أنطونيو وكليوباترا..  رؤية جديدة فى لندن

أنطونيو وكليوباترا..  رؤية جديدة فى لندن

العدد 568 صدر بتاريخ 16يوليو2018

مهما انقضت السنون وتعاقبت الأيام تظل مسرحيات شاعر الإنجليزية الأول وليم شكسبير مادة خصبة لعشاق المسرح. لأنها نصوص قوية وثرية يمكن تقديمها مئات المرات، وفي كل مرة تقدم برؤية جديدة.
وعلى هذا الأساس يرفع الستار في العاصمة البريطانية لندن في سبتمبر القادم عن إنتاج جديد برؤية جديدة لرائعة شكسبير الخالدة “أنطونيو وكليوبترا”. يتم عرض المسرحية في قاعة أوليفييه بمجمع المسرح الوطني. وسوف يقوم بدور أنطونيو النجم رالف فين، بينما تقوم بدور كليوبترا النجمة الإنجليزية السمراء الفاتنة صوفي أوكونيدو حتى يقتنع الجمهور بأنها فعلا مصرية. وسوف يكون العرض من إخراج وإنتاج المخرج سيمون جودوين المتخصص في كلاسيكيات المسرح البريطاني إخراجا وتمثيلا.
وكما يقول الناقد المسرحي للديلي تلجراف البريطانية سوف يلتزم الخط الرئيسي للمعالجة الجديدة بالخط الأساسي للمسرحية كما كتبها شكسبير قبل أكثر من 400 عام. ويتمثل هذا الخط ببساطة في بطل وبطلة يعيشان قصة حب ساخنة يكون لها أثار مدمرة على الحياة السياسية لبلديهما المتحاربين. فنحن إذن أمام قصة حب تصبح في الوقت نفسه قصة سياسية مثيرة. فهي ليست قصة روميو وجولييت وليست قصة يوليوس قيصر وحدها، بل هي مزيج منهما. وسوف يتم التركيز على الخط الأساسي الآخر المتمثل في انسحاب مارك أنطونيو وهو أحد المشاركين في حكم روما من المواجهة مع الجيش المصري بعد أن وقع في حب ملكتها كليوباترا السابعة، رغم أنه كان من المشاركين في حكم بلاده. ووصل به الأمر إلى أن يتولى قيادة الأسطول البحري المصري.. فقد حكمت مصر عدة ملكات باسم كليوبترا، ودارت الأحداث في عهد السابعة منها.
الواقع المعاصر
وبعد ذلك سوف تتضمن المعالجة الجديدة إسقاطات على الواقع المعاصر وقضية تغيير النظم الحاكمة في إسقاطات غير مباشرة على الأوضاع في عدد من بلدان الشرق الأوسط بوجه خاص مثل سوريا وليبيا. ويتناول العرض جدوى التدخل العسكري في مثل هذه الحالات وكيف يمكن أن يحدث.
ويقول المخرج أنتوني جودوين إن النص المسرحي الجديد يناقش أيضا بعض القضايا مثل الصراع بين العام والخاص، وبين ميول الشخص السياسية والعاطفية. ويضيف أن الجمهور سوف يفاجأ بالتجسيد الرائع للشخصيتين بواسطة فين وأوكونيدو كما فوجئ هو نفسه في البروفات. وسوف يظهر الاثنان وكأنهما خلقا خصيصا لتجسيد الشخصيتين كي يعيدا الجمهور الجالس على مقاعده لألوف السنين إلى الوراء.
وفي ذلك يقول إن كليوبترا اشتهرت في تاريخها بأنها شخصية متقلبة. وكانت تحتاج إلى التعبير النفسي عن هذه التناقضات التي أجادتها أوكونيدو وليس مجرد إظهارها كامرأة جذابة وحسناء ومثيرة ذات تصرفات غريبة. وكل هذا عبرت عنه أوكونيدو بنجاح كبير في البروفات حتى الآن. ونفس الأمر ينطبق على فينس. وعلاوة على ذلك يدافع فينس عن أنطونيو ضد الاتهامات التي صورته على أنه شخص يخرق قوانين بلاده ويخالف قادته من أجل عواطفه وعشقه لملكة مصرية جميلة ويحاول النص أن يدافع عنه بعض الدفاع، وهو ما يجسده فينس بشكل رائع حيث يظهر أنطونيو في صورة الشخص القوي البطل القادر على القيام بالعمل المناسب في الوقت المناسب. وكل ذلك في إطار الالتزام بالنص الأصلي والتحرك فقط في التفسيرات. فالمعالجات المسرحية التي سخرت من أنطونيو ومن كليوباترا كانت أيضا تقدم تفسيرات للنص الأصلي الذي يتميز بثرائه وإمكانية استخلاص ألوف التفسيرات منه.
