التربية المسرحية وبناء المواطن دعوة لبناء الإنسان والوجدان بين التعليم العالي والثقافة والتعليم

التربية المسرحية وبناء المواطن دعوة لبناء الإنسان والوجدان بين التعليم العالي والثقافة والتعليم

العدد 570 صدر بتاريخ 30يوليو2018

أضحت التربية المسرحية عنصرًا أساسيًا في بناء المواطن وتعزيز وترسيخ قيم المواطنة وتقبل الأخر، حيث إن الاهتمام بالتربية المسرحية باعتبارها عنصرًا أصيلاً في تشكيل وجدان وفكر وثقافة المواطن، وكذلك استخدام التربية المسرحية في تغيير السلوك المجتمعي والترويج إلى تعزيز وترسيخ قيم الهوية والمواطنة، أضحى توجهًا عالميًا بالغ الأهمية.
ففي الولايات المتحدة دخلت الدراما إلى المصانع والمؤسسات والشركات الخاصة من خلال فرق متخصصة تقوم بتدريب الموظفين والعاملين على استخدام الأساليب المسرحية للترفيه عن النفس، والتنفيس، والاسترخاء، وتجديد الحيوية. ويقول الناشط في هذا المجال روبرت لوي (Robert lOWE) حين تعمل بهذه الأداة الفعالة سوف تحصل على درجات أعلى من الفائدة والكسب في مجالك العملي وتنمي إمكانات مؤسستك وتسّرِع في تطورك الشخصي.
أما على الصعيد التربوي فغالبية الدول الأوروبية والأمريكية تعتمد التربية المسرحية في التعليم، وقد تم إدخالها في مناهج تلك الدول بعد اختبارها والتأكد من فعاليتها في تحقيق الأهداف التربوية والتنموية على مدى عشرات السنين. وفي دراسة للأمريكي بروس جويس (Bruce JOYCE) حول الموضوع، أن القيام بتمثيل الأدوار كأسلوب للتدريس له جذوره في كل الجوانب الشخصية والاجتماعية في التربية. كما يؤكد الاعتماد على الحركة والعمل في الصفة (النشاط). فلعب الأدوار يتيح للتلميذ التعامل مع المشكلات من خلال الفعل فيقوم بتحديد المشكلة ثم بتمثيلها ومناقشتها مع المجموعة داخل الصف.
وعلى الصعيد المحلي فالفكرة ليست ببعيدة عن تصورات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي فسيادة الرئيس يملك رؤية ثاقبة وإلمام تام بأهمية القضية ويسعى لوضع رؤية متكاملة للتوافق المجتمعي والسعي لتحقيق هذا التوافق، حيث إن الرئيس دائمًا ما يؤكد ويشدد في خطاباته، على أن التنمية المستدامة لا تتحقق إلا بالمصالحة المجتمعية، والمصالحة المجتمعية لا تتحقق إلا بالتوافق المجتمعي، كما أن سيادة الرئيس يرى أننا أمام ضرورة حتمية، تقضي بأن يتبوأ العلم مكانته في بلادنا، ويصبح على قمة هرم أولوياتنا ومنظومتنا القِيَمِيَة، كثقافة ومنهج تفكير، وليس فقط كممارسة عملية، كما يرى سيادته أن العلم والتكنولوجيا والإنتاج هي مكونات أساسية في عملية التنمية الشاملة، فالعلم هو أساس التكنولوجيا، والتكنولوجيا هي الركيزة الأهم للإنتاج، والإنتاج هو عصب التنمية وجوهرها، ولا يمكن لأمة تطمح في مستقبل أفضل إلا أن تضع العلم الحديث في مكانه المُستحَّق، إيمانًا بأن هذا هو الطريق الأكثر فاعلية لتحقيق ما نصبو إليه من نمو اقتصادي مستدام، وتنمية اجتماعية شاملة.
