و(أنتيكا)، واشتركت في مهرجانات مثل (كلنا إنسان) و(الحلم المصري) واشتركت في (أسود فاتح)، واشتركنا في مهرجان بدولة المغرب بعرض (أنتيكا). واشتركت بعروض في الأوبرا وأيضا في الشارع بدون مسرح، وكنت سعيدة جدا بتلك التجربة فالتفاوت في أماكن العرض شيء ممتع لأن كل مكان مختلف عن الآخر وله إحساس مختلف، وهناك فارق بين مسرح كبير وأمام جمهور كبير داخل قاعة، وما بين التمثيل في الشارع أمام الناس البسطاء بدون أدوات أو ملابس أو استعراضات، وهو شيء جميل جدا.
وأضافت أنه في أول يوم عمل في مسرح الشمس كان التعامل مع تجهيزات المسرح صعب جدا لوجود السلالم في كل مكان والصعوبة في الصعود إلى خشبة المسرح، وهذا ليس باستطاعتي لحاجتي لمن يرفعني لتجاوز درجات السلم، وكان عددنا يتخطى العشرين فنانا، فطلبنا تجهيز المسرح بالرامبات وتم تنفيذ طلبنا من خلال الإدارة وأصبحت المسألة أسهل كثيرا عن ذي قبل، وافتتحت الوزيرة المسرح بالعرض وسافرنا به إلى المغرب، والان أشارك بمسرحية (نحن هنا) بمسرح البالون.

الاستغلال الأمثل للمواهب المدفونة
أما الفنان عبد الرحمن أحمد عبد الفتاح (21سنة) طالب بالفرقة الثالثة بكلية التجارة جامعة عين شمس ويمارس رياضة رفع الأثقال، فيقول: أغني أغاني الراب وأقوم بتأليفها بنفسي كما أقوم بالتمثيل أيضا، واشتركت من قبل في مسرحية (كوكب تاني) من تأليف وإخراج محمد النمر في مسرح الجامعة وقريبا سنعرضها في مسرح الشمس، أما الآن فاشترك في مسرحية (نحن هنا) بمسرح البالون.
ويوضح عبد الرحمن رأيه في التجربة قائلا: إن تجربة تخصيص فرق لذوي الاحتياجات هو شيء رائع وتجربة مختلفة وجديدة، فهناك الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة يملكون مواهب كبيرة، فمنهم من كان شخصا طبيعيا من قبل ويمارس الفن لكن أصيب في حادثة وأصبح من ذوي الاحتياجات فبدلا من أن يتوقف مشوار حياته فإن تلك الفكرة تشجعه على الاستمرار في طريقه الفني واستغلال طاقاته ومواهبه، وتوجد مواهب مدفونة داخل الشخص لا يدركها لكنها تظهر ويستغلها الاستغلال الأمثل من خلال الورش والفرق الفنية.
وأنا بدأت التمثيل من بعد الإعاقة، لم أدرك من قبل أنه يوجد ما يسمي بالفن لذوي الاحتياجات الخاصة، وحدثني بعض الزملاء في الجامعة كي أشترك معهم في عرض مسرحي واكتشفت موهبتي من خلاله وأدركت قدراتي التمثيلية ولاقى العرض نجاحا كبيرا، وتعاقدنا مع مسرح الشمس لتقديمها هناك. ومسرح الشمس يقيم ورشا موسيقية واشتركت فيها ومن خلالها بدأت في ممارسة الغناء الراب. وللأسف عندما كنا نعمل في الجامعة لم نجد اهتماما كافيا من الإدارة ولم يتوفر لنا المكان المناسب للبروفات بشكل سهل، لكن في مسرح الشمس وجدنا كل شيء متوفر بشكل ممتاز. وأنا أهوى التمثيل الكوميدي وأحب الغناء وأعشق عادل إمام ومحمد هنيدي، أحلم أن أكون بطل بارا أوليمبي في رفع الأثقال، وأن أكون مشهورا في مجال الراب، وأن أقدم بطولات في مجال التمثيل.
