في ندوة عرض «الساعة الأخيرة» باسم صادق: من أهم العروض التي تابعتها

في ندوة عرض «الساعة الأخيرة» باسم صادق: من أهم العروض التي تابعتها

العدد 560 صدر بتاريخ 21مايو2018

أقام المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، الأسبوع الماضي، على مسرح الغد، ندوة عن عرض “الساعة الأخيرة” تأليف عيسى جمال الدين وإخراج ناصر عبد المنعم، بطولة شريف صبحي، وسامية عاطف، ونورهان أبو سريع، ومحمد حسيب، ومحمد دياب، ومعتز السويفى، ونائل علي، ومحمود الزيات، ديكور محمد هاشم، إعداد موسيقى أحمد حامد، مادة فيلمية حازم مصطفى، مخرج مساعد دينا محمود وعمر الشحات، مخرج منفذ داليا حافظ.
تحدث في الندوة الناقد ورئيس تحرير جريدة “مسرحنا” محمد الروبي والناقد بجريدة الأهرام باسم صادق، وأدارها الباحث المسرحي علي داود الذي نوه في البداية إلى أن النص «الساعة الأخيرة» هو الفائز في مسابقة ساويرس الثقافية، موضحا أنه النص الثاني الذي يخرجه ناصر عبد المنعم لفائز في إحدى المسابقات، وكان النص الأول للكاتب شاذلي فرح ونصه «ليل الجنوب»، وهو ما يعكس مدى أهمية المسابقات الخاصة بالتأليف المسرحي، بالإضافة لوعي المخرج ناصر عبد المنعم بأهمية الاستفادة من تلك النصوص.
الناقد باسم صادق قال إنه محظوظ ومدين للمخرج ناصر عبد المنعم بشكر كبير “فقد تربينا على عروضه منذ عرض الناس والنهر وغيره”، مشيرا إلى أنه يتميز باهتمامه بتقديم ما هو إنساني في عروضه. أضاف: هذا العرض «الساعة الأخيرة» وعرض «سيد الوقت» يمثلان نقطة تحول في مسيرته، فهو يحاول قراءة التاريخ بشكل مختلف تماما، محاولا مناقشة «التابوهات» التي تربينا عليها على مدار سنوات تعليمنا وسواء اتفقنا أو اختلفنا معه، فإننا نخرج من عروضه نفكر في التاريخ بشكل مختلف، وهل كنا نرى ما حولنا بشكل صحيح أم لا؟ وهل نحتاج إلى رؤيته من زاوية أخرى؟ وهي نقطة هامة أحيي عليها المخرج ناصر عبد المنعم كما أحييه لأنه منذ تقديمه عرض «ليل الجنوب» يقدم نماذج لمسرحيات مصرية خالصة بعيدا عن المسرح الكلاسيكي وهي نقطة هامة طالما نادينا بها. كذلك وجه صادق التحية لسامح مجاهد مدير الغد، مشيرا إلى أنه مدير ومنتج واعٍ يختار العروض التي تخدم توجه مسرحه.
تابع: على خشبة هذا المسرح رأيت عروضا كثيرة مهمة، أما عن «الساعة الأخيرة» فهو من أهم العروض التي تابعتها في الفترة الأخيرة حيث يكشف زيف المجتمع الأمريكي، وصراع الكولونيل الذي عاشه مع نفسه وهو الصراع الكلاسيكي الذي يجعلنا نتعاطف معه في لحظة من اللحظات، صراع بين ما اقترفه من جرائم باسم بالواجب وبين عاطفته، ورغم ذلك لا نستطيع أن نتعاطف معه إلى النهاية، حيث يشعر أنه إذا رجع به الزمن فسيوافق على هذه المهمة، وسيقترف هذه الجرائم لأنه يرى نفسه بطلا. ووجه صادق التحية للفنان شريف صبحي، مشيرا إلى أنه أدى دوره ببراعة شديدة، بالإضافة إلى احتفاظه بإحساسه بالشخصية طوال الوقت، وكذلك حيا الممثلة سامية عاطف في مشهد الفتاة الكفيفة، مشيرا إلى أنه مشهد إنساني وشديد العزوبة.
أشار باسم صادق إلى أن الجزء الأول من العرض به إسهاب في تقديم القصة وكان يحتاج إلى تكثيف والتركيز على المشاعر وحالة الصراع التي عاشها الطيار، كما أشار إلى أن المقطوعة الموسيقية في خلفية مشهد الفتاة الكفيفة عندما علمت بحقيقة الطيار، كانت حالمة وغير متماشية مع الصدمة التي تعرضت لها، وختم صادق حديثه بالتأكيد على أن العرض يعد من أهم العروض التي شاهدها مؤخرا.
وقد اتفق الناقد محمد الروبي مع الناقد باسم صادق حول أهمية العرض وجدارته بالمشاهدة، مؤكدا أن العرض جاء في وقته تماما، وربما كان توقيته مقصودا، خاصة ونحن على أعتاب حرب عالمية ثالثة، البطل السلبي بها هو أمريكا أيضا. ووجه الروبي التحية لفريق العمل، مشيدا بمؤلفه عيسى جمال الدين وقد وصفه بأنه المؤلف القادم بقوة «وهو ما يجعلنا نشعر بالطمأنينة على مستقبل المسرح المصري»، مؤكدا أن الجائزة التي حصل عليها نالها عن استحقاق.