ولتحقيق هذه الرؤية تقدمت باقتراح إنشاء قسم التربية المسرحية بكليات التربية النوعية، بحيث يكون أول مشروع تعليمي مهني ثقافي، تشترك به ثلاث وزارات، هي، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، ووزارة الثقافة، بهدف الخروج بمنتج مهني محترف طبقًا لاحتياجات سوق العمل المحلي والعربي، فالمطالبة باعتماد التربية المسرحية كوسيلة تربوية لا تستند فقط إلى نظريات العاملين والمتخصصين في هذا الحقل، بل تنطلق من الخبرات العملية على أرض الواقع. وان كنا لا نزال في الوطن العربي في مرحلة التجريب أو ما قبلها، فقد سبقتنا تجارب الآخرين في أوروبا وأمريكا ووصلت إلى نتائج أدت إلى وضع برامج تم اعتمادها كجزء من المناهج التربوية، وفي بعض الأحيان تخطتها إلى استخدام المسرح والدراما في التنمية الاجتماعية والعلاج النفسي وتعزيز قدرات الموارد البشرية في الشركات والمؤسسات الخاصة.
ويهدف المشروع إلى تطوير التعليم والتعلم وفقًا لمعايير الجودة وتحقيق الرعاية المثلى للطلاب والطالبات، تنمية الموارد البشرية وتطوير مهاراتها والمحافظة عليها، استكمال وتطوير البنية التحتية وصيانتها، مشاركة مجتمعية حقيقيّة فاعلة، تحقيق التفاعل مع سوق العمل، وتفعيل خدمات ما بعد التخرج، إيجاد بيئة ملائمة للبحث العلمي وتطوير الأداء البحثي، والسعي للإيجاد موارد مالية للقسم.
بات المسرح المدرسي يعاني ركودًا وتدنيًا في المستوى، لا سيما مع وجود نقص كبير في أعداد المشرفين المختصين بتدريب الطلبة، وغياب الكادر المسرحي الكفء المشرف على النشاط المسرحي في المدارس، وانعدام الوقت المخصص للمسرح المدرسي خلال اليوم الدراسي، فلا توجد حصص مخصصة للمسرح مثله مثل التربية الفنية والموسيقى... إلخ رغم كونه أبو الفنون والأقدر على تشكيل شخصية الطفل.
وفي رأيي يرجع السبب في هذا التدهور بشكل أساس إلى ندرة المعلم المسرحي الخبير، والذي يعود بدوره إلى عدم وجود قسم تربية مسرحية مستقل متخصص في كافة كليات التربية النوعية حتى الآن، تلك الكليات المنوط بها – وليس أي جهة أخرى – إعداد وتأهيل المعلم النوعي، حيث تتم دراسة المسرح كشعبة فرعية في أقسام الإعلام التربوي، فلا يستطيع الدارس تحصيل الكم الكافي من المناهج الدراسية اللازمة لتأهيله علميا وعمليا، كما يتم إنهاكه بمجموعة أخرى من المقررات الإعلامية والصحافية التي لا تمثل ضرورة قصوى بالنسبة لتخصصه، وبالتالي لا توجد كفاءة بشرية في سوق العمل تكفي لسد العجز على مستوى المدارس الحكومية والخاصة ولا حتى نظرائها في الدول العربية الذين يحددون مؤهلات متقدمة يجب توافرها في المعلم المسرحي.
ولكن تحقيق هذه الرءية لن يكون سهلاً فتحقيقها يتطلب تعاون بين جميع المؤسسات التعليمية والثقافية والتربوية في الدولة. إلا أن الانطلاقة الأولىلابد ان تكون من خلال إنشاء قسم تربية مسرحية مستقل في كل كلية من كليات التربية النوعية، يكون هدفه الأول إعداد وتأهيل معلم مسرحي كفء واضعا – أي القسم - متطلبات سوق العمل الحكومي والخاص وكذلك المصري والعربي نصب عينيه، ليتم تخريج معلم مسرحي خبير ومدرب وفقا لمعايير الجودة العالمية، ليصبح قادرًا على إدارة العملية المسرحية بالمدرسة تدريسًا وتدريبًا وإبداعًا ومسرحًة للمناهج. وبهذا يقدم القسم لمجتمعه معلمًا نوعيًا مكتسبًا معارف ومهارات ذات التخصص المسرحي، قادرًا علي تنميتها لطلاب التعليمما قبل الجامعي ومشاركًا في جودة المنظومة التعليمية، مستوعبًا لمهارات البحثالعلمي ورعاية وتنمية الإبداع، فيعمل علي تنمية بيئته وخدمة مجتمعه في ضوء آليات سوقالعمل ومتغيراته.
