اعتبره البعض أكثر إبداعية وتحررا

اعتبره البعض أكثر إبداعية وتحررا

العدد 548 صدر بتاريخ 26فبراير2018

فن الارتجال..كيف يراه المخرجون وكيف ينفذونه؟
اعتمد المسرح كثيرا ومنذ زمن بعيد على قدرة الممثل على الارتجال في مواقف معينة، وهو فن له طبيعة خاصة استهوى عددا من المخرجين فأنتجوا عروضا مسرحية قامت على فن الارتجال، ومن خلال هذه المساحة نستعرض وجهات نظر وآراء بعض المخرجين ممن لديهم تجارب ارتجالية، حيث يجيبون على عدة تساؤلات منها ما أهم ما يميز عروض الارتجال؟ وما الفرق بين النص الارتجالي والنص المؤلف؟ وهل يشترط أن يكون عرض الارتجال كوميديا؟

 

قال المخرج محمد الشرقاوي: عندما أقوم بتقديم عرض نتاج لورشة ارتجال دائما ما أطرح تساؤلا هاما هو: لمن؟ ومن خلال هذا التساؤل أبدأ في اختيار فريق العمل ممن يمتلكون قدرات خاصة على الارتجال، سواء من الهواة أو من طلبة المعهد العالي، بالإضافة إلى الاستعانة بمتخصص أو أستاذ في الدراما، ثم نبدأ عمل الورشة بطرح الأفكار المختلفة من قبل المتدربين.
وأضاف: تبدأ مجموعة العمل وأستاذ الدراما في طرح الأفكار إلى أن نجد قالبا نعمل عليه، ويقوم أستاذ الدراما بصياغته وأثناء ميلاد العرض يكون قابلا للإضافات. تابع: النص المرتجل نتاج أفكار مجموعة، أما النص المؤلف فهو نتاج لحظة تجلٍ لدى المؤلف، وأنا دائما ما أنجذب للنصوص الجماعية، أتشعر أنها أكثر حميمية وقربا، فهي تتميز بلغة جماعية نابعة من طاقم العمل، موضحا أن: العروض الارتجالية تمتاز بتنوع الدراما بها فهناك لحظات تراجيدية وإنسانية، وأخرى يغلب عليها الطابع الكوميدي.
روح مختلفة
بينما قال المخرج محمد جبر: قدمت من قبل تجربة «1980 وانت طالع»، التي كانت مؤلفة ولكن تتخللها مساحات من الارتجال، وقريبا سأقدم تجربة في الارتجال كاملة. وأضاف: تجارب الارتجال عبارة عن أفكار أكثر من شخص، وتعتمد على ثقافة المشاركين، وهي غالبا تعتمد على اللوحات المنفصلة، وبالتالي تتسع لمناقشة أكثر من موضوع وقضية، وأهم ما يميز عروض الارتجال أن موضوعاتها تخص الشباب، ولها روح مختلفة وطاقة مختلفة وتتيح مناقشة أكثر من فكرة.
تابع: ليس شرطا أن تكون العروض الارتجالية كوميدية، فهي تعتمد على قدرات الممثل وأحاسيسه وكيف يستطيع أن يترجمها ويصيغها، وهو ما يحول الشكل الكوميدي إلى التراجيدي، فالارتجال له مدارس مختلفة. موضحا: نحن نعتمد على موضوع أو فكرة رئيسية، ونخرج منها عدة أفكار عن الجيل والحياة، يقترحها وينتجها الممثلون أنفسهم، وبعد ذلك نقوم بوضع عنوان لكل مشهد وعمل رابط درامي لربط المشاهد.
 قابل للتجديد
بينما قال المخرج عمرو حسان إن الارتجال يحتاج إلى فريق يمتلك حسا كوميديا وذهنا حاضرا ويعتمد على فكرة أساسية، يتم الارتجال حولها مع اختلاف اللوحات والمشاهد، مشيرا إلى أن المميز في عروض الارتجال أنها تعتمد على أفكار الممثلين مع المخرج، ووجود تلاحم أكبر مع الجماهير، ولكن هذا لا يعني أن النص المؤلف أقل جودة ولكن في النص الارتجالي يكون الممثل والمخرج أكثر استيعابا له، خاصة وأن فكرته دائما ما تكون معاصرة للأحداث، قريبة من الواقع. حيث يتم الارتجال على الأحداث الراهنة.
أطروحات مختلفة
قال المخرج محمد حافظ إن النص المرتجل يجب أن يحوي أطروحات مختلفة وأن يكون جديدا وبه مساحة فنية يستطيع من خلالها المخرج أن يقدم العرض بشكل جيد، وبه إبداع، وأشار حافظ إلى أنه يجب أن يحتوي العرض المرتجل على مجموعة من الضوابط حتى يظهر بالشكل اللائق، موضحا أن الفكرة هي الدافع الأول لتقديم عرض مرتجل ثم يتم اختيار عناصر تمثيلية تجيد تنفيذ هذه الآلية، وذلك من خلال إثارة مجموعة من الفرضيات في البروفات الخاصة بالعمل، ويفضل الاستعانة بدراماتورج يستطيع صياغة الأفكار في مشاهد مسرحية.
تابع: المميز في عروض الارتجال أنها تكون قريبة من وجدان الممثلين والمخرج، موضحا أنه ليس شرطا أن تكون عروض الارتجال كوميدية، أضاف: نعم هذه العروض يغلب عليها الطابع الكوميدي، ولكن مع وجود تنوع في العمل الواحد ما بين الكوميديا والتراجيديا.
