مهرجان «كلباء» للمسرحيات القصيرة يرفع شعار التثقيف والتنمية أولا

مهرجان «كلباء» للمسرحيات القصيرة يرفع شعار التثقيف والتنمية أولا

العدد 580 صدر بتاريخ 8أكتوبر2018

انتهت الأسبوع الماضي فعاليات الدورة السابعة لـ”مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة” الذي تنظمه إدراة الثقافة بإمارة الشارقة، وتنافست فيه عشرة عروض مسرحية بعد اختيارهم من بين 20 مسرحية تقدم مخرجوها للمشاركة بالفعاليات، وعلى مدار أربعة أيام عرضت هذه المسرحيات على الجمهور وفي آخر أيام المهرجان تم توزيع الجوائز على المبدعين الشباب الفائزين بجوائز هذه الدورة.
حضر حفل الختام الشيخ سعد بن صقر القاسمي، نائب رئيس مكتب سمو الحاكم بخورفكان، وعبد الله العويس، رئيس دائرة الثقافة، وأحمد أبو رحيمة، رئيس إدارة المسرح في دائرة الثقافة، والكثير من المسرحيين الإماراتيين والعرب من دول مصر والبحرين والعراق والجزائر وتونس والمغرب والسودان والسعودية وفلسطين وأيضا موريتانيا.
جوائز المهرجان
تبادل أعضاء لجنة تحكيم جوائز هذه الدورة وليد الزعابي، هيثم عبد الرازق، محمد بوكراس، فاطمة الفالحي، نبيل المازمي إعلان الفائزين وفاز عرض “رأس المملوك جابر” للمخرج أحمد عبد الله راشد بجائزة أفضل عرض مسرحي، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة كانت من نصيب مسرحية “الطاعون” إخراج سعيد الهرش، وجائزة الإخراج المسرحي حصلت عليها المخرجة المسرحية المصرية دينا بدر عن مسرحية “الصورة”، أما جائزة أفضل سينوغرافيا فنالها عرض “حالة طوارئ” إخراج محمد الحنطوبي.
وقدم المهرجان ثلاثة جوائز للممثلين رجال بالعروض دون ترتيب، ونالها ثلاثة ممثلين هم عبد الله الخديم عن دور المملوك جابر في مسرحية «رأس المملوك جابر»، ومحمد جمعه عن دور الطاعون في مسرحية «الطاعون»، وأحمد بركات عن دور أنطونيو في مسرحية «شيلوك والعاصفة السوداء».
أما الثلاثة جوائز التي نالتها الممثلات فذهبت إلى دينا بدر في دور أوكتافيا عن مسرحية “الصورة”، وأسيل زين العابدين في دور الفتاة في مسرحية “أناس في الريح” ومريم النقبي في دور الأخت عن مسرحية “في العربة”.
توصيات
أعلن وليد الزغابي، الناقد المسرحي الإماراتي ورئيس لجنة التحكيم، أن لجنة التحكيم خرجت بتوصيات عدة أولها أنها وجدت الفرق العمري بين المتنافسين يصل أحيانا إلى 15 عاما وأكثر، وهذا يجعل من الصعب أحيانا وضع معيار متوازن ودقيق للحكم على المتنافسين، لأن التفاوت في التجربة ودرجة الوعي والاستجابة والنضوج والفرق بين المغامرة الأولى والمغامرات المتكررة في التصدي لأي تجربة لها دور كبير في التكوين واكتساب المهارة، لذا اقترحت اللجنة بأخذ هذه الفقرة بعين الاعتبار لكي توفر لمعيار الحكم على المتنافسين فرصة أكبر للتقويم المتوازن والعادل. والتوصية الأخرى هي مطالبة من قبل اللجنة بتوفير ورشات مسرحية خاصة في المستقبل في اختصاصات الصوت والإلقاء لتطوير الأجهزة الصوتية للممثل تساعد على ضبط الإيقاع والتنفس وتطوير الحبال والطاقة الصوتية ومخارج الحروف واستثمار الصمت والوقفات القصيرة والطويلة. كما أن تكرار ظاهرة الممثل المخرج والمخرج الممثل قد يربك العملية الإبداعية خاصة في المراحل الأولى من التجربة المسرحية؛ فالخصوصية النوعية للتخصص توفر مناخا لتبادل الاختصاصات والحوار بعمق أكبر من تداخلها أو اجتماعها وتمركزها في شخص الممثل أو المخرج أو السينوغرافي. كما أوصت اللجنة بضرورة وجود دراماتورج أو مشرف مرافق لفريق العمل لا يتدخل في رؤية المخرج وفريق العمل، للمساهمة في إثارة أسئلة دراماتورجية وتقنية تدفع إلى تطوير مسار الوعي الدرامي والتقني لدى المخرج والممثل والسينوغرافي، وأكد الزعابي على أن أسباب هذه التوصية تأتي بسبب عدم فهم فلسفة النص أو قراءة المخرج لهذه الفلسفة قد يربك رسم وتأليف الصورة في الفضاء، وتكون هناك ثرثرة غير واضحة أو ترقيع غير متجانس من موسيقى إلى ضوء إلى أزياء واستخدام الأدوات والحركات والانفعالات وتكرار البنى غير المبررة.
وأشار الزغابي إلى أن المهرجان تمكن منذ انطلاقته الأولى من اجتذاب الطاقة الإيجابية بتشجيعه على الابتكار وقص الحكاية وتجسيد المشهد أمام الآخر الذي يستمع وينصت إليه لتقديم حضوره الاجتماعي وثقته الإنسانية، يحكي له قصة أو ربما قصته هو، إلا أنه يجمع الناس للاستماع والتفاعل مع الحدث الإنساني. وأعلن أن اللجنة ارتأت أن تؤشر أو تشخص دور إدارة المسرح في الشارقة على تحفيز روح التنافس بين الشباب، وقال إن مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة قدم من الأعمال المسرحية المختلفة في أطروحاتها وفنياتها وطرق تناولها للنصوص، ومن الملاحظ أن جل النصوص التي عمل عليها المخرجون كانت أجنبية بخلاف نص واحد للمسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس. وأشار إلى أن فكرة تقديم الشباب لعروضهم من خلال نصوص عالمية وإنصات الآخرين لهم تمثل جائزة كبرى لكل المشاركين، وأن فوز أحد المتنافسين على أحدهم هو نسبي في الأساس لابتكار لحظة الأداء والحضور والتأثير.