ويتأسس المشروع على برتوكول تعاون وشراكة بين عدة وزارات ومؤسسات وهيئات، متمثلة في وزارة التعليم العالي ممثلة في كليات التربية النوعية، وزارة التربية والتعليم وإدارات التوجيه المسرحي، المدارس الخاصة، وزارة الثقافة «أكاديمية الفنون وهيئة قصور الثقافة لتوفير أماكن التدريب، كما تبرم عدة بروتوكلات تسويقية مع القطاع الخاص والمدارس الخاص «مثل جمعية أصحاب المدارس الخاصة»، وجميع كيانات خدمة المجتمع بالدول العربية والمدارس هناك التي تهتم بدراسة المسرح كمقرر أو نشاط، وذلك لتحديد احتياجاتهم ومواصفات الخريج الصالح للعمل معهم، وبالتالي توفير فرص العمل وفتح آفاق جديدة أمام عملية التشغيل واستيعاب الطاقات الشبابية بفتح مساحات للعمل وبتوفير مصادر دخل كريمة لهم.
ومن الضروري أن يحتوي قسم التربية المسرحية المزمع تأسيسه بكليات التربية النوعية على المواد التخصصية الدقيقة مثل تحليل النصوص المسرحية، حرفية الكتابة، حرفية التمثيل، أسس الإخراج المسرحي، تصميم السينو غرافيا، النقد المسرحى، العروض والتطبيقات العملية، تاريخ المسرح وكذلك عددٌ من المواد المرتبطة بشكل غير مباشر بدراسة المسرح مثل علم النفس، علم الاجتماع، الموسيقى، الصوتيات، واللغات، على أن يتم تشكيل الهيئة التأسيسية للقسم من خلال تعيين أو إنتداب عددمن المعيدين والمدرسين المساعدين والمدرسين والأساتذة بجانب الأعداد الموجودة بالفعل في شعب المسرح الموجوده فعليا في بعض الكليات بوصفهم اللبنة الأولى لأعضاء هيئة التدريس بالقسم من تخصصات متنوعة تخدم جميعها التخصص الأساسى حتى يتم تخريج عدد من الدفعات الطلابية منالقسم والتي من خلالها بدء تعيين المعيدين المتخصصين من خريجى القسم ذوى التخصصات المتنوعة.
وبالنظر إلى الغايات التي يسعى المشروع لتحقيقها نجد أن المشروع قادر على إحداث أثر كبير في عملية التنمية وبناء المواطن، فالمشروع يسعى إلى عداد أجيال من الخريجين مواكبين لروح العصر ومتطلبات سوق العمل، رفع كفاءة وفاعلية الدراسات العليا وتشجيع البحث العلمي، ضمان جودة التعليم والاعتماد، إعداد عضو هيئة تدريس ذو جدارات علمية ومهنية متميزة إقليميًا وعالميًا، وأخيرا والأهم هو المشاركة في التنمية المستدامة وخدمة المجتمع والبيئة.
في رأيي أن قضية التنمية وبناء المواطن إذا ما تمت وفق رؤية سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي وإذا ما اعتمدت في تحقيقها على رؤية علمية قائمة على البحث والاستفادة من تجارب الآخرين، سنكون على بعد خطوات من تحقيق التنمية الشاملة التي يسعى إليها –بل يستحقها عن جدارة - الشعب المصري العظيم الذي يضرب مثلا في الوطنية والكرامة ومساندة الوطن.


راندا رزق