يوسف إسماعيل: أتمنى أن يصبح المسرح القومي وحدة إنتاجية مستقلة

يوسف إسماعيل: أتمنى أن يصبح المسرح القومي وحدة إنتاجية مستقلة

العدد 553 صدر بتاريخ 2أبريل2018


أهم محطة في حياتي هي الانتقال من مرحلة الهواية إلى الاحتراف
لم يكن مجرد حوار صحفي مع فنان، بل كان جلسة ودية بين أصدقاء قدامى، هذا ما شعرت به وأنا أجلس أمام الفنان يوسف إسماعيل لإجراء هذا الحوار، لأتأكد بنفسي ما يتردد عن حُسن استقباله وذوقه العالي في التعامل مع الناس. فلم أجد وصفا له أفضل من (فنان) فهو فنان حقيقي بما تعنيه الكلمة.
 

• بعد مرور ثلاث سنوات على إدارتك للمسرح القومي.. لو أنك تقدم كشف حساب ماذا تقول؟
حاولنا بقدر المستطاع وبقدر ظروف المسرح وظروف الإنتاح، أن نُقدم عروضا فنية لائقة بالجمهور المصري ولائقة بالمسرح القومي، وأعتقد أننا وفقنا إلى حد ما على حسب تقديري أن نقدم عروضا فعلا تليق بجمهور المسرح القومي. هناك أشياء تمنيت تحقيقها لكنها لم تحقق بعد، منها: الموقع الإلكتروني الخاص بالمسرح القومي على الإنترنت، وأن يكون خاصا فقط بالمسرح القومي دون أية شراكة، هذا الموقع سيتيح الفرصة لرفع أرشيف المسرح على النت ليكون متاحا للعالم كله أن يشاهده، ومن الممكن أن يكون جزء منه مجانيا وجزء يدر عائدا للمسرح القومي، هذا الموقع سوف يحقق شيئا مهما جدا، وهو الحجز أونلاين، فبدلا من أن يأتي أحد من الإسكندرية مثلا أو من أي محافظة أخرى ليحجز تذاكر ولا يجد حجزا في هذا اليوم، نتيح له فرصة الحجز وهو في مكانه دون أية معاناة، خصوصا أن عروضنا والحمد لله تحقق نسبة مشاهدة عالية والحجز عندنا يكون لمدة طويلة، أتمنى أن نوفق في إنشاء هذا الموقع، كما أتمنى أيضا أن أوفق لو أتيح لي الوقت في الفترة القادمة أن انتهي من المتحف، هذا المتحف تم افتتاحه أيام دكتور جابر عصفور بمقتنيات خاصة بالمركز القومي للمسرح وليست للمسرح القومي، الآن بدأنا نضع فيه مقتنيات خاصة بالمسرح القومي، وهذا المتحف الآن في المراحل النهائية للتجهيز ينقصه فقط النظام الأمني الخاص بحفظ المقتنيات الموجودة لأنها نادرة جدا ومنها أشياء يرجع تاريخها لأكثر من مائة عام، فلدينا مثلا قطعة ديكور «كرسي» منذ عام 1903، أي مائة وخمسة عشر عاما، أتمنى أننا نوفق في الانتهاء منه، وأتمنى أن العروض التي لم يصبها الدور تخرج للعرض.
• ماذا أخذ منك هذا المنصب وماذا أعطاك؟
المنصب أعطاني أولا تكريما وشرفا، فالمسرح القومي شرف لأي فنان يتولى إدارته، فهو دائما يعطي للناس أكثر مما يأخذ منهم، فهو يتسم أيضا بخصوصية (اللي ييجي عليه لا يكسب) فالمدير الذي يعتقد أنه سيأخذ قطعة من المسرح القومي أو سيحقق مصلحة شخصية يكون مخطئا والناس التي تربت في المسرح من الصغر مثلنا يعرفون ذلك جيدا، فالمسرح القومي جاذب بشدة لكل من يعملون به، فلا يوجد مكان الناس تحضر فيه من التاسعة صباحا إلى الثانية صباحا غير المسرح القومي، نعم نفعل ذلك بحب دون ضغط أو فرض ذلك من أحد، هذا حب للمكان وللمسرح الذي يمنحنا خيره.
أما ماذا أخذ فقد أخذ بعض الوقت وهو يستحق مني ومن الآخرين وقتا أكثر من ذلك، فهو الذي قدمني للناس وللوسط الفني، فأفضاله علينا لا تعد.
