علي الزيبق قناع المخلص المتداعي

علي الزيبق قناع المخلص المتداعي

العدد 577 صدر بتاريخ 17سبتمبر2018

تتعالي الأصوات بين الحين والحين للبحث عن المخلص الفرد القادر علي درء الخطايا والهروب من النفق المظلم وتوفير سبل الحق والعدل والخير والجمال كونها هي المثل الأسمي التي يسعي الإنسان للوصول لها والغايات الأرقي التي يتمناها الإنسان في كل حين ومن ذاك المنطلق سطر الكاتب الكبير يسري الجندي مسرحيته الشهيرة علي الزيبق والتي رجع فيها إلي التراث الشعبي لطرح قضيه متجددة عن الظلم والجور والعوز ومقاومة الإنسان لهم طارحا البطل الشعبي علي ابن حسن راس الغول الذي دائما وأبدا ما وقف في صف الفقراء والمظلومين وطالب بحقهم في الحياة الكريمة ولأن حسن رأس الغول كان صاحب حق فقد ولاه السلطان قائدا للشرطة ومقدما للدرك مع سنقر الكلبي الذي قتله غيلة ولما فجعت زوجته فاطمة رأت الهروب بابنها علي، بل ونسبت الطفل لأبيها تخفيا من رجال سنقر وعندما شب علي وكبر وتعلم وعرف الحقيقة بنسبه لحسن رأس الغول قرر مواجهة صنقر مستخدما  الألاعيب للوصول إلي كشف ضعف سنقر أمام السلطان تمهيدا لعزله فيعود العدل ولما اهتزت السلطنة حيك لعلي مؤامرة كبيرة قادتها جليلة للوقوع به في الشرك وكان لها ما خططت وبقي القرار للناس وبالناس علهم يستفيقوا لإنقاذ مخلصهم أو يناموا في ثبات حتي يأتيهم اليقين.
وعلي خشبة مسرح وزارة الشباب والرياضة بالقاهرة وضمن فعاليات مهرجان فنون لمديرية الشباب والرياضة بالقاهرة قدمت فرقة مركز شباب الأندلس العرض المسرحي علي الزيبق للكاتب الكبير يسري الجندي ومن إعداد وإخراج محمود فراج والذي صنع طرح السؤال الشائك مقتربا من اللحظة الانية وما يمر به المجتمع من تحول ثقافي وأيدولجي واجتماعي فكان اختيار النص محاولة لربط  الماضي بالحاضر بغية استشراف مستقبل يصلح أن يعاش فيه فإذا كان علي الزيبق هو وليد بيئته ومجتمعه وظروفه التاريخية إلا أنه اتخذ صفة البطل الأسطوري واقترب من أحلام العوام وألامهم وهو أمر لو تعلمون عظيم وكان الطرح الأهم في العرض المسرحي علي الزيبق هل البطل المخلص مجرد فرد يحمل أعباء وتبعات الكل لتخليص الكل من أدران الكل أم أنه قد انتهي أوان البطل الفرد والبطولة الحقيقية لابد وأن تكون بطولة جماعية تخلص الكل من أدران الكل .
بدء العرض المسرحي علي الزيبق لمركز شباب الأندلس تأليف الكاتب الكبير يسري الجندي وإعداد وإخراج محمود فراج بلوحة كريوجرافية  اعدها محمد ميزو اعتمدت علي رقصات تعبيرية متناغمة ومتجانسة لشخصيات ارتدت قناع اخفي ملاحمها ودار الصراع الراقص التعبيري بين مجموعة واخري لتتداخل الحركات والرقصات بين هؤلاء وهؤلاء علي ايقاعات ساهمت في شحذ الفكر والخيال وجذب الانتباه لنكتشف مع مرور الاحداث ان اللوحة الكريوجرافية عرضت صراع حسن راس الغول وسنقر الكلبي وماضيهم القريب وانتهت اللوحة باعلان السلطان توليت حسن راس الغول رئاسة الشرطة مع غريمة سنقر الكلبي وبدءت تحاك المؤامرات من قبل صنقر الكلبي ضد حسن رأس الغول وما لبثت ان انتهت بنجاح صنقر في دس السم لحسن الذي مات غيلة وهروب فاطمة وولدها . ولم تتوقف اللوحات الكروجرافية عند الأوفرتير وحسب ولكنها امتدت بشكل متدفق بين ثنايا العرض لتحتل مركز التميز الأول في مفردات العرض قاطبة وتنجح في شحذ الإيقاع وانقاذه من الرتابة التي هددت الإيقاع بين الحين والحين خاصة مع ثبات الرؤية التشكيلية للديكور المركب لمشاهد العرض كلها فجاءت بانوهات متراصة في سيمتريتة عن يمين المسرح ويساره والعمق لم ينجح المخرج في فك تداخل المشاهد المتلاحقة بين ساحة العياق ومنزل فاطمة ام علي الزيبق وقصر السلطان ورئاسة الدرك ومنزل الكلبي والتي حاولت مهندسة الديكور (نجلاء عبدالقادر) نقل الروح التشكيلية لزمن العرض ومكانه في لوحة واحدة مركبة غنية بالتفاصيل الا ان الميزانسن وتوزيع الاضاءة بين خط الضوء ولونه وزاوية الاسقاط  ودخول وخروج الممثل ادي للارتباك الواضح في التشكيل الحركي فاختلفت الرؤية التشكيلية عن الرؤية العامة فبدا ارتباكا جليا في تحديد مكان الاحداث (الساحة – البيت – القصر.......إلخ) وزمانه (صباحا – مساء ) فضلا عن استخدام الراوي في الأحداث والذي تداخل في التمثيل في احيان عديدة وظهور الراوي في الحدث المسرحي يفرض اسلوب وتقنية مختلفة في رسم الميزانسين والملبس وتوزيع نقاط التمثيل ما بين الكتلة والفراغ بشكل مغاير واستخدام الإضاءة بشكل يحاول التفريق بين التشخيص والحكي وهذا ما حاول الراوي (محمد صالح) ذاك الموهوب صنع نقلات أدائية للتفريق بين الحكي والتشخيص في أماكن ومناطق مختلفة وأن كان تشخيصه لأكثر من شخصية دون مبرر درامي أدي لتوزيع وتقسيم المجهود وارتباك التلقي.
اجتهد الممثلين في محاولة عرض الحدث والحديث والاقتراب من اللحظة الآنية بشكل يؤكد إيمانهم بقضية العرض من جهة وموهبتهم الفطرية من جهة أخري والتي اختلفت في التميز صعودا وهبوطا علي مدار العرض تبعا لتباين الخبرات وتوزيع المجهود بطيعة الأحوال خاصة مع التدريب البدني المكثف في اللوحات الكريوجرافية ليؤكد العرض الفرضية الأكثر أهمية من هذا التسابق وهي أن طاقات التمثيل في هذا العرض فضلا عن باقي المفردات طاقات مبشرة وتحتاج إلي الصقل والتدريب للوصول إلي المبتغي
استخدام المخرج للقناع في بعض مناطق العرض أكد علي أن التخفي وراء القناع يؤدي لتداعي القناع في النهاية وان المخلص بطبيعة الحال لابد وان يكون نابعا من المجموع ولا يقتصر علي فرد بعينه وفي هذا منتهي الرجاء


محمد النجار

mae_nagar@yahoo.com‏