 التحفيز الإبداعي
وقال المخرج أحمد ثابت الشريف إن عروض الارتجال تكون نتاجا لورش تعمل بطريقة التحفيز الإبداعي، عبر تشكيل جمعي لإبداعات ومواهب المشاركين في الورشة، ومن الممكن أن يكون العرض المنتج استعراضيا، نتاج تدريبات حركية وأدائية، وليس شرطا أن تكون العروض الارتجالية كوميدية، ولكنها تختلف حسب المشاركين في الورشة.
ارتجال ممنهج
فيما يقول المخرج والكاتب ناجي عبد الله: الارتجال لا بد أن يكون ارتجالا ممنهجا له بداية ونهاية، أضاف: العروض التي قمت بكتابتها وإخراجها ومنها «الحفلة المزدحمة» و«ضفاير»، اتبعت فيها منهج الارتجال القائم على الحكي الحر بين المشاركين في العرض، وهو ما يتم تلخيصه واستخلاص المضمون منه، وكتابته في نص مسرحي قابل للالتزام بما تم التوصل إليه فيه. وأضاف: عروض الارتجال نتاج تفكير جماعي، وقد تنبني على فكرة يطرحها المؤلف أو مجموعة العمل، ويشارك في كتابة خطوطها وحوارها الجميع وبها مساحات مختلفة ومتعددة للخروج عن النص المكتوب والعودة إليه، وأحيانا لا يكون هناك نص من الأصل وإنما اتفاق على الخطوط الرئيسية للنص. موضحا عروض الارتجال تحمل كل أنواع الطرح المسرحي، شرط أن يكون عرض الارتجال مدروسا وليس عشوائيا.
وقال المخرج جوزيف بهاء إن عروض الارتجال تقوم على هدف أساسي للعمل عليه، ضمن مجموعة عمل محددة، كسياق يتم الارتجال من خلاله، حتى لا يتم الخروج عن الحدود المطلوب كتابة النص عليها، مشيرا إلى أن أهم ما يميز العروض الارتجالية هو تعدد أفكار مجموعة العمل والتوسع في مناقشه أكثر من فكرة بأكثر من طريقة، وطرح أساليب جديده لكتابة الحوار، لا تقتصر على فكر مؤلف واحد، بينما العرض المؤلف يكون مقتصرا على فكر مؤلف واحد، ويتسم بمحدودية الطرح، وأشار إلى أنه ليس شرطا أن تكون عروضا كوميدية، موضحا أن العرض الكوميدي لا يشترط التأليف أو الارتجال، إنما هو وليد موقف وليس كوميديا محفوظة من الممثل يؤديها طيلة البروفات ثم يوم العرض.
الفن الأصعب الذي يتألق فيه الارتجال
وقالت الناقدة داليا همام إن أهم ما يميز عروض الارتجال أنها تعد نوعا من التدريب على الأداء التمثيلي الجيد، وتصنع ممثلا جيدا ممتلكا لأدواته وأدائه، وقادرا على جذب الجمهور بشكل واضح، مشيرة إلى أن كثيرا من التجارب الإبداعية اتخذت من الارتجال وسيلة لتنمية قدرات الممثل الأدائيه مثل «استانسلافيسكي» «ومايرهولد» الذي استخدم الارتجال لتحقيق ليونة للجسد مستوحاة من الكوميديا ديلارتي، وبيتر بروك الذي استند إلى فكرة الارتجال في إعداد الممثل كوسيلة للوصول إلى درجة أداء جيدة، أضافت: عروض الارتجال يتم تجديدها كل ليلة بتجدد الأحداث الاجتماعية المعاصرة للعرض، بشرط التعامل وفق طبيعة الفضاء المعروض فيه: مسرح مغلق، أم فضاء مفتوح. تابعت: الارتجال عمليه تقوم على ابتكار شيء وأدائه دون تحضير مسبق، وقد ينتج من خلال الارتجال ما يطلق عليه الإبداع الجماعي مثل تجربة أريان منكوشين «مسرح الشمس»، وهنا يمكن أن يصبح المسرح نوعا من الممارسة الاجتماعية، كما يمكن أن يتحول بما يتم ارتجاله في الإبداع الجماعي إلى كتابة منظمة مثل ما تم في عرض سلم نفسك للمخرج خالد جلال، موضحة أن عروض الارتجال أكثر حرية في طرح القضايا الآنية، وأن الارتجال يتميز بالاستمرارية بمعنى حيوية الكلام المنطوق، المستمر في التجديد بينما فعل الكتابة حدث في النص المكتوب وانتهى، وما يضفي عليه الفعل هو الممثل ذاته على خشبة المسرح. أشارت أيضا إلى أن شرط عروض الارتجال أن تكون كوميدية، حيث إن أصلها هي الكوميديا دي لارتي. لكن مع تغير العصر يمكن أن تتأثر بالأحداث الراهنة وأن يقدم الممثل أفكاره كنوع من البوح، مستندا على ما يقدمه علم النفس مثلا، فلم يعد التصنيف قطعيا كما كان قديما، وختمت بقولها: ومع ذلك فإن الكوميديا هي الفن الأصعب الذي يتألق فيه الارتجال.

 


رنا رأفت