شهداء حريق بني سويف متى يتم تكريمهم بالشكل اللائق؟

شهداء حريق بني سويف متى يتم تكريمهم بالشكل اللائق؟

العدد 577 صدر بتاريخ 17سبتمبر2018

مرت في الخامس من سبتمبر الماضي 13 عاما على الحادث الأكثر مرارة في تاريخ المسرح المصري، محرقة مسرح بني سويف التي أودت بحياة الكثير من مبدعي المسرح، وكان لها الأثر البالغ على الحركة المسرحية المصرية. تلك الذكرى التي تركت جرحا عميقا في قلوب كل المسرحيين لن يندمل. في مثل هذا اليوم من كل عام يطرح المسرحيون عدة تساؤلات: هل تكفي مجرد الذكرى؟ وأين يوم المسرح المصري؟ هل حصل أهالي المصابين والشهداء على حقوقهم؟ لنستمع إلى بعض المسرحيين حول ما يشغلهم في هذا اليوم.
قال المخرج حمدي طلبة: بالأمس القريب وبالتحديد يوم الأربعاء 29/ 8/ 2018 قام ضباط الحماية المدنية باقتحام قصر ثقافة بني سويف وقام أحد الضباط بالاعتداء على السيد مدير القصر والموظفين والرواد بألفاظ يندى لها الجبين، وقاموا بوقف الأنشطة إلى أجل غير مسمى لولا التدخل السريع من السيدة وزيرة الثقافة، والسيد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الذي توجه لبني سويف حتى يتم استئناف النشاط مرة أخرى. أضاف: أليس هذا نتيجة المحرقة، غلق الكثير من المسارح والمواقع الثقافية وارتعاش أيدي المسئولين عن المسرح في اتخاذ القرارات الصائبة التي تنذر بتوقف الإنتاج المسرحي. أليس هذا وغيره نتيجة للمحرقة؟
وتساءل أيضا: أين حقوق الضحايا الذين أفنوا حياتهم في المسرح المصري؟ أين حقوق المصابين؟ فلولا الجهود الفردية من الدكتور أشرف ذكي ولجنة رعاية المصابين وحقوق الضحايا بقيادة الأستاذة مها عفت والأستاذة تيسير سمك، لضاعت الحقوق تماما، وإلى اليوم هناك مصابون يحتاجون علاجا وعمليات وسفر خارج مصر وأسر الضحايا هم أولى بالرعاية.
وتساءل مجددا: أين يوم المسرح المصري؟ لماذا لم يفعل القرار إلى يومنا هذا؟ ألم يتقرر أن يكون الخامس من سبتمبر هو يوم المسرح المصري، بدلا من أن يكون يوما للفاجعة والألم، الذي يكمن في أحشاء ذاكرتنا حتى اليوم وإلى أن نلتقي بهم.