والتقينا بالفنانة منة عزمي وهي بطلة دولية في رفع الأثقال، وطالبة في السنة الرابعة بكلية التجارة قسم إدارة أعمال، حيث تقول: اشتركت من قبل في أوبريت أنتيكا بمسرح الشمس وكنت أقوم بالاستعراض وأحيانا بالتمثيل، واشتركت مع الأستاذة أميرة شوقي في عدة عروض بقصر ثقافة بهتيم وفي نقابة الصحفيين (البنت اللي في راسها عرايس) و(الولد اللي في راسه أنتيكا)، وأكثر من عرض، وأنا أمارس الرقص المعاصر. وأشارك الآن بمسرحية (نحن هنا).
أما فكرة إقامة عروض خاصة بمتحدي الإعاقة فهي فكرة جيدة، لكن يجب ألا نأخذ جانبا منعزلا عن باقي الناس، لأن إقامة مسرح مستقل بذوي الاحتياجات وحدهم لن يدخله المتفرجون، إلا في حدود بسيطة، فأرى أنه يجب أن يكون هناك دمج بيننا وبين الأسوياء، من حقنا مثل أي ممثل أو فنان، فنحن لا نقل شيئا عن الفرق الكبرى مثل فرقة رضا لكننا فقط نحتاج الفرصة والاستغلال الأمثل لطاقاتنا، للأسف لا نجد تلك الفرصة. وهذا الدمج منذ البداية يعطينا خبرة أفضل وسوف نستفيد من زملائنا الأصحاء المحترفين.
وأضافت قائلة: بالنسبة للفنانين فهم متعاونون جدا معنا ويرحبون بوجودنا بينهم وأننا مثلهم تماما، أما الجمهور في مسرحية أنتيكا فكان سعيدا جدا بالعرض لكن للأسف لم يكن الجمهور بالكم المناسب، فلماذا نعلن في دعاية العرض أن الفنانين من ذوي الاحتياجات؟ ففي أي مسرحية عادية للأصحاء لو مثلا يوجد دور لشخص معاق يسير بكرسي متحرك، فلماذا لا يقوم بالدور فنان من ذوي الاحتياجات فعلا بدلا من أن يقوم بتمثيله فنان سليم؟ وهكذا بالتدريج حتى يعتاد الجمهور على وجودنا في المسرح كشيء طبيعي.
الفنانة ميار تحدثنا قائلة: أقوم بالتمثيل، وأعزف الموسيقى، وقمت بالاشتراك في مسرحية أنتيكا في دور بنت لديها توحد، وكان معي فيها كثير من الزملاء الصم والبكم والمعاقين وكنت سعيدة جدا بالعمل فيها وأنا أحب المسرح والفن جدا.
ثم تحدثنا مع والدة الفنانة ميار التي أوضحت وجهة نظرها في تجربة مسرح ذوي الاحتياجات بقولها: هي فكرة جيدة لكنها تحتاج إلى الدمج حتى يشعر الأطفال أنهم مثل الأسوياء بالضبط، لأنهم يحزنون عندما يسمعون من الناس أنهم فئة خاصة تسمى ذوي الاحتياجات، فهم لهم قدرات هائلة تفوق الأصحاء كثيرا، وميار ابنتي لديها قدرة كبيرة على حفظ كل شيء مثل البيت والمدرسين، كذلك أطفال كثيرين ولدينا صم يشتركون في العمل وإعاقات أخرى يقومون بالتمثيل والاستعراض وهي فرقة جيدة جدا والأستاذة أميرة شوقي تقوم بتوظيفهم بشكل رائع.