البطل الثالث
وحرصت المعالجة الجديدة للنص على إظهار البطل الثالث وهو أوكتافيوس قيصر في شكل الملك الشاب الطموح صاحب الشخصية الجذابة الذي يجسد مستقبل الإمبراطورية. ولا تسعى المعالجة إلى إظهاره في شكل شخص ممل عنيف يتعامل مع رعاياه بقسوة. وقد اختار لهذا الدور الممثل الاسكوتلندي صاحب الأصول والنشأة النيجيرية تونجي قاسم.
ويمضي المخرج قائلا إن مسرحيات شكسبير تكون عادة مصدرا للصداع لمن يتصدى لإخراجها. وهذه القاعدة تنطبق أكثر ما تنطبق على أنطونيو وكليوباترا.
42 مشهدا
ويواصل جودوين الحديث عن المسرحية فيقول إنه لم ينتهِ بعد إلى تحديد مدة العرض وإن كان يقدرها مبدئيا بنحو 3 ساعات وربع الساعة. وهذه المدة تعد نوعا من الاختصار حيث إنه شاهد عروضا لتلك المسرحية في بريطانيا وخارجها زادت مدتها عن أربع ساعات.
ولم يشأ أن يصل إلى حد الأربع ساعات حتى لا يثقل على المشاهدين ويصيبهم بالملل. وحتى لا يصيبهم بالملل قسم العرض إلى 42 مشهدا أو بمعدل نحو خمس دقائق للمشهد الواحد.
وسوف تكون معظم المشاهد القصيرة في الفصل الرابع حيث تدور المعارك التي تحتاج تقنية إخراجية خاصة لتسهيل متابعتها على المشاهدين.
وحتى يكون العمل مقنعا، قام جودوين بزيارة إلى مصر على نفقته الخاصة لزيارة الأماكن التي يفترض أن أحداث المسرحية دارت فيها ليكون الرؤية المناسبة وليعرف الفرق بين مصر في الحقيقة ومصر التي تخيلها وليم شكسبير. وكانت زيارة ممتعة له ولأسرته. وهو يشيد بشكل خاص بمنتجع “مرسى مطروح” المصري المطل على البحر المتوسط. كما استمتع بزيارة مصر الإسلامية.
معادلة صعبة
ويضيف قائلا إنه سيحقق معادلة صعبة في هذا النص كان يود أن يحتفظ بها سرا ليفاجئ الجمهور عند بداية العرض. لكنه قرر أن يفشي هذا السر من الآن على أمل أن يثير اهتمام الجمهور. والسر هو أن الأبطال سوف يرتدون الملابس العادية ولن يرتدوا الملابس التاريخية بينما ستكون الديكورات تاريخية يصممها عدد من مصممي الديكور الذين تخصصوا في تصميم ديكورات أعمال شكسبير. وسوف يحاول إظهار جمال مصر وجاذبيتها بحيث كان هذا البلد – وليس مجرد ملكته - قادرا على الإيقاع بقائد حازم صلب مثل أنطونيو. ومع ذلك فإنه سوف يكون قادرا على إقناع المشاهدين بأنهم يشاهدون مسرحية تاريخية لشاعر الإنجليزية الأول وليم شكسبير تلتزم تماما بأفكاره لكنها تفسرها من منظورها الخاص.
ويعود فيلخص رأيه فيقول إن مصر دولة جذابة ومثيرة وغنية بالأحاسيس.. أما روما فهي دولة مسيطرة وعاقلة ورسمية على حد تعبيره.
وسوف يستبعد جودوين بعض المفردات التقليدية التي دأب المخرجون على استخدامها في المسرحيات التي دارت أحداثها في مصر مثل تماثيل القطط.
ويعود، فيقول في النهاية إن أنطونيو وكليوبترا عمل مأساوي ينتهي بالموت، وهو سر جاذبية هذا العمل لعشاق المسرح. وسوف ينتهي العمل رغم الرؤية الجديدة بمصرع الحبيبين ليؤكد أنها نهاية الأحياء جميعا في كل الأحوال.
 


ترجمة هشام عبد الرءوف