• ما هو التحدي الذي تواجهه؟
مواكبة العصر، فالعالم كله أصبح يعمل بالديجيتال، ونحن ما زلنا نعمل بنفس القواعد والبيروقراطية القديمة المعوقة بشكل كبير للإنتاج المسرحي، آن الأوان أن تخفف هذه البيروقراطية، فلا يصح أن يستغرق الإجراء المالي أسبوعين أو ثلاثة أو أكثر.
كما أتمنى أن يصبح المسرح القومي وحدة إنتاجية مستقلة تابعة لمكتب وزير الثقافة مباشرة بميزانية مستقلة، هذا يعطي للمسرح الفرصة أن يعمل بحرية إنتاجية وليست حرية فكر، هذه الحرية تجعلني أعلم أن لدي مخصصا ماليا معينا سوف أنتج به مثلا خمسة عروض، في هذه الحالة أكون على بينة من الموقف المالي وأستطيع أن أتصرف في حدود هذا المخصص، مثل ربة المنزل التي تتصرف في حدود ما تمتلك، ما زلنا نعمل بارتجال وإن كان جزئيا.
• حضرتك وعدت بعروض الريبرتوار نفذت منها اثنين فقط «ليلة من ألف ليلة» و«المحاكمة» وتوقفت لماذا؟
الحقيقة، بدأنا نهتم بالنصوص المصرية لأن الريبرتوار أعمال عالمية، واتهمنا بأننا لا نهتم بالكتاب المصريين، فبدأنا نأخذ هذا الاتجاه وقدمنا «اضحك لما تموت» التي تعرض حاليا تأليف لينين الرملي، وقريبا إن شاء الله عرض «هولاكو» الذي طال الحديث عنه، وأتمنى أن يكون العرض القادم، بعد ترتيب المواعيد مع الفنان الكبير جلال الشرقاوي، هذا العرض ظُلم بسبب ظروف تسليم وتسلم المسرح، فقد أُغلق لمدة أربعة أشهر وهذه هي المرة الثالثة التي يُغلق فيها، وكانت من منتصف شهر أكتوبر إلى أول فبراير، لا أستطيع تقديم عروض عليه وكانت البروفات تجرى على مسئوليتي الشخصية، فلا يخفى على أحد أنه يوجد أشياء اسمها نظام الإطفاء والحريق، ومن المفترض أن يكون هناك أناس متخصصة لتشغيلها، الشركة التي تولت تجديد المسرح هي المسئولة عن التشغيل فأجهزة التكييف ولوحات الكهرباء وغيرها لا أحد يعرف شيئا عن كيفية تشغيلها سوى المتخصصين، وبناء عليه لم أستطع تشغيل المسرح وأُعرض الجمهور والقائمين عليه لأي خطورة، فلا بد من وجود إجراءات تأمينية للفنان وللجمهور، حين تولت الدكتورة إيناس عبد الدايم الوزارة قابلتها وعرضت عليها الأمر، وهي سارعت بكل الطرق لإنهاء أزمة المسرح في ثلاثة أيام والتقطت بالمسئولين في الشركة وجدولة الدين الذي علينا للشركة، وعدنا للعمل من جديد وقمنا بفتح «اضحك لما تموت» في أول فبراير، وهو التاريخ الذي كان من المفترض أن يُفتح فيه «هولاكو»، فكان الاتفاق أن تعرض “اضحك لما تموت” في نوفمبر وديسمبر ويناير، ثم تعرض «هولاكو» فبراير ومارس وأبريل، لكن حدث ترحيل للمواعيد، في الأيام القادمة سيحدث اتصال مع المخرج جلال الشرقاوي وسوف يتم الاتفاق على المراحل النهائية لـ”هولاكو” الذي سيكون بطولة فاروق الفيشاوي، رغدة، كمال أبو رية، وأتمنى ألا يعتذر أحد منهم، حتى لا نضطر للتأجيل.
• وما هي خططك بعد هولاكو؟
في خطة مهمة أتمنى أن نبدأ في تنفيذها وهي المخرجون الشباب، الذين لم يعدوا شبابا فقد تخطوا سن الأربعين ولم تتح لهم الفرصة للإخراج على خشبة القومي، أقل حق إنساني وفني أن يحقق الفنان نفسه على مسرحه، فهذه الخطة هي طرح مخرجين ومؤلفين جدد للحركة المسرحية، وسوف نبدأ هذا المشروع بعرض «المعجنة» تأليف سامح مهران وإخراج مخرج شاب هو أحمد رجب وبطولة شباب أيضا من الفرق المسرحية.
