جولة في مسارح العالم هناك يحدث أيضا يمنعون العروض لأسباب أخلاقية

جولة في مسارح العالم هناك يحدث أيضا يمنعون العروض لأسباب أخلاقية

العدد 572 صدر بتاريخ 13أغسطس2018

من أهم مزايا المسرح كما نذكر دائما أنه قناة توفر فرصة للتفاعل المباشر بين الممثل وجمهوره. ولعل هذا هو السبب الذي يجعل خبراء الإعلام يصنفون المسرح على أنه وسيلة اتصال غير جماهيرية لأن الممثل يتجه فيه مباشرة إلى جمهوره وليس عن طريق وسيط مثلما يحدث مع الإذاعة والتلفزيون والسنيما والصحف. لكنه في النهاية يظل وسيلة فعالة للتواصل مع الجماهير يستمتع بها الطرفان الممثل والجماهير.
وهذا الأمر يثير تساؤلات حول ما ينبغي أن يقدم في المسرح وما لا ينبغي تقديمه، وهذا ما تشير إليه الأزمة القائمة في بريطانيا حاليا حول مسرحية تعيد الفرقة الملكية البريطانية تقديمها اعتبارا من شهر يناير القادم وهي مسرحية Rita، Sue and Bob Too أو «ريتا وسو وبوب أيضا» التي توصف بأنها مسرحية اجتماعية تناقش الكثير من قضايا المجتمع البريطاني في إطار كوميدي طريف. وهذا ما أدى إلى نجاح كبير حققته المسرحية عند عرضها لأول مرة في عام 1983.
ولكنها في الوقت نفسه أثارت جدلا واسعا وقتها بسبب موضوعها الذي لا يتفق مع طبيعة المسرح. فالمسرحية تدور حول فتاتين مراهقتين طالبتين في إحدى المدارس تقيمان علاقة جنسية مع رجل متزوج. واحتوت المسرحية وقتها كما كبيرا من العبارات والألفاظ المثيرة سواء مباشرة أو بالتلميح فضلا عن بعض المواقف الساخنة بالإيحاء مما جعل أصواتا كثيرة ترتفع مطالبة بوقفها وتوقفت المسرحية فعلا بعد أن حققت الفرقة المنتجة أرباحا كافية عوضت بها التكاليف.
المؤلفة
وحاولت فرق كثيرة في بريطانيا وخارجها إعادة تقديم المسرحية لكن المشكلة كانت في مؤلفة المسرحية وورثتها فيما بعد. وهي نقطة يجب الوقوف عندها.
المسرحية من تأليف أندريا دونبار وهي صحفية وكاتبة سيناريو وكاتبة مسرحية. عاشت دونبار حياة قصيرة لم تتجاوز 29 عاما بين عامي 1961 و1990. وكانت تعيش حياة بهيمية حتى إنها حملت للمرة الأولى وهي في الخامسة عشرة من عمرها دون زواج ثم أجهضت نفسها. وبعد ذلك أنجبت ثلاث بنات من ثلاثة رجال دون زواج قبل وفاتها متأثرة بنزيف في المخ من جراء إفراطها في شرب الخمور.
ويبدو أنها تأثرت بأسلوب حياتها البهيمي في كتابة هذه المسرحية. وبعد وقف عرض المسرحية تلقت عروضا من بريطانيا وخارجها لشراء حق عرض المسرحية. وتعذر ذلك بسبب المقابل المغالى فيه الذي كانت دونبار - وكانت تحتفظ لنفسها بحقوق الملكية الفكرية للمسرحية - تطلبه. لكن السبب الرئيسي كان إصرارها على أن يوقع المشتري تعهدا بالالتزام بالنص سواء من حيث الشخصيات أو الأحداث أو حتى الكلمات والعبارات.
وبعد أربع سنوات باعت دونبار حق تحويل المسرحية إلى فيلم سنيمائي وحققت أرباحا طائلة.. مرة من بيع حق الامتياز ومرة من كتابة السيناريو بنفسها بعد أن ملأته بالمشاهد المثيرة. وتوقف الحديث بعد ذلك عن المسرحية خاصة مع الوفاة المفاجئة لدونبار عام 1990.
تراجع
وفي الشهر الماضي أعلنت الفرقة المسرحية الملكية أنها سوف تعيد تقديم المسرحية في يناير من العام القادم. وتعرضت الفرقة لهجوم عنيف قاده دومنيك كافندش عميد النقاد المسرحيين في بريطانيا والناقد المسرحي للديلي تلجراف باعتبار أنها مسرحية غير مناسبة للعرض على خشبة المسرح.
واضطرت الفرقة إلى إعلان تراجعها عن عرض المسرحية، وبعد يومين فقط عادت وأعلنت أنها ستعرضها في موعدها المحدد مع تنقيتها لتصبح مسرحية عائلية لا يجد الآباء غضاضة في اصطحاب أبنائها إليها، وسوف ينتهي إلى الأبد الحرج الذي أثاره النص الأصلي للمسرحية. وأكدت الفرقة أنها اختارت هذه المسرحية لأنها تناقش ببراعة عددا من المشكلات المعاصرة للمجتمع البريطاني وتعرضت لظلم كبير بسبب الرؤية المفرطة في الجنس التي لجأت إليها الكاتبة الراحلة.
تسوية ودية مع الموسيقار
من 150 مليونا إلى ثلاثة ملايين فقط
