نظرة.. مولد شعبي فلتت خيوطه

نظرة..  مولد شعبي فلتت خيوطه

العدد 577 صدر بتاريخ 17سبتمبر2018

يعد «أوبريت الليلة الكبيرة» أشهر ما قُدم على مسرح العرائس في مصر من كلمات الشاعر صلاح جاهين؛ حيث تناول ذلك الأوبريت المولد الشعبي بشكله الفني الممتع الذي يجذب الكبار والصغار معا، وذلك من خلال شخصياته: (الأراجوز - بائع الحمص - بائع البخت - القهوجي - المعلم - العمدة - الراقصة - مدرب الأسود - الأطفال - المصوراتي - معلن السيرك - المنشد - الفلاح)، وغيرها من الشخصيات التي استلهمت في عروض مختلفة أوبريت الليلة الكبيرة، ومن ضمنها عرض “نظرة” الذي قدم كمشروع تخرج للدفعة الأولى من ورشة «ابدأ حلمك» على مسرح مركز الجيزة الثقافي، من إنتاج فرقة مسرح الشباب.
وإذا كان “أوبريت الليلة الكبيرة” قد ارتبط تاريخيا بمسرح العرائس تتجسد فيه الحياة بالدمى، فتتحرك، وتتكلم، فإن عرض “نظرة” تخلى عن العرائس في مقابل الاعتماد على الممثل البشري الذي يقدم أداءه في إطار تكوينات جماعية طوال الوقت؛ حيث جاء العرض مفتتحا بشخصية الراوي التي تحمل معها مذاق تراث الفن الشعبي حيث يظهر في البداية تمهيدا لسرد المونولوجات، وذلك بالإضافة لصوت صلاح جاهين في بعض المشاهد وفي نهاية العرض. وفي مقابل الراوي وصوت صلاح جاهين، فإن جسد العرض الواقعي تشكل من مجموعة مونولوجات غير مترابطة يتراوح عددهم من (13 إلى 15) مونولوجا، تم وضعهم في شكل غنائي واستعراضي يتماشى مع البطولة الجماعية التي اعتمد عليها العرض. وكان هناك مشاركة فعالة واضحة في هذه البطولة بين العنصر النسائي والرجالي، لكن كان هناك فرق بين أعداد الرجال والنساء؛ فقد طغت أصوات العنصر الرجالي على خشبة المسرح مما أثر على التوازن الصوتي في المشاهد التي تفصل بينهم، فقد حدث فرق شديد بين تون صوت النساء والرجال في أحد المشاهد فجأت أصوات النساء منخفضة غير واضحة حتى لا يمكنك تمييز الحروف والكلمات عكس أصوات الرجال.
من ناحية أخرى، شكل الأداء الاستعراضي ركنا هاما من أساسيات العرض مثلما كان يحدث في أوبريت عرائس الليلة الكبيرة، لذلك ظهر اهتمام واضح بالعنصر الموسيقى الذي تم عزفه بشكل حي والذي سعى في بعض الأحيان لكسر النمط التقليدي في لحن بعض الأغاني والعمل على قولبتها مثل أغنية (البحر بيضحك ليه!) وتوزيعها حتى يتم أداؤها بشكل حزين يوحي بالمأساة بما يتناسق مع الطابع المأساوي والبكائي للمونولوجات. كما كان هناك استخدام لأشهر أغاني الأوبريت، التي تم تكرارها بعد كل مونولوج ألا وهي أغنية «الليلة الكبيرة يا عمي والعالم كتيرة، ماليين الشوارع يابا والريف والبنادر»، فبهذه الكلمات الشهيرة بجانب المونولوجات الإنسانية التي تخص حياة الإنسان المصري وما يعانيه بأنه يصور لنا العرض واقع المواطن المصري الذي أصبح من كثرة همومه يعيش وسط هذه المشكلات وكأنه في مولد شعبي.
ساهم في بناء ذلك التصور الذي يطرحه العرض طريقة رسم الحركة أثناء إلقاء كل مؤدٍ للمونولوج الخاص به، فقد ساهمت بنية خطوط الحركة الدائرية في طرح ذلك الجمع الذي يشغل خشبة المسرح في صورة أقرب لساقية الماء التي تدور لتروي الأرض حتى تنبت، فهؤلاء يدورون بمشكلاتهم وهمومهم مما يؤكد على دورة الحياة والصراعات والمشكلات التي تحيط بالإنسان طوال هذه الدورة الحياتية. وعلى الرغم من المشاركة الفعالة لحضور ذلك الجمع من المؤدين، فإن كثرة عددهم كانت مؤثرة على حركتهم الجماعية معا في بعض الأحيان.
أما عن اللغة التي اعتمدت عليها معظم المونولوجات فكانت اللغة العربية الفصحى رغم ما ينقصها من دقة في نطق بعض الحروف بشكل صحيح ووضوح عدم التدريب جيدا على نطقها، كما حدث دمج للغة العربية العامية مع الفصحى بشكل يغلب عليه عدم التناسق مما يسبب ثقلا على أذن المستمع في تذوقه للغة الفصحى. وتعددت أيضا اللهجات مثل لهجة الصعيدي والفلاح وغيرها من اللهجات التي تدل على ثقافة كل شخصية وجاءت الملابس مؤكدة على ذلك، فقد تفوق العرض في تقنية الملابس بشكل ملحوظ من خلال جعله من قطع القماش وبعض الإكسسوارات البسيطة مكونا ملابس بألوان زاهية تجعلنا نشعر أن هذه الجموع التي تغزو المسرح مجرد عرائس يتم تحريكها. وجاء الديكور مكملا لهذه الصورة المسرحية بأن تكون خيوط الشخوص التي تشبه العرائس عبارة عن قطع قماش ملونة تدلى من أعلى لأسفل في عمق المسرح، لكن لم تساعدها الإضاءة في إظهار أشكالها وإيماءات الممثلين طوال الوقت. وبالمجمل عمل العرض على إحياء تراث الفن الشعبي وتذوقه بشكل فني حديث.


رغدة محمد