في ليلة تكريمه بأتيليه القاهرة

في ليلة تكريمه بأتيليه القاهرة

العدد 548 صدر بتاريخ 26فبراير2018


د. سيد الإمام: مشروعي في الترجمة يسعى إلى ردم الفجوات التي أحدثها الانتقاء الزائف في مشروع النهضة العربية
يلعب د. سيد الإمام عدة أدوار مهمة في واقعنا الثقافي عامة، والحركة المسرحية بشكل خاص، لم يتوقف دوره عند تدريس مادة الدراما والنقد لأجيال متعاقبة من طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية، إنما تجاوز أسوار الأكاديمية ليكون عضوا فاعلا في حركة المسرح مخرجا ومؤلفا و»دراماتورج» وعضوا بارزا في لجان تحكيم عدد من المهرجانات، ومدربا في الكثير من ورش الإخراج التي تقيمها جهات مختلفة لتأهيل المخرجين، أو غيرهم من عناصر صناعة العرض المسرحي، هذا بالإضافة إلى إسهامه المهم والبارز في مجال الترجمة، وقد استطاع الإمام أن يكشف خلال ترجماته بعضا من عوالم المسرح العالمي المجهولة، ونجح - بذلك - في أن يسد الكثير من الثغرات في معرفتنا بالمسرح العالمي، خاصة في الفترة ما بين (أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن العشرين) ومن أشهر أعماله الأخيرة المترجمة «الإحسان المسروق» للكاتب توماس هولكرفت، «بيت مدارس» للكاتب جرانفيل باركر، و«جوهر الإبسنية» للكاتب جورج برنارد شو. لهذا وغيره كثير، أقام أتيليه القاهرة الأسبوع الماضي ندوة لتكريمه، عن مجمل أعماله في خدمة فن المسرح، تحدث فيها د. مصطفى سليم، والناقدان مجدي الحمزاوي، ومحمد مسعد، وأدارها الناقد خالد رسلان.
الشاعر والكاتب د. مصطفى سليم قال إن د. سيد الإمام ليس أستاذا أو صديقا فقط، وإنما هو بالنسبة له ولدفعته 1992 التي تتلمذت على يديه بأكاديمية الفنون، مصدرا من مصادر المعرفة، مشيرا إلى أن من بين أبناء هذه الدفعة المخرج إسماعيل مختار رئيس البيت الفني للمسرح حاليا، والشاعر محمد حسين، والفنان أحمد عيد، والمخرج خالد فرح مخرج قناة الصعيد، والمخرج أحمد شفيق.
وأضاف سليم: استطاع د. سيد الإمام أن يزرع بداخلنا الكثير من الأشياء، أولها الرغبة في المعرفة، ومحبة البحث العلمي بمعناه الحقيقي وليس بمعناه المزيف، أي «اختلاق المشكلات»، وإنما البحث في مشكلات حقيقية نستطيع قياس متغيراتها بشكل فعلي، موضحا أن الإمام كان ولا يزال بالنسبة لكثير من المسرحيين مصدرا رئيسيا من مصادر المعرفة، كما أسهم في تشكيل فكر طلاب قسم «نقد ودراما» حول مرحلة خاصة جدا وشديدة التعقيد في التاريخ المسرحي، وهي المرحلة التي تمتد من الكلاسيكية وحتى بدايات الواقعية النقدية، تلك الفترة التي تكاد تكون مجهولة، إضافة إلى مجهوداته الفردية في كشف التحولات السياسية والاجتماعية التي مرت بها أوروبا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر.
