كأنو مسرح بالون اختبار

كأنو مسرح بالون اختبار

العدد 546 صدر بتاريخ 12فبراير2018


في إطار عروض مديرية المسارح والموسيقى، المسرح القومي في دمشق، قدم المخرج والممثل السوري غسان مسعود عرضا مسرحيا من تأليف ابنته لوتس مسعود، بعنوان «كأنوا مسرح» وهو عرض مسرحي اجتماعي كوميدي، قدم على خشبة مسرح الحمرا؛ واحد من أقدم مسارح دمشق وأكبرها، صحيح أن العروض لم تستمر لمدة طويلة، ليس بسبب انحسار الجمهور كما هي العادة لتوقف العروض، فالعرض شهد ازدحاما كبيرا وغير مسبوق، بل سبب حشد المخرج لهذا الكم من نجوم الدراما السورية، ليكونوا أبطالا لعرضه المسرحي، الأمر الذي لن يسمح بطبيعته بامتداد العروض لفترت أطول.
ليس غسان مسعود الوحيد الذي اتجه للمسرح في الأعوام الأخيره، أو لنقل أثناء الأحداث القائمة في سوريا، رغم ما تعانية تلك العروض من قلة الإنتاج وضعف الإيرادات، مقارنة على الأاقل مع ما تقدمه وزارة الثقافة من دعم لوجيستي ومادي للأفلام السينمائية السورية، فلقد سبقه إلى ذلك بسام كوسا في عرض مسرحي قدمه في المعهد العالي للفنون المسرحية كعرض تخرج بعنوان «المتحذلقات»، ونال حينها حضورا مميزا ونقدا إيجابيا جيدا، ثم خاض التجرية لاحقا أيمن زيدان في مسرحيته “اختطاف” التي كانت أيضا مع طلاب المعهد العالي للفنوان المسرحية ولاقت استحسانا كبيرا حين عرضت جماهيريا في دمشق، وكانت حاضرة مؤخرا في مهرجان المسرح العربي في تونس.
لكن الحديث اليوم يدور حول ماهية تلك العروض وأسباب عودة هؤلاء النجوم أمثال غسان مسعود وأيمن زيدان وبسام كوسا، إلى المسرح، بعد أن كان المسرح في نظرهم لا (يطعم خبزا)، (وأعطني مالا أعطيك فنا)، والسؤال الأهم ما الذي يدفع عددا لا بأس به من نجوم الدراما السورية، أمثال محمود نصر ويدمة قندلفت ونظلي الرواس وغيرهم، للتفرغ لساعات من أجل عرض مسرحي تتبناه مديرية المسارح المعروفة بأجورها المتدنية جدا مقارنة مع ما يمكن أن يتقاضوه من العملة الصعبة في أعمال درامية تلفزيونية، أسئلة تراود كل من حضر تلك العروض.
وبالوقوف على المسرحية، نجد أن لوتس مسعود كتبت نصا مسرحيا حول مخرجة تقدم عرضا مسرحيا في دمشق في محاولة أولية منها لجمع شمل المختلفين حول الأزمة في سوريا، ليس الأزمة بمعناها السياسي بطبيعة الحال، بل بمعناها الاجتماعي، وتأثيراتها النفسية على الشعب السوري الذي بات قاب قوسين من تدمير نفسه بحجة التمسك بالرأي، صحيح أن النص لم يقدم أو يعرض لأسباب تلك الخلافات بشكل جريء أو حتى مباشر، بقدر ما قدم قشورا لارتدادات تلك الخلافات، وقد تكون تلك القشور أو ما وصل للناس البعيدين عن ساحة القتال، هو فعلا سبب خلافاتهم اليومية ومواقفهم السلبية تجاه بعضهم البعض، لكن النص الذي بدا واضحا فيه لمسات الأب (غسان مسعود) ليس فقط على صعيد الإخراج والأداء التمثيلي، وإنما أيضا على صعيد الكلمة والحرف داخل النص نفسه، حاول بشفافية وكمن يسير على حبل مشدود المرور على إحدى الأزمات السورية المتفشية، لكن بحذر شديد، متجنبا الانتقادات من كل الأطراف، وكأن المخرج بحد ذاته لم يشأ أن يتخذ موقفا مما يحدث في سوريا بقدر ما حاول أن يعرض بأمانة مواقف هؤلاء الناس الذين اجتمعوا ليقدموا عرضا مسرحيا مع المخرجة التي لعبت دورها ديمة قندلفت، والتي كانت تحاول جاهدة، وعبر بروفات العرض المسرحي، أن تجمع هؤلاء المتناحرين وتلم شملهم ولو بإطار فني، لكن العملية باءت بالفشل، وانتهى العرض المسرحي الحقيقي قبل أن تكتمل بروفات العرض المتخيل وحتى قبل أن يتوصلوا لحل لمعضلتهم يجنبهم الخلاف أو يدفعهم لإتمام تدريباتهم المسرحية.
حاول المخرج أن يلتزم بالقواعد الكلاسيكية للعرض والنص المسرحي، (بداية وعقدة ونهاية) بشكل سلسل ومنطقي، ورغم أنه استطاع أن يفصل بين مستويين من العرض ما هو حاصل الآن في (المسرح/ داخل المسرح) التعليب، حول الفرقة وشؤونها، وما هو حاصل ما قبل أو بعد هذا المكان والزمان، في حياة أعضاء الفرقة اأنفسهم، اجتماعيا وشخصيا، فها هي المخرجة كانت تعيش قصة حب كبيرة مع عازف البيانو الذي يلعب دوره محمود نصر، لكن لم يبح أحدهما للآخر، وها هي إحدى بطلات العمل تعاني من زوجها الذي استغل أزمة غياب الرجال في سوريا، فنذر نفسه ليتزوج حتى أقرب جاراتها، رغم كل هذا الفصل فإن المخرج، وعلى صعيد الديكور الثابت طيلة فترة العرض، لم يستطع أن يخلق أجواء مناسبة للنص، فلقد حاول غسان مسعود استخدام الإبهار البصري في عرضه عن طريق السينوغرافيا، التي أراد من خلقها أن يجعل فكرة التعليب (مسرح داخل مسرح) واضحة إلى حد ما، فبنى ديكورا داخليا من لوحات فنية ضمن خشبة المسرح، لدرجة جعل معها الكواليس ضمن الخشبة ذاتها بحيث تكون مكانا لراحة الممثلين أمام أعين المشاهدين، ولكنه لم يوفق حين استخدم تلك اللوحات العالية الإتقان والمكلفة إلى حد ما في إظهار أي جماليات أو إضافات درامية للعرض المسرحي، بقدر ما كانت لافتة بحد ذاتها لعين المشاهد، الذي يسأل يا ترى من رسمها وماذا يريد المخرج منها.
مع ذلك تبقى التجربة المسرحية بحد ذاتها هامة (وبالون اختبار) للشباب السوري الذي حضر بكثافة واهتمام العرض المسرحي، وأشاد به، وهو الأمر الذي يناقض الفكرة السائدة التي تدعي أن الجمهور السوري وخصوصا الشباب منهم، قد بات رهين وحبيس الميديا مؤخرا.
“كأنّو مسرح”
نص: لوتس مسعود، سينوغرافيا وإخراج: غسان مسعود، تمثيل: محمود نصر، ديمة قندلفت، نظلي الرواس، أيمن عبد السلام، روبين عيسى، لجين إسماعيل، مصطفى المصطفى، غسان عزب، راما عيسى.


لمى طيارة