السيدات يرفعن شعار “منافسة الرجال واجب”
عشرة عروض هي عدد العروض المتنافسة منها ثلاثة عروض قام بإخراجها مخرجات وهن آمنة النقبي، دينا بدر، شمسة النقبي، وهو لا يعد بالعدد الكبير ولكنه عدد يمكن أن يكون لافتا خاصة وأن منطقة كلباء من المناطق النائية كالصعيد المصري.
وبملاحظة بسيطة أخرى سيجد المتابع للمهرجان ممثلات كثيرات فمثلا مسرحية “إناس في الريح” يمثل بها أربع ممثلات، و”في العربة” البطولة فيها نسائية لاثنتين من الممثلات، ويشارك أيضا أربع فتيات أخريات بأدوار ثانوية، ومسرحية “روميو وجولييت” كانت الأكثر وجودا للعنصر النسائي بها فكان عددهن عشر ممثلات ولا تتجاوز أعمارهن 17 عاما.
وهذه المشاركة يمكن اعتبارها من أهم منجزات هذا المهرجان على مستوى التثقيف وفتح المجال للفتيات والسيدات الإماراتيات هناك مشاركات مصريات أيضا بالمهرجان للإعلان عن وجودهن في المجتمع، وتقديم إبداعاتهن وهو ما سيخلق مع الوقت توازنا بين الرجال والنساء، ويفتح بابا أوسع للمنافسة بينهما، وأيضا التعرف على إبداعاتهما المتنوعة.
ومن المشاركات البارزات في هذه الدورة المخرجة المسرحية آمنة النقبي التي شاركت بمسرحية “الأعمي والمقعد” ورغم الحفاوة التي قوبلت بها بالندورة التطبيقية للعرض، وتقديمها لمسرحية متوازنة على المستوى الفني والتقني، واختيارها الموفق للنص المسرحي وتقديمه على المسرح باستخدام دقيق لعناصر العرض المسرحي واختيارها الموفق للممثلين المشاركين معها بالمسرحية، وتوقعي الشخصي بمنافستها لمسرحية “رأس المملوك جابر” على الجوائز فلم يكن لها الحظ في الفوز، وهذا ليس تعليقا على قرار لجنة التحكيم ولكنها ملاحظة يمكن أن يكون الهدف منها تسليط الضوء على عرض مسرحي لم يأخذ حقه من وجهة نظر كاتب هذه السطور.