يا فناني المسرح!
وقالت الفنانة مها عفت مسئولة لجنة رعاية المصابين وحقوق الشهداء: تأثر المسرح المصري بفقدان الكثير من مبدعيه في هذا اليوم، وبالأخص في الثقافة الجماهيرية، ومنذ حادث 5 سبتمبر وهناك انحدار وتخبط شديد داخل الثقافة الجماهيرية، بالإضافة إلى اللامبالاة، فمنذ العام الأول ولم يتم تفعيل قرار يوم المسرح المصري الذي أصدر منذ فترة تولي وزير الثقافة الأسبق عماد أبو غازي، وكان المقرر في هذا اليوم فتح المسارح مجانا على أن تكون هناك كلمة في كل مسرح، فأين يوم المسرح المصري يا فناني المسرح؟! إضافة إلى عدم تفعيل قرار الوزير الأسبق فاروق حسني بشأن إطلاق أسماء الشهداء على قاعات المسارح، وقد وضعت أسماء بعض الشهداء في أماكن لا تمت لهم بصلة ثم رفعت الأسماء مرة أخرى! وقد طالبنا بإطلاق أسماء شهداء المحرقة على جوائز المهرجان القومي وذلك تخليدا لذكرهم، ولكن لم يتم هذا سوى عام واحد عند فترة تولي المخرج ناصر عبد المنعم رئاسة المهرجان.
هل ما يحدث مقصود أم نعتبره عدم احترام؟! أضافت: شيء محزن ألا نهتم بهواء المبدعين الراحلين الذي كان لرحيلهم تأثير سلبي على المسرح المصري. وفيما يخص أهالي المصابين والشهداء، أضافت: حصل بعضهم على تعويضات مادية ولكن ما يهمنا هو التعويض المعنوي.
وقد تحدثت إلى وزير الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم في أن يتم الاحتفاء بشهداء محرقة بني سويف عند افتتاح مسرح السامر وذلك بعمل قاعات تحمل أسماءهم وعمل معرض كبير لمقتنياتهم ومؤلفاتهم وما قدموه، وذلك حتى تعلم الأجيال القادمة ما قدم هولاء العظام.
بعد مرور 13 عاما
واتفقت تيسير سمك شقيقة الفنان الراحل نزار سمك ومسئولة لجنة الشهداء والمصابين مع الفنانة مها عفت، في أن الثقافة الجماهيرية خسرت وتأثرت كثيرا بفقدان هؤلاء الرموز وبهذا الحادث المؤلم، محرقة بني سويف. أضافت: هناك الكثير والكثير ذهبوا ضحايا للإهمال على مدار ثلاثة عشر عاما، وليست محرقة بني سويف فقط، فنحن على مدار سنوات نعاني من كوارث الإهمال. وأتساءل: هل سيحدث شيء عقب 13 عاما من حادث بني سويف.
وأضافت: اتهمنا كثيرا بالمتاجرة بالقضية وأنا أرفض بشكل قاطع الحديث في وسائل الإعلام. وعن تخصيص يوم 5 سبتمبر احتفالا بذكرى الشهداء، قالت: كان من المفترض أن يكون يوم 5 سبتمبر هو يوم المسرح المصري وصدر قرار بهذا الأمر فترة تولي الوزير الأسبق عماد أبو غازي، وقد قمنا بالاحتفاء مرتين كانت إحداهما في إدارة المسرح، والأخرى في دار الأوبرا المصرية، ولم يحدث أي احتفاء آخر بذكرى الشهداء بعد ذلك، وقد طالبنا بإطلاق أسماء الشهداء على القاعات والمسارح ولكن لم يتم ذلك، وقد تم تكريم أسماء بعض الشهداء في المهرجان القومي، الذي كان يرأسه المخرج ناصر عبد المنعم ولكن لم يحدث أي تكريم آخر لهؤلاء الشهداء.

المحاكمة السياسية والقصاص
وقال الفنان مجدي عبيد: خسرنا في محرقة بني سويف خيرة المبدعين في المسرح المصري، مجموعة شباب عشقوا المسرح من قلوبهم. الكارثة الأكبر أننا قمنا بعمل حملة تحت مسمى 5 سبتمبر وطالبنا بالقصاص ولم يتم القصاص، فقط حكم على بعض الموظفين بالسجن لمدة عام، ولم تتم المحاكمة السياسية ولا المحاكمة الجنائية، وقد طالبنا وقتها بمحاكمة سياسية لوزير الداخلية ووزير الثقافة ووزير الصحة ولم يحدث شيء. تابع: قام المخرج ناصر عبد المنعم في فترة توليه المهرجان القومي للمسرح بعمل يوم المسرح المصري 5 سبتمبر وكنا نقوم بعمل مجموعة من الأنشطة والمؤتمرات والندوات لتخليد ذكرى الشهداء، ولكن لم يحدث شيء آخر بعد ذلك.
تابع: تم حصول أسر بعض الشهداء على تعويضات ولكن دائما كان مطلبهم القصاص وكان مطلبنا إطلاق أسماء الشهداء على قاعات المسارح، وتم وضع أحد الأسماء في قاعة قصر ثقافة بني سويف ثم تمت إزالته وهو أمر مؤسف، منتهى المهانة والاستهانة بهولاء الشهداء المبدعين.

