المسرح المدرسي.. بين مطرقة الفقر وسندان الإهمال

المسرح المدرسي.. بين مطرقة الفقر وسندان الإهمال

العدد 560 صدر بتاريخ 21مايو2018

المسرح المدرسي هو النواة الأولى التي تطرح فناني مسرح حقيقيين، لكن هل هناك مسرح حقيقي في مدارس مصر بمراحلها المختلفة؟ أم أصبح النشاط المسرحي في المدارس مجرد حصص فارغة لهروب الطلاب من الحصص العلمية؟ وما هي المشكلات التي تواجه صناع المسرح المدرسي والطلاب الموهوبين في المدارس؟ وكيف يمكن التغلب عليها بخطوات مدروسة وفعالة لنصل إلى الهدف المرجو من المسرح المدرسي؟

بداية أعرب الطالب محمود هليل من مدرسة أبو بكر الصديق الرسمية بإدارة القاهرة الجديدة التعليمية عن استيائه من عدم اهتمام المدارس الحكومية بالمسرح المدرسي، على عكس المدارس الخاصة التي تهتم بالنشاط المسرحي اهتماما بالغا، من حيث الإمكانيات الإنتاجية والأخصائيين ذوي الخبرة، مما جعله ينضم لفرق مسرح أخرى تهتم بالمسرح أكثر من النشاط المسرحي بالمدرسة، ليتمكن من ممارسة موهبته وتطويرها.
واضافت الطالبة منية محمود سعد من مدرسة صلاح الدين الرسمية للغات أنها تواجه مشكلات في عدم وجود أخصائيي مسرح معدين للتعامل مع الطلاب تربويا وفنيا. وأن هناك فقرا في الإنتاج مما لا يتيح لهم الحرية في اختيار نصوص متنوعة وعرضها بصورة جيدة، وتأمل في المرحلة القادمة في تعيين أخصائيين جدد مؤهلين لتوعية الطلاب بأهمية النشاط المسرحي وجذبهم له، حتى لا تظل حصة المسرح مجرد حصة فارغة للهروب من الحصص العلمية.
وعند سؤال محمد الجندي أخصائي التربية المسرحية بمدرسة منارة القاهرة بإدارة شرق مدينة نصر اجاب بأنه يواجه مشكلات في حصوله على ميزانية كافية لإنتاج العروض التي يقدمها، كما أنه يواجه عدم اهتمام من قيادات المدارس بالمسرح والنشاط المسرحي، على الرغم من وجود حصص مخصصة للمسرح، فهم ينظرون إلى حصص النشاط على أنها حصص فارغة لترفيه الطلاب فقط.
أما سها سامي أخصائية المسرح بمدرسة صلاح الدين الرسمية، فقالت إنها تواجه مشكلة في المدة الزمنية المخصصة للبروفات أو حصص المسرح، فهي غير كافية لتدريب الطالب كما ينبغي لاكتساب مهارات التمثيل، مما يؤدي إلى عدم وصول الطالب إلى المستوى اللازم لتقديم عرض مسرحي جيد، مضيفة: وهناك بعض الإدارات في المدارس لا تتعاون مع النشاط المسرحي، بل تهمشه وتشعر الطالب بعدم أهميته، مما يدعو بعض الطلاب الموهوبين للبعد عن النشاط المسرحي خوفا من الفشل دراسيا.
بينما قالت كارمن حسين موجه التربية المسرحية بإدارة القاهرة الجديدة التعليمية أن المشكلة تكمن في المكان المخصص للنشاط المسرحي، سواء خشبة المسرح أو قاعات البروفات، فهناك الكثير من المدارس تستخدم الأماكن المخصصة للمسرح كمخزن للكتب أو غرف للمدرسين إلى آخره، وحتى إن وجدت فلا تكون مجهزة لإقامة عرض مسرحي، لذلك نجد صعوبة في تحقيق العناصر الأساسية للعرض المسرحي من ديكور وصوت وحتى الأماكن المخصصة للجمهور، ويترتب على ذلك فقد عنصر الإبهار والإمتاع وبالتالي أنت هكذا لن تقدم مسرحا.
وترى وفاء ربيع يوسف موجه أول التربية المسرحية بإدارة القاهرة الجديدة التعليمية، أن من المشكلات الأساسية التي تواجه المسرح المدرسي بشكل عام هو تخطيط الزمن، فحصة النشاط في المدارس مهملة سواء في ميعادها أو في استغلالها بشكل صحيح، فالكثير من المدارس تقوم بتقسيم الطلاب على الأنشطة المختلفة بناء على الكشوف الأبجدية وليس على حسب رغبة الطالب في اختيار النشاط الذي يحبه أو يريد أن يتعلمه، فنجد من هم يحبون المسرح ويميلون إليه موزعين على باقي الأنشطة مثل الموسيقى والرسم والزراعة والرياضة وغيرها، وبالطبع العكس صحيح، ولا شك أن هذا التقسيم غير عادل، ويجب مراعاة ميول الطالب قبل تقسيمه بين الأنشطة لنرى جيلا من المبدعين الحقيقيين، كلا في مجاله.