• هل هؤلاء المخرجون جدد أم لهم سابقة أعمال تؤهلهم للعمل بالقومي؟
كل المخرجين المرشحين لهذه التجربة قد تم اختبارهم من قبل فقد سبق لهم الإخراج، فمنهم من أخرج للهناجر ومنهم من أخرج لمسرح الشباب أو الطليعة، فأنا لا أغامر بتقديم مخرج ليس له سابقة أعمال فهذا يحدث في مسرح صغير، لكن لا يحدث في القومي. من المفترض أن يكون هناك تسلسل طبيعي، فيوجد فرقة تسمى فرقة مسرح الشباب تقدم فنانين لأول مرة سواء كانوا ممثلين أو مخرجين أو مؤلفين، هذه الفرق هي المعمل الذي يبدأ الفنان ويجرب فيه ثم ينتقل لمرحلة أعلى مثل مسرح السلام أو القومي، فهذا هو التدرج الطبيعي وهو صحي لأنه لا يجوز أن يأتي شاب ويلقي بنفسه في تجربة كبيرة فتسقط به أو يسقط بها، فإذا أعطيت مخرجا مبتدئا عرضا كبيرا أكون بذلك أحمله مسئولية كبيرة، لا بد أن يبدأ بعرض بسيط من الناحية الإنتاجية والفكرية، ثم بعد ذلك عرض أكبر وهكذا، للأسف بعض المخرجين لا يستوعبون ذلك، نعم من حقه أن يخرج على القومي لكن ليس لأول مرة فلا بد أن يكون أخرج مرات في أماكن أخرى، أتمنى في الفترة القادمة نستطيع تقديم مجموعة عروض لمجموعة من الشباب.
• أين التمثيل في أجندتك؟
موجود، فأنا طوال الوقت أمثل فلا أستطيع أن أبتعد عنه، لكن المسرح طبعا قليل خاصة داخل المسرح القومي، وهو المسرح الوحيد الذي أحب أن أمثل فيه لأن الطاقة المغناطيسية والإيجابية الموجودة به لا توجد في أي مسرح آخر، وهذا لا يشعر به إلا الممثل الذي وقف على خشبة المسرح القومي، مثلت بدلا من لطفي لبيب في “ليلة من ألف ليلة” حين مرض إنقاذا للموقف، لكن الفيديو والسينما، ما زلت، فانتهيت مؤخرا من تصوير فيلم «جريمة في الإيموبيليا» تأليف وإخراج خالد الحجر وبطولة ناهد السباعي وهاني عادل. وهو فيلم أكشن لطيف، وأعمل الآن مع نيللي كريم في مسلسل “اشتباه”، وممثل آخر، تأليف مجموعة شباب وإخراج المخرج الكبير وائل إحسان بطولة علي ربيع، صلاح عبد الله، سهر الصايغ ومجموعة شباب، هو مسلسل كوميدي خفيف نصور فيه الآن واقتربنا على الانتهاء، كما توجد مشروعات سينمائية مؤجلة إن شاء الله يكون لها نصيب قريبا، فأنا لا أستطيع أن أتوقف عن التمثيل أبدا فماكينة الإبداع التمثيلي لا بد أن تعمل طوال الوقت وإلا تتعرض للصدأ، فهذا مهم جدا للممثل ولأي فنان، وكذلك العازف لأي آلة موسيقية فإذا توقف فترة تكون حركة يده ثقيلة.
• هل تعترف بوجود أزمة في المسرح؟
أنا لا أرى أزمة، لكنني أرى عدم إقبال من النجوم الشباب على المسرح، لأن الأجر في المسرح ضعيف، فالفنان الكبير يحيى الفخراني دائما يقول أنا أعتبر العمل في المسرح مثل الخدمة العسكرية أؤدي واجبا وطنيا، فالفنان أخذ فلوسا من أماكن أخرى مثل السينما، الدراما، البرامج، أما المسرح خصوصا أننا مسرح حكومي تابع لوزارة الثقافة، لا يهدف إلى الربح، فهو يهدف إلى تقديم خدمة ثقافية تصل إلى مستحقيها، وهم الجمهور، لذلك لا نستطيع أن نرفع قيمة التذكرة كما يحدث في مسارح القطاع الخاص التي قد تصل إلى ألف جنيه، أما عندنا فأعلى تذكرة مائة جنيه والأقل سبعون وخمسون وثلاثون، فلا يهم قيمة التذكرة بقدر ما يهم عدد من شاهدوا العرض.