المسرح حقق تقدما علاجيا كبيرا
أما الفنانة رحمة بطلة عرض (الحكاية روح) فقد تحدثت معنا بتلقائية وبساطة قائلة: هذه أول مرة أقوم بالتمثيل في مسرحية وهي مسرحية حكاية روح، أقوم بأداء شخصية شمس التي لا تريد الذهاب للمدرسة مرة أخرى ولكن صديقتي نور تخبرني بأنه يجب أن أذهب إلى المدرسة ثم نذهب إلى رحلة نقابل فيها شخصيات عمار الشريعي وطه حسين وسيد مكاوي، ويقول لي الدكتور طه حسين أن التعليم كالماء والهواء، وأقول له إن (اليأس لما ييجي يزورني أقوله امشي أنا مش طايقاك)، أما جدو عمار الشريعي فعرفت منه أن أهزم اليأس وجدو سيد مكاوي أن يكون لدي إصرار على النجاح وبعدها أشكر د طه حسين وأقوم له أنا ممنونة لك يا جدو. فنعرف من المسرحية أن التعليم جميل ومنه ننفع أنفسنا وننفع المجتمع.
وكان لا بد أيضا أن نتحدث مع والدة رحمة لمعرفة رأيها حول تلك التجربة فتقول: إن هؤلاء الأبناء المصابون بالتوحد عند الحديث معهم لا بد أن نعطيهم جزء من المعلومة وهم يكملون باقي المعلومة. ورحمة بدأت الغناء في معهد قيثارة للموسيقى وتقوم بالغناء وتلك أول تجربة لها في المسرح. وهي قامت بالغناء أمام الرئيس السيسي في مؤتمر شرم الشيخ الذي كرمها فيه ومتفوقة في دراستها، وصوتها رائع جدا وحاصلة على جائزة في مهرجان الجمعية الذهبية، كما غنت أمام وزير البحرين أغنية يا حبايب مصر، أما عن تلك التجربة فهي رائعة جدا ومفيدة جدا لتلك الحالات لدرجة أنهم لو طلبوا مني مقابل مادي نظير اشتراكها في هذا العمل المسرحي لم أكن لأتردد ابدا في دفعه، لأن المصاب بالتوحد يكون منطويا على نفسه، واندماجه في المسرح يطور من حالته إلى اندماج يقترب من التسعين في المائة فهو أسلوب علاجي رائع، وهي تجيد حفظ دورها والالتزام بالعمل والحوار والحركة، والمسرح أكسبها ثقة كبيرة في نفسها. وشهادة حق للمسرح أن ابنتي لو ذهبت إلى أخصائي نفسي لاستغرق عامين كاملين حتى يصل إلى المرحلة العلاجية المتقدمة التي حققها لها المسرح في وقت بسيط. وهي في البداية لم تكن تتحدث مع أحد لكنها الآن لديها أصدقاء كثيرون وتتحدث معهم واختلفت اختلافا كبيرا وتغيرت شخصيتها بشكل كبير وأوجه كل الشكر لمن وقفوا بجانبها وخصوصا المخرج محمد متولي، فهي الآن تقف على المسرح بكل ثقة وتحيي الجمهور وأصبح لها رأي وشخصية جيدة.

أخصائي نفسي
تحدثنا مع الفنان القدير د. حسين عبد القادر المخرج وأستاذ العلوم النفسية الذي أوضح لنا أن العلاج النفسي دائما هو الأجدى في التعامل مع ذوي الاحتياجات، فإذا تناولنا مثلا مرض التوحد والأمراض العقلية فإن السيكو دراما هي أفضل للعلاج، بأن يقوم المرضي بالتمثيل في عرض مسرحي، والأجمل هو معالجتهم بتقنيات السيكو دراما القائمة على التلقائية، وهو شكل من أشكال العلاج الجماعي. ولأن الإعاقة تسبب أزمات نفسية فيجب العمل على مستوى العلاج الجماعي بين الأفراد من خلال السيكودراما.
واستطرد قائلا: ودور الأم هنا مهم في تجاوز أزمة الذاتية أو ما يسمى التوحد. لكن عند إنشاء مسرح خاص بذوي الاحتياجات الخاصة يجب أن يقوم على أمرين مهمين: الأمر الأول وجود مسرحية سابقة التجهيز ويلعبونها مع اعتبار أن الحفظ يصعب عليهم. ويسمى الأعمال سابقة التجهيز يكون في حدود إدراكنا لهم. ثم الأمر الثاني وهو تقديم الأعمال التلقائية مثلما قدمها ابن سينا في الألفية الأولى لأحد مرضاة في الدولة البويهية.