خصائص المنشأة الثقافية؟
ومن منظور مختلف قال الدكتور جمال ياقوت: لم يحدث شيء. لسنا محكومون بأي أمل. وبإلقاء نظرة بانورامية إلى ما قبل حادث بني سويف، سنجد أنه كان يوجد نقص في عدد المسارح، بالإضافة إلى زيادة الإجراءات والتعقيدات وغلق الكثير من المسارح. أضاف: للأسف الشديد لا يوجد اهتمام بفكرة البنية التحتية للمسرح والاهتمام بالنواحي الإنشائية، وإذا نظرنا على المستوى الإنتاجي فالإنتاج يشمل أفراد وميزانية مالية حتى نقوم بعمل بنية بشرية وبنية مادية، وهي أشياء تعاني الكثير من المشكلات على المستوى البشري، فكل عناصر العملية الإنتاجية في المسرح بها أزمة وأعتقد أن مشكلة من مشكلات الثقافة أن طموحاتنا أكثر من إمكانياتنا.
تابع: على سبيل المثال، مسرح قصر ثقافة الأنفوشي تكلف 65 مليون جنيه في حين أنه إذا تم التعامل بمنطق أنه خاص بالثقافة الجماهيرية، كان ذلك سيمكننا من عمل أكثر من 25 موقعا، فالمنظومة تنطبق شكليا فقط وليس بشكل موضوعي، وأتمنى أن نقوم بالتركيز على خصائص المنشأة الثقافية، فهناك ضرورة للاهتمام بتوفير ميزانيات وتوفير بنية تحتية واهتمام على مستوى الإبداعات الفنية.

يوم الوفاء
وقال الفنان جلال الهجرسي: حادث محرقة بني سويف له أبعاد أخرى هامة يجب النظر إليها ووضعها في عين الاعتبار، فقد ذهب ضحيته الكثير من المبدعين، إضافة إلى أن الحادث تسبب في فقدان الكثير من دور العرض مما أدى بدوره إلى تقلص الإنتاج المسرحي. ومن ناحية أخرى، يجب أن تكون هناك ضوابط لإعادة استثمار المسارح ودور العرض على خريطة جمهورية مصر العربية التي تمتلك الهيئة العامة لقصور الثقافة العدد الأكبر منها، فيجب أن يعاد صيانتها ويتم عمل دورات تدريبية للعمالة الفنية التي أصبحت في تآكل.
وأشار الهجرسي إلى أن يوم الوفاء في المسرح المصري لا يعني إلا دعم الحركة المسرحية وإطلاق أسماء الشهداء على المسارح والقاعات، وذلك حتى يبقى وجودهم محفوظا للأجيال القادمة. وفيما يخص ذويهم وأسرهم، فإنهم يحتاجون إلى صرف معاشات استثنائية لهواء الشهداء إلى جانب المعاش الطبيعي.
تابع: وأخيرا، فإن رد الجميل لا يكون فقط في شهر سبتمبر من كل عام، ولكن في رعاية حركة مسرحية جادة والتخلص من فساد الهياكل الإدارية.

غامت الرؤية
وقال المخرج عزت زين: لا يمكن قياس التأثير السلبي لحريق مسرح بني سويف، ذلك أن هذا الحريق حصد أرواحا نبيلة لمسرحيين لا يعتد فقط بما قدموه وأضافوه للحركة المسرحية، بل أيضا بما كان يمكن أن يقدموه لو امتدت بهم الحياة، ومدى تأثير كل منهم في محيطه. فإن مجرد استعراض الأسماء والأدوار والأعمال الفنية والمهن والخبرات والجوائز، يشير إلى حجم خسارة هائلة إنسانيا وفنيا كان ينتظر منها ولها الكثير.
وتابع قائلا: عقب 5 سبتمبر غامت الرؤية لدى الجميع، مؤسسات باتت تخشى الاتهام بالتقصير بعد أن كشف الحريق حجم ما بها من قصور وتقصير، وبدلا من إخراج الرؤوس الغارقة في الرمال لمواجهة الحقيقة أغلقوا المسارح وبالغوا في طلب تجهيزات لم يسبق على مدى التاريخ أن توافرت في إي مسرح، وما زلنا نعاني إلى اليوم من إغلاق مسارح وعدم تحمل موازنة وزارة الثقافة توفير اشتراطات الحماية المدنية لإعادة افتتاحها.
واستطرد قائلا: أستطيع أن أقول إننا ما زلنا أسرى الحادث.. لأن المسرح المصري ورغم استمرار الحركة المسرحية والإنتاج المستمر فإنه لم يتجاوز ما حدث. نحن مغلفون بالحزن مهما بدا غير ذلك، وفرحنا يعتريه خوف من المجهول وأعمدة الدخان المتصاعدة تؤكد أننا لم ننتبه بعد!

 


رنا رأفت