أما ما يقال عن وجود أزمة نصوص، فأنا لا أرى ذلك بدليل أن الفرق المستقلة والحرة كلهم مؤلفين جدد لا أحد يعرفهم، ففي كل الأماكن شباب يحتاجون لمن يقدمهم، وإذا كانت اللازمة هي أزمة إنتاج فأنا لا أرى ذلك أيضا، لكننا نحتاج إلى زيادة قليلة في الدعم المادي، لكن هذا لا يصل أبدا لدرجة الأزمة، فالأزمة تعني التوقف عن الإنتاج، إنما لو أنا أنتج عرضين بدلا من أربعة فهذا يسمى تعسر وليس أزمة، وهذا يمكن التعامل معه، لكن أنا ليس مع وجود أزمة في المطلق.
• ما هي أهم المحطات في مشوارك الفني؟
كلها محطات مهمة وليس بالنسبة لي فقط، لكن للإنسان بشكل عام فلا توجد في الحياة محطة مهمة وأخرى غير مهمة، عمر الإنسان كله إن قصر أو طال كل يوم فيه إضافة ومهم له، وهناك مثل أو قول مأثور هو «اليوم الذي لا أتعلم فيه على الأقل شيئا جديدا ليس محسوبا من العمر» فلا بد أن أتعلم يوميًا أشياء جديدة أو أعُلم أحدا، فالعمر ليس مجرد أيام تعد، حتى لو كان العمر سبعين أو ثمانين عاما لكن المعيار ماذا فعل في هذه السنوات، سيد درويش توفى وعمره ثلاثون عاما ورغم ذلك ترك أعمالا رائعة، الشعراء الكبار بيرم التونسي، بديع خيري، صلاح جاهين أغلبهم توفى قبل سن الستين وتركوا تراثا عظيما، فكل المحطات هامة.
أما لو عدت لسؤالك مرة أخرى وجردته ستكون المحطة الهامة في حياتي هي الانتقال من عالم الهواية إلى عالم الاحتراف، وأهمية ذلك بالنسبة لي هو أنني قررت في لحظة أن يكون عملي هو التمثيل وليس هاوي تمثيل، حين كنت أعمل في فيلم “المهاجر” مع يوسف شاهين كنت وقتها في العشرينات سألني هل تعمل في شيء آخر غير التمثيل؟ قلت له: لا، فقال وهل تستطيع أن تعيش؟ قلت له: أُحاول مثل غيري، لأنه كان يعلم مدى مشقة التمثيل وأنه لا يعطي مالا في البداية، فقد عملت بدون مقابل في أعمال كثيرة في البداية لأقدم نفسي للوسط الفني وللجمهور وأحقق ذاتي وأن يلتفت الناس إلى وجود ممثل اسمه يوسف إسماعيل.
• هل تعتز بأدوار معينة؟
“الناس في كفر عسكر” هو من الأعمال العظيمة التي أعتز بها، وأعتز بأول مسلسل في حياتي وهو “خالتي صفية والدير” وهو أول مسلسل لي في عالم الاحتراف مع المخرج الكبير إسماعيل عبد الحافظ ورواية بهاء طاهر، وكان السيناريو والحوار ليسري السيوي، كذلك “الخواجة عبد القادر” مع يحيى الفخراني، طوال الوقت نجد أنه في الأساس النص فهو الأهم في التلفزيون والمسرح والسينما، لكن بالنسبة للسينما فهو أقل درجة لأن المخرج يتدخل مع كاتب السيناريو لصناعة الصورة فيطلب منه مشهدا جديدا أو “شوطا” جديدا أو زاوية، وهذا عكس الفيديو والمسرح فالنص رقم واحد فيهما.
مسلسل آخر أعتز به هو “البلطجي” تأليف الراحل أسامة نور الدين إخراج خالد الحجر بطولة آسر ياسين، كندا علوش، سلوى خطاب، سامي العدل، وأنا، أما على مستوى السينما فأعتز بأول دور في فيلم “المهاجر” مع يوسف شاهين.