وأضاف د. حسين أنه لا بد من وجود أخصائي نفسي شبيه بالمخرج وأن يكون لديه أدوات مساعدة ويقوم باللعب معهم في التلقائية باعتبار أن المسرح لعبة، وأن كل حالة هنا قد تم دراستها بشكل جيد ويوجد تكنيكات متعددة في التعامل مع كل حالة، وتبدأ بما نسميه المونودراما أي للفرد الواحد، وذلك بوضع مشاهد له فمثلا أقول له أنت ابن ومعك والدك أو والدتك أو اختار أي فرد من أسرتك ليقوم معك بالعمل التمثيلي. فلماذا اختارنا الأب أو الأم أو الأخ؟ كي تتوفر التلقائية التي تخرج اللاشعور وفي وسط العمل يتم تبديل الأدوار وهكذا توجد تكنيكات متعددة يدركها الأخصائي النفسي ويعمل عليها.

دور الفن والإبداع الاندماج في المجتمع
أما المخرج محمد متولي الذ قدم مؤخرا عرض (حكاية روح) بمسرح الشمس فيشرح لنا تجربته الأولى في العمل مع ذوي الاحتياجات قائلا: في البداية دعتني الفنانة وفاء الحكيم لتقديم عرض بمسرح الحديقة الدولية لفرقة الشمس والتي أنشئت حديثا تابعة للبيت الفني للمسرح وتختص بذوي الاحتياجات الخاصة، وقد أعجبتني الفكرة جدا وتحمست لها، لأنها فكرة تحمل الكثير من الإنسانية وقدر كبير من الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، ثم دعتني بعدها الفنانة وفاء الحكيم لمشاهدة عرض تابع للفرقة ووجدت نفسي في قمة السعادة لأنه يوجد نحو أربعين فنانا على خشبة المسرح سعداء جدا بما يقدمونه، وبالجمهور الكبير الذي أسعدوه وصفق لهم بحرارة، فانتابتني السعادة لسعادتهم، ثم اتفقت مع وفاء على النص المسرحي الذي سأقوم بإخراجه وبدأنا مشوار العمل.
وأضاف متولي أن فكرة العمل مع ذوي الاحتياجات هي فكرة جديدة بالنسبة لي، خصوصا أنني لن أعمل بنفس أدواتي كمخرج والتي أعمل من خلالها في السنوات السابقة، فلا بد أن أجدد من أدواتي كمخرج لأنني أتعامل هنا مع فنانين مختلفين عن الممثلين المحترفين، وبدأت المذاكرة والعمل على النص حيث توصلنا إلى أن الحكاية روح وأن كل شخص قد ينقصه عين أو رجل أو يد أو بصر أو أي شيء لكنه في النهاية لديه الروح وهي أغلى شيء يمتلكه الإنسان وبدونها لا وجود له. وكان هناك أشخاص لديهم فقدان للبصر مثل طه حسين وعمار الشريعي وسيد مكاوي، هؤلاء هم موضوع المسرحية، وقد استطاعوا أن يصلوا لأشياء لم يستطع المبصرون الوصول إليها، فطه حسين حصل على قدر عال من الثقافة إلى أن أصبح وزيرا للتربية والتعليم وترجم الأدب الإغريقي وترجم الأدب الفرنسي، وله الكثير من المؤلفات، الفنان عمار الشريعي الذي أمتعنا بألحانه العظيمة وكذلك سيد مكاوي وغيرهم الكثيرون. فهنا الحكاية روح. فطالما لديك روح فأنت قادر