وكان رأي هشام حسني موجه أول التربية المسرحية بمديرية التربية والتعليم بالقاهرة، أن مشكلة المسرح المدرسي تكمن في عدم وجود كوادر حقيقية كما كان في الأجيال السابقة من مخرجين حقيقيين لهم تجارب سابقة في عالم الفن والمسرح ليقوموا بالعملية المسرحية في المدارس بشكل جيد، لإبهار الطالب أولا وجذبة للنشاط ثم إقامة عروض مسرحية حقيقية، كما أن الميزانيات التي تصرف لعروض المسرح المدرسي لا تكاد تصل إلى مستوى المسرح الفقير، ويترتب على ذلك تكرار النصوص المسرحية التي تقدم، والتي لا يخرج عنها أخصائيو المسرح المدرسي لأنها لا تحتاج إلى ميزانيات كبيرة، مما يصيب القائمين على المسرح المدرسي من طلبة وأخصائيين ولجان تحكيم بحالة من الملل، ولا يوجد من يبتكر ويختلف، وحتى إن وجد من يحاول فلا يجد من يساعده على ذلك، ولا يلي أي دعم أو تحفيز، وأضاف أنه يجب عمل اختبارات قبول في كليات التربية النوعية وكليات الآداب قسم مسرح لانتقاء الطلاب ذوي الاستعداد للتعامل مع المسرح والطلاب، ثم إعدادهم وتأهيلهم على التدريس والتدريب، فليس كل من يدرس المسرح نظريا قادرا على التدريب والقيادة والتعامل مع الطفل، فالمشكلة ليست فردية، المشكلة في المنظومة بأكملها، والكل يخشى التغيير.
بينما أوضح جمال طاهر موجه عام التربية المسرحية بالقاهرة أن مشكلة المسرح المدرسي في مصر منقسمة إلى شقين، الأول هو قلة عدد الأخصائيين المسرحيين في المدارس، فهناك 230 أخصائيا في القاهرة على 4900 مدرسة، وهذا العدد الضئيل جدا من الأخصائيين شامل الموجهين والموجهين الأوائل، ولم يتم تعيين أخصائيين جدد رغم إرسال تقارير العجز إلى وزارة التربية والتعليم شهريا وسنويا، وحسب هذه التقارير يزداد العجز سنويا مع إنشاء المدارس الجديدة وخروج الأخصائيين القدامى للمعاش، ونظرا للالتزام بالموازنة لا يتم التعيين، وهذا بالطبع يؤثر بالسلب على الحركة المسرحية في المدارس، وأضاف أن أكبر عجز في مديريات التربية والتعليم في مصر، هو العجز في أخصائيي المسرح، فهناك أكثر من 99% من المدارس في مصر لا يوجد بها أخصائيو مسرح، وبالتالي لا يوجد مسرح.
وعند سؤال أشرف أبو جليل مدير عام الثقافة العامة بهيئة قصور الثقافة، أجاب بشكل أكثر تخصصا، فقال: يأتي أولا العجز التام في العنصر البشري فعدد الأخصائيين المنوط بهم إقامة نشاط مسرحي بالمدارس لا يزيد على 7 في المائة من عدد المدارس مما يعني أخصائيا لكل 15 مدرسة، ويأتي ثانيا العجز التام في الميزانيات المخصصة للمسرح المدرسي، فبموجب القرار الوزاري (قرار مقابل الخدمات التعليمية) الخاص بالرسوم والمصروفات الدراسية (التي يدفعها ولي الأمر) حدد القرار الوزاري أن يخصص مبلغا للنشاط الفني من مصروفات كل طالب مسدد للمصروفات هذا المبلغ هو 1 جنيه لطلاب الابتدائي ورياض الأطفال وجنيه ونصف للطالب في المرحلة الإعدادية وجنيهان للمرحلة الثانوية تخصم منها 15% للوزارة والمديرية والإدارة ويتبقى 85% منها للنشاط الفني بوجه عام مقسمة على أربعة أنشطة هي المسرح والصحافة والتربية الفنية والموسيقى، فيكون نصاب المسرح 21% من قيمة ما يسدده ولي الأمر من حصة النشاط الفني وإذا علمنا أن عدد المسددين للمصروفات في المدارس الحكومية لا يتجاوز 60% من الطلاب في اي مدرسة، فإن نسبة التحصيل تتدنى إلى مبلغ هزيل لا يفي بالغرض فمثلا مدرسة ابتدائية بها 1000 طالب تكون خصيلة المسرح قرابة 125 جنيها، فماذا يفعل هذا المبلغ إذا عرفنا أن إيجار طاقم الملابس لممثل واحد لمرة واحدة 50 جنيها، وكذلك بقية مفردات العرض من الموسيقى أو الديكور أو الانتقالات أو الملابس، وثالثا العجز التام في أماكن ممارسة النشاط، حيث تخلو 90 في المائة من مدارسنا من أي مكان لممارسة