في مناقشة كتابه  د. حسن عطية: نعم نحن نعيش زمن الدراما

في مناقشة كتابه  د. حسن عطية: نعم نحن نعيش زمن الدراما

العدد 563 صدر بتاريخ 11يونيو2018

نظمت الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن احتفالاتها «بليالي رمضان الثقافية» الأسبوع الماضي بوكالة بازرعه ندوة لمناقشة كتاب «زمن الدراما» للدكتور حسن عطية أدارها الشاعر مدحت العيسوي بمشاركة الدكتور حسن عطية والناقد أحمد هاشم، والكاتب عماد مطاوع الذي عرف الدكتور حسن عطية بأنه أحد أعلام النقد، شغل العديد من المناصب الأكاديمية فهو عميد أسبق للمعهد العالي للفنون المسرحية وعضو معظم اللجان المتخصصة في المسرح والدراما والمهرجانات، ويكتب في الكثير من الدوريات المصرية والعربية، مشيرا إلى أن آخر موقع شغله هو رئيس تحرير «مجلة المسرح» التي ستصدر قريبا.
 الشاعر مدحت العيسوي أشار إلى أن الندوة تقدم ضمن ندوات تقيمها إدارة النشر الثقافي بهئية قصور الثقافة، لإلقاء الضوء على إصداراتها من الأعمال الإبداعية، وهو ما عده العيسوي سنة حميدة استنتها الإدارة. أضاف: ونحن نلتقي اليوم لنناقش آخر إبداعات الناقد الدكتور حسن عطية وهو كتاب «زمن الدراما»، مشيرا إلى أن شهر رمضان أصبح كرنفالا للأعمال الدرامية، يفوق حجم الإنتاج الدرامي فيه 20 ضعفا عما كان يقدم في سنوات مضت، وهو ما يجعل المتلقي يقع في حيرة شديدة, كيف سيشاهد هذه الأعمال؟ بالإضافة إلى أنه يجعل الناقد يقع فى حيرة أيضا: فكيف سيتابع هذا الكم من الأعمال. 
وأوضح العيسوي أن كتاب «زمن الدراما» يناقش جميع أنواع الدراما، سواء الدراما التلفزيونية أو السينمائية أو الإذاعية والمسرحية، وأنه مقسم إلى مقدمة مختصرة يتحدث فيها الكاتب عن بداياته مع النقد الأدبي قبل أن يتجه إلى نقد الدراما بأجناسها الأربعة، مشيرا إلى أنه لم ينحَز إلى جنس على حساب آخر. 
الناقد أحمد هاشم قال إننا أمام كتاب هام للغاية هو «زمن الدراما» يكتسب أهميته من المسمى فضلا عن أنه من تأليف واحد من أهم أساتذة الدراما والنقد ليس فى مصر فقط بل فى العالم العربي. أوضح هاشم أن أهمية الكتاب تتأتى من عدة مرتكزات: الأول هو اسم الكتاب «زمن الدراما»، موضحا أن الدكتور حسن عطية كعادته يبتعد عن المألوف ويحرك المياه الساكنة حيث يعدينا بهذا المسمى إلى المعارك الثقافية والفنية التي افتقدناها منذ ستينيات القرن الماضي والتى كانت تدار على صفحات الجرائد والمجلات بين كبار المثقفين. أضاف: زمن الدراما جاء فى الأساس ليتجادل مع كتاب «زمن الرواية» للدكتور جابر عصفور، الذي يؤكد فيه أننا نعيش فى زمن الرواية وذلك من وجهة نظرة، لعدة أسباب ومنها أنها أصبحت أكثر انتشارا، وقد دمج معها فن القصة، كما جمع تحت هذا اللواء أيضا الحكى المسرحى والتلفزيوني والسينمائي.. إلخ. 
وهنا كان للدكتور حسن عطية فى مقدمة الكتاب وقفة وإن كانت قصيرة ألا أنها جاءت مركزة للغاية يرد فيها على كتاب عصفور، مخالفا لوجهة نظرة ومؤكدا على أننا نعيش زمن الدراما لعدة أسباب وهي أن الرواية تحتاج إلى قارئ متعلم على عكس الدراما المنتشرة التي لا تشترط وجود هذا القارئ بكل أجناسها وأنواعها سواء كانت دراما مسرحية أو تلفزيونية أو إذاعية أو سينمائية، بذلك يستطيع الجميع مشاهدتها بذلك فإن الجمهور الذي يستهلك الدراما أكثر بكثير من الجمهور الذى يستهلك الرواية، بالإضافة إلى إن الدراما تتتشابك مع الكثير من قضايا الواقع عكس الرواية. 
