الأسماء الغريبة لجذب المشاهدين عندما يصبح المشاهد جزءا من العرض

الأسماء الغريبة لجذب المشاهدين عندما يصبح المشاهد جزءا من العرض

العدد 578 صدر بتاريخ 24سبتمبر2018

لكن الحقيقة كما يقول دومنيك كافندش عميد نقاد المسرح في الصحف البريطانية عبر مقاله الأسبوعي في الديلي تليجراف، إن موضوعات مسرحياته ليست مغرقة في التعقيد وليست تافهة. انها موضوعات متوسطة يمكن ان تجذب إلى مسرحه عشاق المسرح. وكل ما في الأمر انه يضع عناوين غريبة تدعو الجمهور إلى أن يفكر أولا.

بطلان فقط
وكان هذا هو مدخل كافندش للحديث عن المسرحية التي بدأ عرضها على أحد مسارح لندن بعد أن عرضت بالفعل في الولايات المتحدة أولا بنفس بطليها كينيث جرانهام وآن ماري دوف، ولا يوجد سواهما لأنها مسرحية من بطلين فقط two - hander. وتستمر 90 دقيقة على فصلين. وهو لذلك ينبه المهتمين بنظرية هيزنبرج إلى أن النظرية لا تشكل المحور الرئيسي للعرض كما حدث مع مسرحيات أخرى بل إن العرض يمسها مسا رفيقا من بعيد. وكانت هناك عدة مسرحيات دارت حول هذه النظرية مثل مسرحية كوبنهاجن لأديب إنجليزى آخر هو مايكل فرايان (85 سنة حاليا) حيث ظهرت فيه شخصية هيزنبرج.
تدور المسرحية حول جورجي وهي مواطنة أمريكية حسناء متقلبة المزاج وسريعة الانفعال حيث تقوم بزيارة إلى لندن تلتقي خلالها برجل يعمل جزارا في الخامسة والسبعين من عمره يبحث عن ابنه المختفي، وتحاول إقناعه بالاعتماد على نظرية عدم اليقين وما تتضمنه من معادلات. وفى خلال هذه المحاولات غير المجدية تقوم علاقة حب بين الأمريكية الحسناء والجزار البريطاني العجوز.، وبعد أن تقوم علاقة الحب يعترف لها الجزار بأنه فقد قدرته الجنسية منذ أكثر من عشرين عاما، وتغضب البطلة في البداية ثم تتمالك نفسها وتدرك أن الحب شعور عظيم أهم من اللذات الحسية.
ويرى كافندش أن الديكورات والإضاءة ساهمت في دعم الفكرة. وأشار إلى أن هناك فريقا من مهندسي الديكور والإضاءة متخصصين في أعمال سيمون ستيفنز حيث يعتبرهم قادرين على التعبير عن أفكاره في عملهم ويتمسك غالبا بفرضهم عند التعاقد على مسرحياته. كما تفرض المخرجة ماريان اليوت التي أخرجت له عددا من مسرحياته الأخيرة، كما أجاد كل من دوف وجرانهام.
ويرى كافندش أنها مسرحية تستحق أن يشاهدها جمهور المسرح، وهو نفسه لا يشعر بالندم على 85 جنيها إسترلينيا دفعها ثمنا لأغلى تذكرة في العرض الذي يستمر حتى يناير القادم، وقد اعتاد أن يدفع ثمن تذكرة دخوله حتى لا تكون هناك مجاملة لأصحاب العروض، وبعد ذلك يتقاضى الثمن من جريدته.

شرط الانتصار
ويتناول دومنيك كافندش مسرحية أخرى لكاتب بريطاني آخر وهو الكاتب المسرحي كريس ثورب هي مسرحية «شرط الانتصار». يقول كافندش إنه لا يستطيع أن يقاوم إعجابه بهذا الكاتب المسرحي لسبب مهم، وهذا السبب هو أن هذا الكاتب المخضرم الذي تجاوز السبعين يسعى في معظم مسرحياته إلى الدخول في مواجهات مع جمهوره حتى يجعل الجمهور جزءا من العرض المسرحي.
فيمكن مثلا كما حدث في مسرحيته الشهيرة «المواجهة» أن يتهم الجمهور بالعنصرية بشكل يستفز الجمهور ويجبره على الدخول في مواجهة ليصبح جزءا من العرض. وفي مسرحيته «أتمنى لو كنت وحيدا» سخر من إسراف الناس في الاعتماد على هواتفهم المحمولة، وقام بطل العرض بمصادرة الهواتف من بعضهم. لكن هذا الأسلوب يأتي بنتائج عكسية أحيانا حيث يتسبب في مغادرة بعض المشاهدين للعرض، وعلى الأقل يعترضون على تطور سير العرض المسرحي أو ترديد عبارات غاضبة.
ورغم ذلك، فهو لا يشعر بالندم على اتباع هذا الأسلوب، وله في ذلك فلسفة بسيطة، يقول إنه لا يقول لمشاهد مسرحياته «احضر إلى مسرحي» للاستمتاع والترفيه عن نفسه. المسرح في رأيه عبارة عن معمل لنفكر في الطريقة التي نفكر بها. وهذا ما تحقق في أحدث عروضه وهو «شرط الانتصار» وهو عبارة عن مسرحية من مسرحيات الفصل الواحد يستمر عرضه 55 دقيقة فقط لا غير.