وتابع د. مصطفى سليم: يمكن أن أقف عند ثلاث محطات مهمة بالنسبة لي في علاقتي بإسهامات د. سيد الإمام، غير فضل تلمذتي على يديه طبعا، الأولى هي محطة «يوليوس قيصر» للمخرج سامح بسيوني، التي قام بإعدادها د. سيد الإمام، وكشف من خلال هذا النص فكرة المصلحة العامة وعلاقتها بالسلطة والنظام، والعلاقة بين الفرد والمجتمع، واختارني لكتابة أشعار المسرحية. أما المحطة الثانية فهي نص «طلقات النفس الأخير» وقمت أيضا بكتابة أشعاره، ويتناول هذا النص قصة شخصين يعيشان بالفنار، موضحا علاقتهما بالعالم والسلطة وبأنفسهما، ومشكلتهما مع الزمن والآخر، وكان النص ممتلئا بالكثير من المشاعر. بينما المحطة الأخيرة فكانت كتابه «جذور الكوميديا العالمية» الذي يعد هدية لدارسي المسرح بالمعهد العالي للفنون المسرحية وهو يتحدث عن شكل الأزياء، ونظم الأداء، وصناعة الارتجال.
الناقد خالد رسلان قال إن د. سيد الإمام يعد أستاذا مبدعا، تنهال عليه الأفكار بشكل لحظي أثناء المحاضرة، من خلال تفاعله مع الطلبة، لذلك كانت كل محاضرة تختلف عن الأخرى، بما فيها من موضوعات جديدة، وهو ما يكسب طلابه المهارات المختلفة، موضحا أن التفاعل بينه وطلبته يخلق موضوعات جديدة ويجعلهم يفهمونها بشكل مختلف من خلال السياق الاجتماعي نفسه، مؤكدا أن كتب د. سيد الإمام تعتبر كنزا حقيقيا لدارسي الأكاديمية.
الناقد محمد مسعد أشار إلى أن جيل التسعينات كان في حالة عدم اتزان شديدة عقب حرب الخليج، وانهيار الاتحاد السوفياتي، وأن فكرة الخلاص الفردي كانت تسيطر على الجميع، وكانت هذه الفكرة ملحوظة أيضا في العروض المسرحية التي تشبعت حينها بحالة كبيرة من اليأس.
وأضاف مسعد: في منتصف التسعينات، لم يكن د. سيد الإمام مجرد أستاذ ناقل للمعلومات، وإنما كان يقدم للطلبة مناهج في التفكير، يستدعيها أثناء المحاضرات، منها المنهج الاجتماعي أو المنهج الماركسي، مؤكدا أن الإمام ينجح دائما بفضل منهجية تفكيره في تحليل الخطابات الاجتماعي أو الثقافية التي تنتشر بسبب ظاهرة ما، إضافة إلى تحليله لآليات التفكير التي ساهمت في إنتاج تلك الظواهر، فضلا عن تحليله الجمالي غير المتاح على المشاهد أو القارئ العادي، وكذا الأشياء الموجودة في اللاوعي عند الممثل وعلاقته بالشخصية التي يقوم بتأديتها، مشيرا إلى أن كتاباته تأخذ القارئ لمنطقة أبعد تجعل العقل الجمعي يفكر في كيفية انتقاله من خطوة لأخرى.
وختم مسعد بأن فكر الإمام يتسم بمنهجية ظاهرة في جميع أعماله، يحاول أن يكشف من خلالها الواقع الذي نعيشه.
بينما وصف الناقد مجدي الحمزاوي د. سيد الإمام بالشاب اليساري الاشتراكي المثقف، مشيرا إلى أن مشروعه النقدي بدأ من هذا التوصيف، وكذلك كان عندما مارس الإخراج المسرحي، وانخرط في كيفية صناعة العرض وصعوبة ذلك، مقتنعا بأنه لا يكفي أن تكون أستاذا مسرحيا حتى تكون مخرجا جيدا، وأشار الحمزاوي إلى أن الإمام في بداية عمله كان يضع نفسه في موقف المفسر، حتى إننا لاحظنا أن كتاباته الأولى لم تكن للعامة، غير أنه تنازل بعد ذلك إلى حد ما عن تقديم الخطاب الذي يفسره الآخرون، ليكون هو المحرك نفسه وليس صانع المحرك، أن يكون حامل الشعلة والسيف معا بدلا من أن يكون حامل الشعلة فقط، وكان ذلك بعد انكسار الحراك في ثورة يناير، ومن وقتها بدا د. سيد الإمام حريصا على مخاطبة الجميع مدركا أن الاستقرار لن يأتي إلا بعد أن يعي الجميع.