كذلك وجه التحية للمخرج ناصر عبد المنعم، ووصفه بأنه «صياد لآلئ» ومغامر بوعي على مستوى النصوص التي يختار تقديمها كما على مستوى الممثلين، مشيرا إلى أنهم يكونون مختلفين ومتميزين في عروضه، مرجعا ذلك إلى أن ناصر عبد المنعم على وعي شديد بأن المسرح في الأساس هو الممثل.
وقال الروبي: «أشفقت على المخرج ناصر عبد المنعم لأن الكلمة في هذا العرض هامة للغاية، وبالتالي يجب التعامل معها إخراجيا بشكل يحترم الكلمة، قادر على التخفيف بقدر الإمكان من المحسنات البديعية الإخراجية. مؤكدا أن عبد المنعم وضع يده على هذا الأمر جيدا وكان مهموما بأن تصل الكلمة بكل كثافتها وجمالها وإحساسها ورسالتها، واستطاع بوعي مخرج خبير أن يتخلى عن أشياء من الممكن أن تقدم إبهارا، ولكن أدرك أنها من الممكن في المقابل أن تضيع الرسالة الرئيسية، خاصة في ظل صعوبة النص لأنه يتعامل مع حقبة تاريخية ذات ملامح خاصة للغاية، بالإضافة إلى أنه يتعامل مع أزمنة مختلفة.
أضاف الروبي: بذل مهندس الديكور محمد هاشم بالتعاون مع المخرج ناصر عبد المنعم قصارى جهدهما للوصول لحل لإبراز الأزمنة الثلاثة بدون أي مشكلات، وكأن هذا الذي نراه خلال ساعة أو أكثر يدور في عقل بطل العرض، فقد قسم محمد هاشم والمخرج ناصر عبد المنعم ساحة التمثيل إلى ثلاث مناطق، منطقة يبدأ بها لأول مرة وهي خلفية هلامية رقيقة للغاية، شاشة توضح لنا هذا الشخص وكأنه «مغبش» ولكن هذه الشاشة لها وظيفة رئيسية يبدأ بها العرض وتعد مفتاح الدخول لهذا العالم، فعقب الفيلم الذي يعرض مباشرة نجد بطل العرض خلف الشاشة حتى يبقى هناك حاجز يسمح للمشاهد بأن يتأمله عبر حاجز بحيث لا يتعاطف معه ولا يدينه بشكل كامل. أما الشاشة الثانية، فتخص ما يتذكره هذا الشخص، فنحن هنا لدينا ثلاثة أزمنة: زمن آني وهو خاص بالعجوز الكهل الذي يحتفل بعيد ميلاده، وزمن آخر داخل عقله يعود به في لحظات يدعي بها استيقاظ ضميره، (وسوف أقول لماذا ذكرت كلمة «يدعي»؟)، والزمن الثالث هو زمننا الحالي زمن الذين يشاهدون الآن. أشار الروبي إلى أن الثلاثة أزمنة توجد صعوبة، وأن المخرج ناصر عبد المنعم استطاع حلها بمنتهى البساطة.
أشار الروبي أيضا إلى جزئية اعتبرها مهمة ولها أيضا علاقة بالكتابة، وبالتالي الإخراج والتمثيل، وهي أن البطل من نوع الأبطال السلبيين الذين من الممكن التعاطف معهم في اللحظات الأخيرة، وضرب الروبي مثلا بلحظة الحكم بالإعدام على سارق أو قاتل، لافتا إلى أنه في هذه اللحظة لا تستطيع أن تمنع نفسك من التعاطف معه. وعن وصفه للبطل بأنه مدعٍ أوضح أنه «تشارلي» يزعم طوال الوقت لمن حوله بأنه لم يكن يعلم حقيقة المهمة أو العملية التي قام بها، ولكن حواره مع رجال المخابرات يكشف أنه بالتأكيد كان على علم بأنها مهمة من نوع خاص، بل يعترف قرب نهاية العرض أنه إذا عاد به الزمن وطلب منه إلقاء قنبلة على نجازاكي كان سيفعلها، وهو ما يجعلنا نلتفت إلى شيء هام في تفسير المخرج ناصر عبد المنعم للشخصية والأحداث، فقد كان من السهل عليه أن يقسم شخصية توماس أو بطل العرض إلى ثلاث شخصيات: هذا الرجل الذي نراه وهو كهل، والشخصية الثانية في طفولته، والشخصية الثالثة في مرحلة الوسط، ولم يفعل ذلك المخرج حتى يجعل الأحداث التي يرويها البطل نابعة من بنات أفكاره.
وختم الروبي مداخلته بالقول إننا كسبنا كاتبا مسرحيا هاما، كما كسبنا عملا مسرحيا يحقق تماسا مع واقعه ولا يعتمد على الشعارات، عبر نص مكتوب برؤية إخراجية محكمة، بالإضافة إلى ممثلين متميزين. كما أشاد بدور الفنان معتز السويفي الذي قدم شخصية “سام” التي رآها تعبر عن المواطن الأمريكي الأصيل، وقد قام بأدائها بمنتهى البساطة.