وتابع هاشم: في كتابه «زمن الدراما» أبدى الدكتور حسن عطية دهشته من إشارة الدكتور جابر عصفور في كتابه إلى أن جنس السرد يتسع للرواية والقصة القصيرة والمسرحية وكل ما أسماه فن الحكى الدرامي، مدمجا فيه المسلسل التلفزيوني مؤكدا - عطية – أن الدراما جنس مختلف عن الرواية سواء من الناحية التاريخية أو من ناحية المصطلح، بالإضافة إلى اختلاف بنيتها الجمالية تماما عن جنس الرواية و القصص القصيرة أيضا وذلك لأن الدراما تتأسس على حدث يقع بالفعل « الآن» في صيغة الفعل «الحاضر» أمام المشاهد على المسرح أو على شاشة التلفزيون أو السينما أو عبر أثير الإذاعة، بينما السرد في الرواية أو القصة القصيرة يحكي قصة حدثت في الزمن الماضي، تروى الرواية أو القصة بالضمير الأول أو الضمير الثالث كما أن صيغتها تأتي في صيغة الفعل الماضي دائما يخاطب قارئا مجهولا أو افتراضيا، بينما الدراما ليست قصة محكية. 
تابع هاشم: كما أشار الدكتور جابر عصفور إلى أن الرواية هي سرد لحكاية وإعادة بناء حدث واقعي أو متخيل، بينما يؤكد د. عطية أن المسرح لا يحكي بل يتحقق بفعل يحدث الآن، وعقب توضيح الفرق بين السرد والدراما يعود الدكتور حسن عطية ليؤكد أننا نعيش زمن الدراما وليس زمن الرواية، وكما أشرت من قبل إذا أخذنا بمعيار التعبير الأقرب للشمول عن قضايا المجتمع الساخنة ولو أخذنا بمعيار حجم التأثير والتشابك (التشابه) مع حركة الحياة أو حجم الجمهور سنصل إلى حقيقة أننا نعيش بالفعل زمن الدراما التى أصبحت فضاء لكل العرب على الرغم من أن الرواية والدراما المسرحية على المستوى العربي عرفت في وقت متقارب وهو منتصف القرن التاسع عشر. 
أضاف هاشم أيضا: يفرق الدكتور حسن عطية بين نوعين من الدراما: الثورية ودراما الثورة، مؤكدا أن هناك خطأ وقع فيه البعض في تسمية الدراما التي واكبت ثورة يناير فالبعض أسماها دراما ثورية والبعض أسماها دراما الثورة، ويرى عطية أن دراما الثورة هي الدراما التي تتابع حركة الفعل الثوري وقت تفجره على أرض الواقع وتعيد قراءة هذا الفعل من منظور مشارك وراصد بخلاف مسرحيات ومسلسلات تقدم في أعقاب الفعل الثوري نعرف من خلالها أسرار قيام الفعل الثوري. إذن دراما الثورة هي إعادة قراءة فعل الثورة زمن حدوثها وداخل جوانبها وبهدف توضيح حقائقها والكشف عن أسبابها، وقد أشار د. عطية في كتابه إلى بعض النماذج، مثل يوميات ثورة للمخرج خالد عز العرب، وشهيد الثورة لعبد الرحمن عاصم وفي مجال المسرح قدم في الأسابيع الأولى من ثورة يناير أعمال مثل حواديت التحرير لداليا بسيوني, وتذكرة للتحرير لسامح بسيوني، وهنكتب دستور جديد لمازن الغرباوي وجميعها أشكال لدراما الثورة. 
أما الدراما الثورية - تابع أحمد هاشم - فهي مختلفة تماما كما يعرفها الدكتور حسن عطية، في تلك التي تشارك في التمهيد لفعل الثورة وتتابع دوره في تغيير الواقع ومواجهة النظام ومؤسساته المختلفة سواء إنتاجية أو رقابية وتواجه هذه الدراما الثورية بعد الثورة ذيول النظام المنهار وآليات بقائه التي ليس من السهل خلخلتها من بنية المجتمع وعقله الذي تم تغييبة لزمن طويل، وتنوير وعي المتلقي بالكشف عن الخلل الضارب في جذر النظام السياسي والاجتماعي القائم وحثه على الحركة لتغييره تغييرا جذريا. تابع: الدراما الثورية هي إذن دراما المواجهة العاملة على إسقاط نظام وبناء نظام آخر مغاير وهي بذلك تسبق فعل الثورة وهذا الفرق بينها وبين دراما الثورة لأن الدراما الثورية تمهد للفعل الثوري وتستمر معه حتى يحقق كل أهدافه، ويضرب الكاتب نماذج للدراما الثورية من السينما في فترة ما قبل ثورة 1952 بفيلم «لاشين»، «السوق السوداء»، «العامل»، «الفتوة» وغيرها وهي تنقسم إلى مجموعتين؛ قسم كان يمهد وسابق على فعل ثورة 1952, ومجموعة أعمال سينمائية تالية لما بعد الثورة لتصحيح المسار وكشف الخلل الموجود في النظام الجديد.