تابع الحمزاوي: كتابات الإمام بعد ثورة يناير تتحدث عن فترات ما قبل استقرار الأوضاع وتتماس تماسا كبيرا مع واقعنا، ونجد ذلك مثلا في مقدمة كتابه «الإحسان المسروق» الذي أشار خلاله إلى ما تفعله الطبقة البرجوازية التي نشأت بعد تفكك الطبقة الأرستقراطية، وإلى أن الطبقة البرجوازية تتعامل مع المبادئ والمثل كأقنعة تضعها عند الحاجة، وقد تحكمت فيها ثقافة الجوع، مستشهدا بالمثل الشائع «شبع بعد جوع»، أضاف: كما أوضح الإمام أيضا علاقة الطبقة البرجوازية بالراديكالية الدينية، مشيرا إلى تمكن الإمام في نص «يوليوس قيصر» من إظهار كيف أن الديكتاتورية تؤدي إلى انقسام، وأن الاستقرار الديكتاتوري يؤدي إلى خروج المشاعر المكبوتة بعد موت يوليوس قيصر.
وأوضح الحمزاوي أن د. سيد الإمام حاول من خلال كتاباته ومقالاته النقدية نقض ظاهرة اجتاحت المسرح المصري بعد المهرجان التجريبي، وهي الاعتماد على الشكل حتى وإن كان بلا مضمون، أو كان يناقض مضمونه، بينما يرى هو أن «كل شكل فني يفرز مضمونه»، بالإضافة إلى مناقشته موضوعات ترددت عن ضرورة البعد عن القضايا الكبرى، وإعلاء لغة الجسد، وما أدى إلى أن يصبح هدف المسرحيين الأساسي ليس الوصول إلى الجمهور وإنما الوصول إلى لجنة مهرجان المسرح التجريبي.
وفي كلمته في نهاية الندوة قال د. سيد الإمام: توجد مسافة بين ثقافتنا وبين ثقافة أوروبا، فكرتهم يطرحونها في سنة، ويتم استقبالها في مائة سنة، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن أوروبا لعبت دور القائد في مشروع نهضة «محمد علي»، مشيرا إلى أن رفاعة الطهطاوي هو أول من قام بحركة اتصال مصري أوروبي من خلال ترجمته كتاب «روح القوانين» لمونتسيكيو عام 1838، ما يجعله أول جسر تمر خلاله حركة الترجمة بين مصر وأوروبا.
وتابع الإمام: في بداية القرن العشرين كانت الحركة المسرحية التي بدأت بعزيز عيد وتلاميذه يوسف وهبي، ونجيب الريحاني، وستيفان روستي، تعتمد على التراث الأوروبي من خلال الترجمة، أو السرقة، مشيرا إلى أن حركة الترجمة قامت على الانتقاء الزائف القائم على فكرة الانبهار بأوروبا، وأن مشروعه في الترجمة يسعى إلى ردم الفجوات التي أحدثها هذا الانتقاء في مشروع النهضة العربية، القائمة على أكتاف حركة الترجمة، خاصة في المسرح، وحركة الدراما وعلاقتها بالواقع، والنظم، والثورات، والأفكار السياسية، وتعدد الأصوات، بالإضافة إلى تتبع نظم الأفكار وتطورها، وهو المشروع الثقافي للطبقة البرجوازية، مشيرا إلى أن تطور الدراما حدث مع بداية ظهور هذه الطبقة.
اختتمت الندوة بعدد من مداخلات الحضور من أكاديميين ومسرحيين، منهم المؤلف سعيد حجاج، المخرجة سميحة عبد القادر، الناقدة ليليت فهمي، الناقد أحمد الحناوي، والناقدة أمل ممدوح، وبعض طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية.
 

 


ياسمين عباس