على أن تحقق أي شيء، وهناك الكثير من المعاقين يحققون البطولات الرياضية في الجمباز والسباحة وغيرها. تابع: تعاملت مع إعاقات ذهنية تمثلت في (التوحد) و(المغولي) وهي مسألة صعبة جدا، فبدأت في دراسة السيكودراما والتوحد وغيرها وبدأت العمل بآليات جديدة ومختلفة كمخرج وبالتدريج صارت المسألة جزءا من العلاج النفسي للمعاقين وبشهادة أمهاتهم أنفسهم، بأن حالاتهم المرضية في تقدم واضح وذلك لأنهم في المسرح يعبرون عن أنفسهم وهذا هو دور الفن والإبداع وهو الاندماج في المجتمع والاحتكاك بأفراده، ولهذا لم يشعر الأطفال أنهم غرباء عن المجتمع. ويوضح متولي الاختلاف بينهم وبين الممثل المحترف قائلا: المحترف يعي معنى الحركة والنص والتعليمات الإخراجية والتسليم والتسلم ومفتاح الجملة وسيلة التعبير، لكن في التعامل مع المصاب بالتوحد يصعب عليه معرفة معنى مفتاح الجملة لأنه في حالته يتشتت ذهنه وكي تلفت انتباهه للتسليم والتسلم والتوافق مع الموسيقى والتوازن مع الرقص وهكذا، كل هذا يحتاج إلى إعداد مختلف عن إعداد الممثل المحترف، لأننا هنا نتعامل مع حالة، وهو علاج بالدراما والغناء والرقص والتمثيل.
واختتم قائلا: المسرحية غنائية استعراضية وليس فيها أي بكائيات وبها كل اشكال المتعة البصرية من أراجوز وخيال ظل وموسيقى وملابس وغيره. والجمهور يسعد جدا بها لا سيما ذوي الاحتياجات يسعدون بمشاهدة أقرانهم يقومون بهذا العمل على خشبة المسرح. وبإذن الله سوف أكرر التجربة مرات أخرى بشكل انضج وأفضل.
المخرجة د. أميرة شوقي المتخصصة في مجال شؤون الإعاقة أوضحت لنا تجربتها قائلة: بفضل الله أنا مؤسس مسرح ذوي الإعاقة في مصر وأعمل منذ عشر سنوات، في مسألة كيف يقوم المعاقون بتقديم مسرح حقيقي وليس مجرد تقديم استعراض لنصفق لهم وينتهي. ولا يعنيني ما هو دوري في العمل سواء إخراج أو تأليف أو مساعدة أو استشارة أو أي شيء ولكن ما يهمني هو أن نقدم قيمة فنية عالية وفي نفس الوقت تحوز إعجاب الجمهور، أي أني أقدم مسرحا احترافيا، وليس مهما أين يوجد مكان العرض. وتعتبر أول فرقة مسرح حر أنشئت في مصر والشرق الأوسط لذوي الإعاقة كانت فرقة (الشكمجية) وبعد ذلك أنشئ على أساسها مؤسسة كاملة تخدم ذوي الإعاقة، وهي تعني بتطوير ذوي الإعاقة عن طريق الفن، فمثلا أنا مخرجة مسرح وحصلت على دبلوم في التوحد ودبلوم في تنمية المهارات ودبلوم في التخاطب وكذلك دبلوم في تعليم السلوك، كي أكون على وعي تام بكيفية التعامل مع الممثل، واثناء العمل نقوم بالتطوير والعلاج بالفن، وهذا هو العمل بأسلوب أكاديمي وهو يصنع فارقا كبيرا في نتيجة العمل.