انقلاب مسرحي
يصف كافندش المسرحية بأنها انقلاب في عالم المسرح من ناحية كل عناصرها بما فيها الديكور والإضاءة. وتدور المسرحية حول زوجين يعودان من إجازة إلى شقتهما الفاخرة الواسعة بإحدى المدن الكبرى، ويبدأن في حل أمتعتهما وإعداد الشقة للإقامة فيها بعد أن تركاها لفترة. وبدلا من أن يدور بينهما الحوار التقليدي الذي يدور عادة عند العودة إلى البيت بعد الإجازات، يدور الحوار بينهما حول إعداد أكواب من القهوة، ثم يبدآن في شرب الخمر وطلب البيتزا. ويتذكر كل منهما ماضيه ومشكلاته، فيتبين أن الزوج كان من قناصة الشرطة الأوكرانية خلال ما عرف بالثورة البرتقالية، وأنه يشعر بعذاب الضمير لأنه استهدف إحدى المعارضات برصاصة أودت بحياتها. أما الزوجة فيتبين أنها تعاني من مرض في المخ لا يعلم به زوجها وأنها لن تعيش طويلا. ويقود ذلك الاثنين إلى الحديث في بعض المسائل العامة مثل مخاطر اندلاع حرب نووية تدمر العالم، والأخطار التي تواجه الحريات المدنية في العالم إلى آخر بعض الموضوعات. وتنتهي المسرحية بجدل حاد يدور بينهما حول مستقبل العالم. وكل ذلك يدور بشكل يمكن أن يثير المشاهدين ويدفعهما إلى التعليق والتدخل في الأحداث. لكن العرض الذي حضره كافندش لم يحدث فيه شيء من ذلك.
ويصر ثورب أحيانا على تمثيل مسرحياته التي تكون ذات شخص واحد، وكانت مسرحية التهام الدبابير أحدث مسرحياته التي قام ببطولتها. وله مسرحية عن العراق أطلق عليها اسم «قنبلة شارع المتنبي لا تزال تنفجر» تتناول محنة الثقافة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي وحتى الآن، وقد بدأها بحادثة حقيقية هي انفجار سيارة ملغومة أمام إحدى مكتبات شارع المتنبي. ونرجو أن نوافي القارئ بنقد لها قريبا.
وقد عرضت مسرحياته بلغات كثيرة في الكثير من دول العالم في آسيا وأفريقيا وأوروبا، وساهم في إنشاء فرق مسرحية في دول مختلفة أحدثها فرقة مالا فوادورا البرتغالية التي ساهم في تأسيسها في العاصمة البرتغالية لشبونة وفي جمع التبرعات لشراء مسرح خاص لها. وكان يكتب لعض المسرحيات لعرض خصيصا في الإذاعة.

الصحة على المسرح
يعد المسرح وسيلة فعالة للتواصل مع الجماهير والتعبير عن مشكلاته، لذلك لم يفاجأ رواد مهرجان أدنبره المسرحي الذي أقيم مؤخرا عندما عرضت مسرحية تتناول واقع نظام الرعاية الصحية في بريطانيا وما يعانيه من مشكلات بسبب إقدام الحكومات البريطانية المتوالية على خفض مخصصاته وتحميل المنتفعين المزيد من تكاليف علاجهم في وقت تنتشر فيه الأمراض وترتفع تكاليف علاجها.
المسرحية هي «بعد التخفيضات After the cuts»، التي تتناول واقع قطاع الرعاية الصحية في المستقبل عندما تصبح مجانيته أمرا من الماضي، وتحكي عن واقع مرير في حياة «جيم» الميكانيكي المتقاعد وزوجته عندما لا يعود بوسعهما تحمل نفقات العلاج بعد تشخيص إصابة الزوجة بالسرطان، فيضطر هذا الزوج البائس لإجراء عملية جراحية بنفسه لإنقاذ زوجته المريضة في بريطانيا.
ومن المقرر أن تعرض المسرحية في مدن بأنحاء بريطانيا ربيع 2019، وتقول مخرجتها، بيث مورتون، في تصريحات صحفية خلال مهرجان «أدنبره»، إن الموضوع الذي تتناوله قريب لقلب الجمهور، ولكن عند العرض كان رد الفعل متباينا، فالبعض ضحك كثيرا حتى في المواقف الجادة ربما بسبب عدم الارتياح للفكرة، وآخرون بكوا لأن القصة تمسهم. وتابعت قائلة: «الرسالة هي ألا تعتبروا هيئة الخدمات الصحية الوطنية من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها».
وعلى الرغم من كآبة موضوع المسرحية، فإن كثيرا من النكات تخللتها، فقد سخر الزوجان من محاسبة المستشفى لهما على الكهرباء والماء واستخدامهما لدورة المياه أثناء زيارتها، فيما يتم تشبيه الزوجة في مرات عدة بالمكنسة الكهربائية المعطلة التي يصلحها «جيم» عادة دون خبرة.
يذكر أن عرض المسرحية يتزامن مع الاحتفال بمرور 70 عاما على تأسيس هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا التي تتباهى بأنها تقدم خدماتها «من المهد إلى اللحد»، وأثار الاحتفال مناقشات عامة حول قدرة الهيئة على تقديم خدمة طبية جيدة أو معقولة في ظل الميزانيات المحدودة التي تضع ضغوطا على الخدمة.
وضاعفت القيود المفروضة على الإنفاق - وسط تزايد الطلب من السكان البريطانيين، الذين أصبحت نسبة كبيرة منهم من المسنين - من القلق بشأن تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي العام المقبل وتأثير ذلك على إمدادات الأدوية وأعداد العاملين في قطاع الصحة.


ترجمة هشام عبد الرءوف