نشاط المسرح أيا كان مستوى تجهيزها، رابعا عدم وجود زمن فعلي لممارسة النشاط وعلى طريقتنا في حل أي مشكلة بشكل فوقي يتولد منها عشرات المشكلات عالجت الوزارة ذلك بأن اعتمدت قرارا وزاريا فخصصت لكل فصل فترتا نشاط أسبوعيا لجميع الأنشطة في توقيت واحد بما يوازي 4 حصص على أن تسير بنظام ضم الفصول والتشعيب لكل نشاط دون دراسة للعجز الشديد في الأخصائيين ولا في الأماكن التي تتسع للأعداد الكبيرة وتأتي مشكلة غياب العنصر التحفيزي داخل المؤسسة التعليمية فلا وجود لدرجات التميز المسرحي أسوة بدرجات التميز الرياضي وكذلك ضعف الجوائز المادية وندرة التكريم المعنوي؛ مما أثر بالسلب على مشاركة الطلاب أو رغبة أولياء أمورهم في المشاركة وكذلك لا توجد محفزات حقيقية للمشرفين على المسرح المدرسي إذ لا تتعدى المكافأة للأخصائي عن عمله المسرحي الذي يقضي فيه من شهر إلى ثلاثة أشهر أكثر من 100 جنيه كأقصى تقدير وتختم بمشكلة اعتماد فلسفة عامة في التعليم تتجه إلى تعظيم الاجتهاد في حفظ الدروس على حساب الإبداع فتقوم فلسفة التعليم في مصر – رغم كل ما يقال عكس ذلك – على سباق معلوماتي تلقيني لتحقيق مجموع كبير يؤهل الطالب لدخول كلية من كليات القمة وفي المقابل عدم إعطاء أية ميزة للطالب المتميز في النشاط المسرحي مهما كان إبداعه عظيما أو متفردا، واقترح أشرف أبو جليل وضع ميزانية للمسرح المدرسي ضمن موازنة وزارة التربية والتعليم مع زيادة نسبة المسرح إلى خمسة جنيهات لكل طالب ضمن مصروفاته المدرسية، ثانيا التعاون مع بعض الهيئات الأخرى كقصور الثقافة ومراكز الشباب في توفير مكان التدريب وقد توفر مشرف للتدريب والتشارك في إنتاج وتقديم العرض المسرحي ممثلا للجهتين المتشاركتين، ثالثا إيجاد حلول غير تقليدية في التمويل المالي كاعتماد فكرة الراعي الرسمي سواء من الأفراد أو الهيئات لرعاية العرض المسرحي من بدايته إلى نهايته، رابعا عمل منتخب مسرحي من مدارس متجاورة فيتيح ذلك مضاعفة الميزانية عدة مرات – حسب عدد المدارس - بما يسمح بإنتاج عرض مسرحي وتحل مشكلة الأخصائي بتكليف مخرج من خارج المؤسسة التعليمية من هواة المسرح بمكافأة رمزية من المبلغ المتحصل، خامسا تسويق العرض المسرحي للجمهور بتذاكر مدفوعة يصرف منها على إنتاجه، وتوفير خامات للمسرح من الديكور والملابس من بنود أخرى داخل المؤسسة التعليمية مثل بند الخامات والصرف على الإخراج من بند المسابقات والمكافآت, مع التعاون بين الأنشطة المختلفة لعمل العرض المسرحي من أبناء المدرسة، فيقوم مشرف الموسيقى بعمل موسيقى العرض من ميزانيته وبقوم مشرف التربية الرياضية بعمل الاستعراضات ويقوم مشرف المجالات بعمل الديكور الخشبي أو القماش ويقوم مشرف التربية الفنية برسم الديكور ويقوم مشرف الصحافة والإعلام التربوي بالترويج له إعلاميا، ثامنا لسد العجز في العنصر البشري يمكن الإكثار من مسرحة المناهج بحيث يتم إشراك أكبر قدر من معلمي المواد الدراسية مثل التاريخ واللغة العربية والجغرافيا والعلوم في نشاط المسرح المدرسي كنشاط لموادهم الدراسية نفسها، تاسعا عمل دورات تدريبية لصقل مواهب المعلمين الراغبين في ممارسة الأنشطة المسرحية بمدارسهم والاعتماد عليهم في النشاط، وعمل مهرجان مسرحي كبير برعاية أحد نجوم المسرح الكبار فيتيح ذلك وجود الراعي الرسمي الذي سيهرول للرعاية طمعا في الشهرة، ويتيح ذلك أيضا حافزا معنويا للمدارس وللطلاب ولأولياء أمورهم للمشاركة في المهرجان لتعرض الأعمال أمام النجم الكبير وتتسابق المدارس في تقديم الدعم اللازم للعرض المسرحي طمعا في الظهور أمام رؤسائهم أو أمام المدارس الأخرى وستوافق المسارح العامة المملوكة للدولة لاستضافة المهرجان وسيهرول الإعلام لتغطية الحدث.