وتضيف أميرة شوقي: قدمت بالمجلس الأعلى للثقافة مشروعا اسمه (الفن حياة) منذ سبع سنوات وكان يهدف إلى يكون هناك فرقة في البيت الفني لذوي الإعاقة، وأن يكون هناك بالأقاليم الثقافية الست ورش فنية لذوي الإعاقة، وأن يوجد على الأقل ستة عروض لذوي الإعاقة تابعة لإدارة التمكين الثقافي، وقدمنا لورشة الفن حياة ثلاثة أجزاء، أولها في بهتيم وقدمنا عرضا اسمه (الفن حياة) وسافرت تلك الفرقة لتقديم عرضها في دولة المغرب، أي أننا استطعنا تطوير أبناءها من داخل الحواري والشوارع والمهم هو الفرص الحقيقية، وأنا كمؤسسة اهتم بالعمل في المناطق العشوائية والمناطق الحدودية، أي في المنطقة التي يوجد بها ضرر أكبر وليس بها معين أكبر، والمناطق المتضررة هي المناطق العشوائية، وأقمنا مسرحا في الشارع وعرضنا بالمناطق الشعبية ومنها ميدان بهتيم وفي سيناء والبحيرات المرة وفي الإسكندرية أي في كل مكان كي يرانا الناس بشكل حقيقي ويتحقق الدمج بشكل فعلي. أضافت: أما بالنسبة لمسرح الشمس فقد افتتحته بعرض من فكرتي إخراجي وحضرته الفنانة وزيرة الثقافة وسافر إلى دولة المغرب، وكان فنانوه من نتاج ورشة الشكمجية سواء كانوا صما أو ذوي إعاقة ذهنية أو حركية، ولقينا كثيرا من التشجيع من الفنان إسماعيل مختار رئيس البيت الفني للمسرح والفنانة وفاء الحكيم مديرة فرقة الشمس.
والآن أقوم بتحضير عمل جديد مواز للعرض الذي أقوم بتجهيزه بمسرح البالون بدعم من مخرجه الفنان أشرف عزب والذي دعاني للوجود بالشكل الذي يناسبني سواء كمخرجة أو مستشار فني أو غيره، وأنا سعيدة بوجودي في جلسات تحضير العمل بداية من إعداده على الورق حيث قمت بتعديلات مع المؤلف وقد استجاب برحابة صدر حيث أعمل على تكييف النص لخدمة القضية التي نعنيها لذوي الإعاقة، ونريد تقديم عمل محترم بغض النظر عن اسم المخرج أو المؤلف لكن المهم هو تحقيق تقدم في قضية ذوي الاحتياجات. لأن الفن هو الرسالة التي نستطيع من خلالها توصيل الرسالة بشكل أفضل، ونحن بالفن عدلنا قوانين وتم تكريمنا من قبل وزير العدل ووزير الثقافة وتم تعديل قانون حين قدمنا عملا مسرحيا واستضفنا فيه وزير العدل الأسبق وقام بتكريمنا عن دورنا في الشارع المصري، وكان المطلوب من وزارة العدل أن تعين مترجم إشارة في كل محكمة ووضع رامبات تساعد ذوي الإعاقة الحركية في مباني المحاكم، وبمجرد انتهاء العرض قام الوزير بإقرار ذلك وفي اليوم التالي وقع بروتوكولا مع وزارة التضامن بخصوص ذوي الإعاقة. فمثلما غيرت الفنانة الكبيرة فاتن حمامة قوانين عن طريق الفن فنحن كذلك. وأيضا إذا كان هناك محاربة للإرهاب عن طريق الفن فنحن أيضا نعالج قضايانا بالفن وهي في منتهى الحساسية، وهي إما المتاجرة بها أو العمل بها بصدق، ونحن نعمل بمنتهى الرقي ويهمنا أن كل كلمة تقال إن تؤخذ بكل احترام، لذا نقوم هنا بتقديم تجربة عرض (نحن هنا) تأليف مجدي الشربيني وإخراج أشرف عزب وتضم مجموعة كبيرة من الفنانين، أولادنا ذوي الإعاقة أبناء فرقة الشكمجية، منهم خمسة عشر بنتا وولدا يقومون بالتمثيل، واثنى عشر بنتا وولدا في مجال الرقص، من ذوي الإعاقة السمعية، الاستعراضات هنا للصم. وتوجد تجربة أخرى بإذن الله في فرقة الشمس في شهر مارس القادم باسم (محمد ابن عم مينا) وسيكون عملا نفخر به ويتحدث باسم أبناءنا ذوي الإعاقة ونستعد أيضا لمهرجان دولي لذوي الإعاقة يمكن أن نتحدث عنه بالتفصيل في حين آخر.