أوضح الناقد أحمد هاشم أن كتاب «زمن الدراما» ينقسم إلى عدة فصول تضم الدراما المسرحية والإذاعية والدراما السينمائية والتلفزيونية، مشيرا إلى أن الكاتب يحاول من هذا التقسيم أن يؤصل من وجهة نظره للنقد التلفزيوني، الذي لم يكتب فيه أحد منذ بداية الثمانينات. استدرك هاشم: ولا أقصد الكتابات الصحفية ولكن الكتابات النقدية الرصينة كمحاولات الدكتور عبد القادر القط. أضاف: القط لم يستكمل المشروع بسبب وفاته بينما استكمله الدكتور حسن عطية، الذي أصدر كتابه «الدراما التلفزيونية» كما خصص قسما له في هذا الكتاب أيضا، كما قدم تأصيلا لنقد وتحليل الأعمال الدرامية الإذاعية. 
وفي مداخلته أوضح مؤلف الكتاب الدكتور حسن عطية أن الكتاب يقدم نفسه ولا يستطيع الكاتب أن يقدم كتابه للجماهير لتعدد وجهات النظر، مؤكدا: لست متحيزا للدراما عندما أقول إننا نعيش زمن الدراما، ولكننى أقر واقعا أصبح سائدا لدينا، فهناك الملايين من المجتمع المصري يجلسون أمام التلفزيون يشاهدون مسلسلات درامية, التي أصبحت هي النموذج الفاعل بالنسبة للجماهير والمسرح والسينما، ومعقبا على الكاتب والناقد أحمد هاشم قال عطية: الكتاب ليس ردا على كتاب الدكتور جابر عصفور «زمن الرواية «، وكما ذكرت في مقدمة الكتاب، فهو مناقشة لفكرة طرحها الدكتور جابر منذ ربع قرن، قرأته بحكم إيماني بأن الناقد رغم تخصصه في المسرح أو السينما لا بد أن يكون ملما وواعيا بكل الكتابات الشعرية والروائية والسردية والمسرحية والتلفزيونية.. الخ. 
وقد تعلمت فى بداية حياتى وأنا أعمل صحفيا في جريدة العمال ثم جريدة المساء ومن خلال دراستي فى كلية الإعلام، أن الجمهور له الأهمية الكبرى في العملية الإبداعية، نحن لا نبدع بغير الجمهور، كذلك أنا لا أكتب للمتخصصين، فأنا أقوم بتدريس داخل الأكاديمية ولكن خارج العمل أنا أكتب للجمهور العام الذي يعشق الإبداع ويتابعه، وعندما كتب الدكتور جابر عصفور منذ عامين مقالا في جريدة دبى عن الرواية والدراما التلفزيونية كان يجب أن تكون هناك وقفة، فأنا أخالفه فيما ذهب إليه. نحن نعيش زمن الرواية والدراما والحوار بين البشر، الحوار الصاعد المتطور الموجود في المسرح والدراما التلفزيونية والدراما الإذاعية، وهو ما يلعب دورا مهما فيما يمكن تسميته بالمجتمع الديمقراطي، الرواية صوت الفرد المبدع الذي يقدم وجهة نظرة مهما تعددت بنياته السردية. 
أوضح الدكتور حسن عطية أن الدراما حدث يحدث الآن وليس في الماضي وبالتالي عندما تقوم الدراما باللجوء إلى التاريخ أو السيرة الشخصية أو الذاتية فهي تحضر هذه الحكاية للزمن الحاضر وتمنحها حضورها، فعندما تقدم مسرحية أو مسلسل إذاعي عن شخصية ما، على سبيل المثال شخصية طلعت حرب، يتم استدعاء الشخصية الآن وليس سرد ما حدث لطلعت حرب وهذا يعد من أسرار العمل الدرامي. 
 


رنا رأفت - شيماء رضا