وأخيرا، قال الفنان هاني كمال مدير عام الأنشطة الثقافية والفنية بوزارة التربية والتعليم: تكمن خطورة المسرح في أنه أبو الفنون، ولا يصح تعيين أي فرد للقيام بهذه المهمة الصعبة إلا وهي تدريب وتعليم المسرح للنشء، فأنت يمكنك أن تشاهد كل أنواع الفنون على خشبة المسرح من تمثيل وموسيقى واستعراضات وملابس وديكور وفن البانتومايم والخطابة والإلقاء وغيرها من الفنون الإبداعية، لذلك يجب توخي الحذر فيمن نوكل إليهم هذا الأمر، فأنت إذا أوكلت الأمر لغير متخصص فستجد عدم وعي بما يقدمه، بداية من اختيار النص المسرحي المناسب للمرحلة العمرية التي ستتعامل معه، فقد تجد على سبيل المثال أحد القائمين على المسرح في إحدى المدارس يقدم مسرحية هاملت لوليم شكسبير للمرحلة الابتدائية، فعلى أي أساس قام باختيار هذا النص لهذه المرحلة. نحن نتكلم عن مسرح مدرسي وليس مسرح خاص أو مسرح احترافي، ويجب أن يعي الأخصائي ما يحتاجه الطفل في هذه المرحلة العمرية ليقوم بالاختيار على أساسه، إنه مسرح تربوي، فلا بد أن يتوافر في النص المسرحي المعايير التربوية والأخلاقية لتشكيل وجدان الطالب وتربية جيل من المتذوقين والمبدعين، وليس بالضرورة أن يكون كل من يشارك بالمسرح المدرسي فنانين موهوبين، ولكن لا بد أن يكونوا متذوقين للفن ومقدرين للإبداع والمبدعين، حتى لا نرى جيلا لا يمتلك من المرونة ما يتقبل به الرأي والرأي الآخر، فنحن نرى الآن بعض الشباب تم إدخال بعض الأفكار الغريبة والمتطرفة في عقولهم، والمسرح الحقيقي قادر على تغيير هذه المفاهيم، وعلى توصيل الطالب إلى درجة كبيرة من الرقي بالأخلاق وتقبل الرأي الآخر.. لذا يمكن أن أقول إن حل مشكلة المسرح المدرسي في مصر قائم على محورين أساسيين، اختيار المتخصص القادر على خلق جيل من المبدعين الحقيقيين وزرع في نفوس الطلاب القيم والأخلاق الراقية التي هي أساس المسرح وتخصيص الموارد المالية اللازمة الكافية لإقامة عرض مسرحي، ولا أقصد بهذا مبالغ ضخمة، فنحن لن ننتج مسرحا احترافيا، ولكن على الأقل توفير الحد الأدنى لكي نرى عرضا مسرحيا، فنحن نرى أولادنا يقومون بأعمال جيدة جدا ولكنها فقيرة جدا. كما أن قلة هذه الموارد أدت إلى أن العامل التحفيزي من جوائز ودروع وكؤوس للمتميزين ظل ينحدر ويقل حتى اختفى تماما، فلا يوجد الآن الحافز الذي يشجع الطالب على تقديم إبداعاته داخل النشاط المدرسي. إذن، لا بد من عودة هذا الحافز مرة أخرى، ويا حبذا لو تم إضافة درجات كنوع من أنواع التحفيز للطلبة المتميزين كما هو الأمر في النشاط الرياضي مثلا. وأضاف هاني أنه يقوم بإخراج عروض مسرحية للطلاب الموهوبين والمتميزين في المدارس بشكل دوري في المناسبات والأعياد الدينية والقومية، منذ أكثر من خمسة عشر عاما، لأنه لا بد أن يشارك الطالب في هذه المناسبات لترسيخ روح الانتماء لدينه ووطنه ومجتمعه، ولاكتشاف الموهوبين الحقيقيين من طلاب المدارس وتقديمهم بشكل جيد.


محمود سليمان