  المخرج ناصر عبد المنعم وجه الشكر للمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية برئاسة المخرج محمد الخولي ولكل من الناقدين باسم صادق ومحمد الروبي، وإلى مدير مسرح الغد سامح مجاهد على حماسه الشديد للعرض، وأشار إلى أن الغد قدم في السنوات الأخيرة مجموعة من العروض المتميزة التي ساهمت في إحداث جدل فني والحضور بقوة في الساحة المسرحية.
وتحدث عن المخرج عن المسابقات الخاصة بالتأليف، مشيرا إلى أنها تلعب دورا هاما في الكشف عن المؤلفين والنصوص المسرحية، حيث تخضع لعملية فرز ونقاشات ولجان، وبالتالي توفر الكثير من عناء البحث. أضاف: وقد سبق وقدمت عرض «ليل الجنوب» للكاتب شاذلي فرح، وكان ضمن مسابقة ينظمها المركز القومي للمسرح، وهي مسابقة توفيق الحكيم للتأليف، التي توقفت وهناك ضرورة لعودتها.
وأما نص «الساعة الأخيرة»، فقد كنت أحد أعضاء لجنة تحكيم مسابقة ساويرس الثقافية العام الماضي، وكان لدينا أكثر من 130 نصا وكان هناك إجماع من الأعضاء الخمسة على «الساعة الأخيرة» ونصان آخران.
وأكد ناصر عبد المنعم على ضرورة مساندة ودعم الفنانين الشباب الذين لا يعلمون كيف يبدأون وهي إشكالية عاشها الكثير من الفنانين في بدايتهم، وكذلك على ضرورة عمل برتوكولات تعاون مع الجهات التي تنظم المسابقات مثل المجلس الأعلى للثقافة والمركز القومي للمسرح ومؤسسة ساويرس والاستعانة بمجهود اللجان في الكشف عن النصوص المتميزة وتقديمها وتقديم مؤلفين جدد.
عبد المنعم أكد أن العرض من العروض الصعبة الذي يضم مستويات مختلفة من الأزمنة، ويقوم على السرد، ما يصعب تحويله إلى صورة، مشيرا إلى أن ما جذبه للنص أنه إنساني أكثر من كونه سياسيا، وفكرته القائمة على الصراع الكلاسيكي ما بين الإنسانية والواجب، وهو الصراع الذي يصنع دراما قوية.
وأشار عبد المنعم إلى الصراع الذي يحدث داخل الشخصية الرئيسية “توماس” وفكرة الواجب داخل دولة حربية ضخمة وبراجماتية قائمة على النفعية، هذه الفلسفة التي صاحبت صعود الرأسمالية وتوحشها، فالبطل توماس من زاوية يؤدي واجبه الذي أدى إلى كارثة بشرية مروعة، وفتح باب الصراع داخل الشخصية، واتفق عبد المنعم مع ما قاله الناقد محمد الروبي حول لعبة الزمن، قائلا: لدينا مستويان هما هنا والآن، وبنزول الستارة الأولى نصبح داخل ما يشبه الشرنقة بدايتها أن تكون وحيدا منفردا سجين أفكارك. وفي ما يتعلق بشخصية “سام”، قال: هو في حقيقة الأمر تاجر لحوم كان يورد اللحوم للجيش الأمريكي في الحرب العالمية الثانية، فكانت صناديق اللحوم تذهب للجيش الأمريكي وبها علامة «Us» التي تعني “أونكل سام”، وقد أصبحت شعارا للدولة، وبالتالي حصلت شخصية “سام” على الرمزية الكبيرة للمواطن الأمريكي “العم سام”.
أشار أيضا إلى أن استخدم الستائر التي يسقط الضوء عليها (بلغة السينما تسمى “فلو”) حتى يعرف ما يدور في عقل البطل، في ظل صورة مضببة، وهو ما يعني عدم وجود حقائق، فكلها غائمة في مستويات مختلفة. وجه المخرج الشكر لفريق العمل والممثلين ومهندس الديكور محمد هاشم والإعداد الموسيقي أحمد حامد، وأشاد بعنصر التمثيل في العرض الذي عده شديد التميز، موضحا أن عمله مع الممثل قائم على فكرة تفجير طاقته الإبداعية وأن يخلصه من «الأكليشيهات» حتى يستطيع الوصول للمتلقي ببساطة وصدق.
وفي ختام الندوة، وجه سامح مجاهد مدير مسرح الغد الشكر للحضور ولمدير المركز القومي المخرج محمد الخولي، موضحا أن أي مدير مسرح سيكون سعيدا بأن يقدم مخرجا في حجم وتميز ناصر عبد المنعم الذي يعد من المخرجين الصادقين فيما يقدمونه. كما وجه الشكر للمؤلف عيسى جمال الدين وإدارة مسرح الغد وفريق العمل.

 


رنا رأفت