الثانية في الغرام دراما غنائية عن الحب والوطن

الثانية في الغرام دراما غنائية عن الحب والوطن

العدد 545 صدر بتاريخ 1فبراير2018

في إطار الموسم الشتوي يقدم البيت الفني للفنون الشعبية الاستعراضية على مسرح البالون بالعجوزة أوبرا الثانية في الغرام للكاتب والشاعر وللمخرج سامح العلي،، تصميم الديكور وائل عبد الله، تنفيذ أبو العلا صابر، ألحان أحمد الحجار ومن بطولة كل من محمد عبد الحافظ في دور علوان، محمد عبد الجواد الراوي، سوسن ربيع زوجة الرواي، ياسمن المصري في دور فاطمة، عصام توفيق في دور شاكر بالاشتراك مع شمس الشرقاوي بالإضافة لمجموعة من فناني البيت الفني للفنون الشعبية
في المسرح ينبغي ألا يرى الجمهور أشخاصًا يقومون بأعمالهم الخاصة، بل كائنات إنسانية ومادة متغيرة لا شكل لها ولا تحديد، شخوص تدهش وتذهل الناظر إليها، ولتأكيد هذا المعنى، يدعو بريخت إلى طريقة خاصة لعرض المسرحية تتكون من: رواية الأحداث، وخلق روح المراقبة عند المشاهد، وكسر الحدث المسرحي والحاجز الذهني للمتفرج لإيقاظ فعاليته وحمله على اتخاذ رد الفعل تجاه المواقف المسرحية، باعتبار المتفرج انعكاسًا مماثلاً للعالم، وأيضا فصل المشاهد المسرحية عن بعضها بعضًا وجعل البناء المسرحي كله مماثلاً لحركة الإنسان ونفسيته، كما أكد بريخت على أهمية دراية هذا المتفرج بما يدور حوله بوعي كامل.وكان هدفه من ذلك أن يحول دون الاندماج العاطفي أو النفسي بين المتفرج والممثل والشخصية التي يؤديها لضمان الانفصال الشعوري، على هذه الأسس قام مخرج للعرض ببناءه معتمدًا على أركان المنهج البريختي فبدأ بفرقة المحبظتية التي تجوب القرى والنجوع لتحكي حكاياتها الموجهة وغير الموجهة.
يبدأ العرض بالراوي «على» وزوجته «حنان» ولاعب الأراجوز، يتجولون في الشوارع بصندوق الدنيا ليقصوا على الناس السير الشعبية القريبة لنفوسهم حتى يقصون حكاية «علوان عبد الهادي» أحد علماء الأزهر وأحد المناضلين ضد الحملة الفرنسية الذي تشابك في أحد المظاهرات مع جنود الحملة وقتل أحدهم، فيطالبه صديقه مينا بالهرب إلى صديقهما شاكر ليختبئ في داره ويرحب شاكر بعلوان فعلا بعدما تقبض الحملة على الصديق مينا وتقتله، ويشاء القدر أن يحب علوان فاطمة جارة شاكر وتهيم به وتسانده وفجأة يقرر شاكر أن يتقدم لخطبتها ويوافق أهلها رغم رفضها ويكتشف شاكر تعلق علوان بفاطمة فيطرده بعدما يرفض الاستماع إليه ويتهمه بالخيانة ويطلق عليه الرصاص ثم يشهر بسمعة فاطمة أمام البلدة فيعذبها أهلها حتى يأتي علوان لانقاذها؛ فيهربان ويتزوجان ويتنكران في أسماء أخرى ويجوب علوان مع زوجته يرددان الحكاية حتى يقرران الاعتراف لأبنائهم بعد عشرين عاما بقصتهما ويعودوا إلى أسرة فاطمة ليعرف الجميع قدرها وبراءتها مما قاله شاكر، فيجدا شاكر السيء السمعة على عهده من الكراهية وقد صار داعية لأهل البلدة يحاول السيطرة على الناس بالكذب وما زال يداوم على كراهيتهما وتشويه سمعتهما.