قضايا الأقزام بمؤتمر التمكين الثقافي
وأخيرا توجهنا إلى محمد زغلول أمين عام الدورة العاشرة لمؤتمر التمكين الثقافي، والذي يدور حول قضايا الأقزام ويقام في شهر ديسمبر القادم، فيوضح لنا فعاليات المؤتمر قائلا:
مؤتمر التمكين الثقافي لذوي الاحتياجات الخاصة هو مؤتمر ثقافي علمي سنوي، تقيمه الهيئة العامة لقصور الثقافة من خلال الإدارة العامة للتمكين الثقافي لذوي الاحتياجات الخاصة والإدارة المركزية للشؤون الثقافية كل عام تزامنا للاحتفال باليوم العالمي للإعاقة في الثالث من ديسمبر، وسوف نقيم هذه الدورة العاشرة للمؤتمر في الفترة من 11 - 13 ديسمبر 2018 تحت رعاية إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة ود. أحمد عواض رئيس الهيئة، وهذه الدورة تتناول قضايا الأقزام بين التمكين الثقافي والتنمية المستدامة، باعتبار أن الأقزام فئة جميلة أضيفت إلى عالم الإعاقة بدءا من دستور 2014 ووصولا إلى قانون الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2015، ومن خلال الأمانة العامة للمؤتمر نحن في مرحلة استقبال البحوث من الباحثين والمهتمين بقضايا الإعاقة لا سيما قضايا الأقزام هذا العام، وقد قدمت بعض الأبحاث المحترمة من الكثير من الباحثين من جامعات مصر وتم تحكيمها بمعرفة لجنة الأبحاث المنبثقة عن الأمانة العامة لمؤتمر التمكين الثقافي وجاري تدقيقها لغويا ثم نحيلها إلى الطباعة ليصدر بها كتاب كما اعتدنا كل عام في كل دورة من دورات المؤتمر. أضاف: ندعو جميع المهتمين بقضايا الإعاقة وقضايا الأقزام باعتبارهم فئة من الفئات المهمشة إلى التفاعل مع الهيئة والإدارة العامة للتمكين الثقافي والمؤتمر وحضور فعاليات المؤتمر والمشاركة بالمداخلات والأفكار والرؤى بحيث نصل بهذه الفئة إلى نبرز قضاياها إلى النور فتتلافى بعض السلبيات العالقة منذ زمن طويل من خلال أداء المجتمع تجاه الأقزام.
وجاري حاليا اختيار المكان والمفاضلة ما بين محافظة الإسماعيلية ومحافظة القاهرة وجاري اختيار رئيس المؤتمر. ومن المحتمل أن تشاركنا هيئة قناة السويس في حالة إقامته في الإسماعيلية من خلال أروقة ومباني الهيئة. ونحن كل عام ندعو المؤسسات للمؤتمر، ولدينا مشاركة داخل الأمانة من المجلس القومي لشؤون الإعاقة، والاتحاد النوعي لهيئات المعاقين، والمؤسسة المصرية لدعم وتمكين المعاق (حياة) بالإسماعيلية، ولدينا مشاركات من أساتذة الجامعات المختلفة مثل جامعة المنوفية وجامعة عين شمس وما إلى ذلك، ولا شك اننا ندعو وزارة التضامن الاجتماعي ولدينا مشاركة من المركز النموذجي لرعاية وتوجيه المكفوفين.
أما محاور المؤتمر فمنها محاور أدبية والأقزام في الرواية المصرية والأقزام في الأمثال الشعبية ومحاور رياضية وطبية وتغذية وما إلى ذلك. وقد اعتدنا كل عام أن نكرم عددا من ذوي النبوغ وهذا العام سنكرم خمسة أشخاص من الأقزام الذين لهم أدوار فاعلة في المجتمع في الفن والرياضة بأشكالها المختلفة.

 


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