المسرح: أعتز بعملي في البدايات مع المخرج أحمد إسماعيل في مسرح الأقاليم، فكنا نذهب إلى القرى ونقدم مسرحيات، وكنا مكونين فرقة مسرحية في قريتنا وهي التي تعلمت بها أساسيات التمثيل، فهي قرية اسمها «شبرا بخوم» مركز قويسنا محافظة المنوفية، فهي من القرى الكبيرة وأنا أسميها القرية النموذجية ففيها أكثر من شيء مهم ويؤثر في الوجدان: المساحات الخضراء، فالعين مرتاحة في الرؤية، الأفق بعيد فلا يوجد حائط فالنظر للمدى الأبعد، “الكُتَّاب” الذي تعلمنا به القراءة والقرآن قبل المدرسة، الموالد التي كنا نسمع فيها الإنشاد، الذكر والقصص الصوفية والفرقة الصغيرة التي نعمل بها.
فقد تشكل وجداني الإبداعي من خلال المدرسة والذكر والفرقة التي عملنا بها منذ كانت أعمارنا ست سنوات ونحن نتدرب مع المخرج أحمد إسماعيل، بدأنا نقدم أعمالا صغيرة واسكتشات إلى أن وصلنا لأن نؤلف الأعمال التي نقدمها وكان هذا مشروع أطلقنا عليه اسم التأليف الجماعي، وهو مشروع مهم جدا، قدمنا من خلاله ثلاث مسرحيات مهمة جدا في قريتنا، فهذا هو المعمل الأساسي الذي تعلمت فيه.
• ألم تفكر في رد الجميل لقريتك، خصوصا أن هذا لم يعد موجودا الآن؟
طبعًا طوال الوقت نفكر، وتقديم ذلك الآن صعب جدا، فقد قمنا بإنتاج خمس مسرحيات بدون دعم نهائي فكنا نكتتب من بعضنا للديكور وللدعاية وللميكروفونات بشكل بسيط وجميل، وكان إقبال أهل القرية وقتها على هذه العروض شديدا جدا، فكان يحضر عشرة آلاف متفرج في ليلة واحدة، هذا العدد لا تكفيه كل مسارح مصر، قمنا ببناء مسرح مكشوف لتنظيم الجمهور والتحكم في كيفية الدخول والخروج حتى لا يحدث تكدس فكان يستوعب ألف وخمسمائة متفرج، فكان المخرج يقوم بتقسيم القرية إلى شوارع كل يوم شارع يتفرج على العرض يقوم بعمل دعوات مجانية لكل شارع لون معين حتى يكون الحضور منظما ولا يحضر أحد في غير اليوم المخصص له، ففي رأيي أن هذه من التجارب الهامة جدا، وقد قدم المخرج أحمد إسماعيل مشروع مسرح الجرن للثقافة الجماهيرية وهو بلورة لهذه التجربة العظيمة التي أخرجت أجيالا على مدار سنوات.
وأنا على استعداد أن أقدم أعمالاً لقريتي، فأنا لا أملك إلا فني ومستعد أن أذهب إلى هناك وأقوم بالتمثيل، وعلى فكرة هذه التجربة بدأت منذ خمسين عاما واستمرت إلى وقت قريب ربما منذ عشر سنوات فكنا إلى وقت قريب نذهب إلى القرية ونقدم نشاطا وأشارك فيه سواء بالتمثيل أو بالمساعدة بأي شيء في هذا النشاط.
• لمن تدين بالفضل؟
الله سبحانه وتعالى ووالدي ووالدتي ولأخي المخرج أحمد إسماعيل ولكل أساتذتي الذين علموني بداية من مدرس التربية الفنية الذي كان يدرس لي في المرحلة الابتدائية واسمه عبد الوهاب مشهور الذي كان يشركنا في أعمال تمثيلية بالمدرسة ولناظر المدرسة الأستاذ محمود بيبرس رحمة الله عليه، الذي ساعدنا في تنمية موهبتنا في التمثيل، هذا المناخ مهم جدا، وقتها لم يكن فيه إرهاب، لكن الفن والفكر قادر على مقاومة الإرهاب والأفكار المتطرفة، أدين بالفضل أيضا للأستاذ نور الشريف رحمة الله عليه علمني معنى الاحتراف وكيف أكون ممثلا محترفا، وكل من هو أضاف لحياتي أو عملت معه فأنا أدين له وربنا إن شاء الله سيكافئهم بما هو أحسن لأنني لا أملك أن أكافئهم بما يستحقون، فالله وحده القادر على مكافأتهم.


نور الهدى عبد المنعم