 فيصل الدرمكي شخصية المهرجان الدءوب
المخرج المسرحي فيصل الدرمكي ليس الوجه الأشهر بالمهرجان لوجود بانارات كثيرة له أمام المركز الثقافي بكلباء، ولا لاهتمام إدارة المهرجان بتكريمه والحفاوة به ضمن لقاء جمعه بالكثير من المسرحيين الإماراتيين والعرب، وإنما لأنه أيضا المسرحي الأكثر اهتماما ودأبا على متابعة جميع فعاليات المهرجان، فتجده صباحا باللقاءات الفكرية يدون ملاحظاته ويتابع ما يثار من أفكار وأطروحات، وكذلك بالعروض والندوات التطبيقية لها، وكان له الكثير من المداخلات المتزنة. وجاء اللقاء الذي تم تنظيمه للاحتفاء بالدركمي لإلقاء الضوء على إسهاماته الإخراجية على المستوى المحلي والعربي، وعلاقته الخاصة بالمخرج المسرحي الإماراتي الكبير عبد الله المناع، وما قدمه للمسرح المدرسي بالإمارات.

الملتقى الفكري والمشاركون بالعروض
اهتمت إدارة المهرجان ككل عام بتنظيم ملتقى فكري حمل هذه الدورة عنوان “المسرحيات القصيرة بين النص والعرض”، وقدم 8 باحثين أوراقا بحثية محاولين الإجابة على محورين أساسيين وهما: هل يؤثر طول أو قصر المسرحية على موضوعاتها أو ما تتناوله من قصص وتيمات؟ وهل يمكن القول إن طول النص المسرحي أو قصره يفرض طريقة إخراجه؟ وكان النقاش ثريا جدا، والأفكار مختلفة ومتنوعة، والاستفادة كبيرة، والأطروحات مهمة.
ومع ذلك كان هناك غياب تاما للمشاركين بالعروض سوى المخرج سعيد الهرش وكأن هذا الملتقى منظم للمتخصصين، رغم أنه ما يثار من أفكار وأطروحات هدفها تعليم الشباب وتعريفهم بمفاهيم مسرحية في غاية الأهمية والدقة، ولا يمكن التكهن بأسباب هذا الغياب، ولكن ما حدث يمكن أن يكون له حلول ومنها إلزام المشاركين بتقديم أفكار حول هذه المحاور وتقديمها للمتخصصين الموجودين بالملتقى، أو تغيير موعد الملتقى لموعد متقارب مع موعد تقديم العروض لحثهم على المشاركة والاستماع لما يقدم للاستفادة منه.

الملتقى فرصة لتقييم الرؤى والتفاعل
نظم ضمن المهرجان “ملتقى الشارقة السادس للبحث المسرحي” لعرض وتقديم أحدث الأبحاث المسرحية رسائل الدكتوراه في الوطن العربي، ويقدم الباحثون ملخصا لمنجزهم البحثي، لمناقشته والتفاعل مع محتواه من قبل الضيوف المشاركين بالمهرجان.
شارك اثنان من الحاصلين على الدكتوراه وهما دكتور أحمد عامر من مصر وحملت رسالته عنوان “النص غير الحواري في المسرح التعبيري”، والدكتور سليم شنه من الجزائر ورسالته بعنوان «كيف تأثرت حركة الإخراج المسرحي في الجزائر بثورة الاستقلال؟».
نال الملتقى الكثير من المداخلات الهامة والأسئلة حول الأطروحتين اللتين تم تقديمهما بهذا الملتقى، وقام الباحثان بالرد على أسئلة الحضور واستفساراتهم حول ما قدماه من منجز أكاديمي وعلمي.

الندوات التطبيقية بعين أخرى
هناك عشرة عروض لشباب وفتيات من مختلف الأعمار، شاركوا جميعا لنيل جوائز هذه الدورة، والمعروف أن هذا المهرجان واحد من المهرجانات التي تهدف للتثقيف والتوعية لهؤلاء الشباب، ومع أن الندوات التطبيقية التي صاحبت العروض لها الأثر الأكبر على المشاركين حيث يتم التعرف على أخطائهم ومناقشة أفكارهم مع وجود الكثير من الأساتذة الجامعيين والمتخصصين، إلا أنها كان يشوبها عيب يمكن تلافيه بسهولة بفتح المجال الأكبر للانتقاد البناء، وترك المساحة للمشاركين من الضيوف لنقد تجارب الشباب دون تجريح وتوجيههم لما يمكن تلافيه في العروض القادمة، تلك الآراء التي لو فتح لها المجال سيزيد من جدوى وفاعلية هذه الندوات.


سلوى عثمان