تم بشكل ودي تسوية دعوى قضائية أقامها الموسيقار الأمريكي «إيان باي» على فرقة «بلو مان جروب» المسرحية. وأعلنت الفرقة المتخصصة في المسرحيات الموسيقية أنها اتفقت مع الموسيقار على سداد مبلغ يزيد على 3 ملايين دولار مقابل التنازل عن دعواه القضائية التي طالب فيها أصلا بما وصفه بتعويضات وأجور مستحقة تصل إلى 150 مليون دولار. وتستمد الفرقة اسمها من ظهور أبطالها بوجوه زرقاء في أدوارهم.
وكان باي رفع دعوى قضائية على الفرقة جاء فيها أنه يحصل على أجر ضعيف رغم ما تحققه الفرقة من أرباح بفضل موسيقاه المبتكرة التي تلعب دورا كبيرا في جذب الجماهير إلى مسرحياتها منذ بدأت نشاطها في برودواي قبل عشرين عاما.
كما عمل مع الفرقة كمدير موسيقي لعروضها بما ساهم في تطبيق أفضل لأفكاره في عروضها، وكان يتبع أساليب مبتكرة مثل إضافة أجزاء بلاستيكية إلى الآلات الموسيقية بما يعطيها أصواتا انعكاسية غير تقليدية تختلف بعض الشيء عن أصواتها الأصلية وبما يخدم العرض المسرحي، وقال إنه ابتكر للفرقة ما وصفه بموسيقى الأغنيات بلا كلمات التي كانت تعد فتحا جديدا في عالم المسرحيات الموسيقية.
وأدى نجاح الفرقة إلى التهافت عليها لتقديم عروضها المتميزة في الكثير من المدن الأمريكية، كما تمت الاستعانة بها في بعض الأفلام العادية والكرتونية.
الإيرادات
وجاء في الدعوى أنه اكتشف أن الفرقة تحقق ما لا يقل عن 100 مليون دولار سنويا في الفترة الأخيرة سواء من عروضها أو من بيع تسجيلاتها الموسيقية التي هي في حقيقة الأمر من إبداعه، وبعضها تم ترشيحه لجوائز جرامي الموسيقية المرموقة المعادلة لجوائز أوسكار في السنيما أو لجوائز توني المسرحية في الولايات المتحدة وجوائز لورنس أوليفييه في بريطانيا، صحيح أن أيا من أعماله الموسيقية لم تفز لكن مجرد الترشيح جائزة في حد ذاته. ومع ذلك ظلت الفرقة تعطيه أجرا (لم تفصح عنه الصحف) يقل كثيرا عما يستحقه لدوره فيما حققه من نجاح.
وقد تمت تسوية الدعوى القضائية بعد عامين من رفعها بعد أن اقتنع الطرفان بعدم جدوى الاستمرار فيها. بالنسبة للموسيقار سيؤدي الاستمرار في الدعوى إلى مصاريف قضائية إضافية سوف يتحملها وقد تلتهم نسبة كبيرة من أي تعويض يحكم به لصالحه كما حذره البعض من أن المحكمة لن تحكم لصالحه بهذا المبلغ المبالغ فيه، وبالنسبة للفرقة يمكن أن يصدر حكم ضدها بتعويض كبير يفوق ما تم الاتفاق عليه للوصول إلى تسوية ودية، كما أنها تفضل ألا تخسر إبداعات هذا الموسيقار المتخصص في الأعمال المسرحية، ويأتي ذلك رغم أن الشركة نفسها أكدت في دفاعها وجود مبالغات فيما يدعيه إيان باي عن دوره في نجاح الفرقة مؤكدة أنه مجهود جماعي جعلها تتحول إلى مؤسسة ثقافية كبرى ولم يحققه فرد دون الآخر.
تعويض
ويطالب الموسيقار الفرقة بالإسراع بصرف هذه التسوية دون الانتظار لمصير الدعوى القضائية التي أقامتها الفرقة ضد شركة التأمين التي تتعامل معها لتشاركها في سداد جزء من التعويض، وذكرت بعض الصحف أن شركة التأمين وافقت بشكل مبدئي على دفع 70% من مبلغ التعويض بعد التأكد من تسوية القضية تماما.
ويذكر أن الفرقة نشأت في نيويورك، وكونها ثلاثة أصدقاء من عشاق الموسيقى والمسرح هم مات جولدمان وفيل ستانتون وكريس وينك الذين رفعوا شعار الأعمال المسرحية الموسيقية السريالية (فوق الواقعية)، ومكنتها أرباحها من شراء مسرح خاص بها، وهي تتكون حاليا من أكثر من 100 عضو ما بين ممثل ومغنٍ وعازف وغيرهم.
أما باي فهو ياباني الأصل، وقد عرف نفسه في الدعوى القضائية بأنه رسام تشكيلي وعازف بيانو وراقص. وأضاف أنه ارتبط مع أعضاء الفرقة فنيا واجتماعيا وكانت تربطه علاقات صداقة قوية معهم خارج المسرح حيث كان يقضي معهم إجازاتهم ويشاركهم في المناسبات الاجتماعية المختلفة كحفلات الزفاف وحالات الوفاة، وقد تقاضى منها بالفعل مئات الألوف من الدولارات على مدى عمله معها.
لكنه لا يستطيع التسامح معها عندما اكتشف حقيقة إيراداتها عام 2014 وقرر مقاضاتها. وشرح بمزيد من التفصيل، فقال إنه كان يتقاضى أجرا عن كل عمل ونسبة 1% من إيرادات الشباك، ثم اكتشف بعد ذلك أن هذا الأجر وهذه النسبة من الإيراد يقل عما يليق بموسيقار موهوب وصاحب خبرة مثله.


ترجمة هشام عبد الرءوف