العرض يسلط الضوء على زوايا كثيرة فالحب العفيف يظل للنهاية بريئا من كل إثم فقط علينا أن نحميه ونحارب من أجل بقائه، وأن البسطاء مسلوبي الارادة يسهل السيطرة على عقولهم ومن اليسير جدا على مرضى النفوس وأصحاب المصالح توجيههم حيث يريدون وأن بعض الشيوخ الذين من المفترض على عاتقهم مهمة الدعوة إلى الصلاح هم أول من يسيء للأزهر رغم مكانته وهم أول ممن يضلل العامة من أجل مصالحهم الخاصة وهم أول من يسيئون للشريعة. قيم كثيرة داخل الحكاية حاول المخرج بلورتها داخل العرض جعلت العرض كثيفا.
لكنه حاول تضفير كل العناصر المتاحة لديه ومزجها ليصنع عرضا غنائيا دسما شديد البهجة أيضا،، تم صياغته النص المسرحي صياغة شعرية دقيقة غاية في البساطة والرقي حافظت على أذن الجمهور طول العرض عبارات شعرية قوية البلاغة صور متراكبة مكتظة بالجمال، فقط أضربها الخروج الكثير عن النص لجلب الافيهات من بعض فناني العرض في مشاهد الراوي من باب أن ذلك قد يضيف للحالة بعض المتعة غير أنه ليس صحيحا، كما جاءت الأشعار قوية ومعبرة كذلك استطاع الفنان أحمد الحجار تضفيرها بجمل موسيقية حركت كل مشاعر المتفرج ونقلتنا لعوالم روحية مختلفة بألحان كثيرة الشجن، بالإضافة إلى أصوات المطربين الرائعة التي أمتعتنا طوال العرض لفريق الغناء محمد السويسي، مصطفى الهواري، حسام حسني، إسراء سماحة، أميرة خالد.
كذلك تم تصميم الديكور تصميما بسيطا ونمطيا مكونا من ثلاثة مناظر أولها ساحة القرية التي يحكي بها المحبظتية حكاياتهم للبسطاء، ثم أعمدة الأزهر في مشهد الثورة، ثم منزل شاكر وفاطمة واستطاع المخرج استغلال أقصى يمين المسرح كساحة للمطربين وأقصى اليسار لعازف الناى وواجهة المسرح للمتفرجين أثناء الحكاية. وامتلات الخشبة بالرقصات الممتعة لفريق الراقصين.
رغم جمال النص كتابة إلا أن غيرة المؤلف على نصه لم يدع للمخرج مجالا لرصد تلك التفاصيل الدقيقة وحيلة الاسهاب في تكرار الجمل الغنائية على لسان الممثلين في أكثر من زاوية بالعرض أضاف ثقلا غير مرغوب، ربما أراد سامح العلي أن يقول كل شيء في نص واحد وربما لأنه ممتليء بهموم كثيرة لم يستطع النص حصرها، وتلك مشكلة لأننا لن نستطيع أن نقول كل شيء في عرض واحد؛ فالنص الشعري الرائع هو البطل الأهم في هذا العرض وكذلك الأداء التمثيلي لكل فناني الثانية في الغرام الذين أثروا الحكاية بمتعة الأداء المسرحي فأمتعنا محمد عبد الحافظ ومحمد عبد الجواد وياسمين المصري وعصام توفيق وسوسن ربيع بأداء متميز.
في النهاية إقبال الجمهور على العرض يؤكد رغبته في السعى إلى تلك العروض الغنائية التي تخاطب وجدانهم، شكرا لمؤلف ومخرج العرض سامح العلي على الوجبة الدسمة التي قدمها لنا على خشبة مسرح البالون، وشكرا لكل فريق الثانية في الغرام.


عفت بركات