جريدة أخبار الأدب في قراءتها للمؤتمر

كتب حسن عبد الموجود: في الحادية عشر صباحاً من يوم الثلاثاء الماضي احتشد العشرات أمام المسرح الصغير بدار الأوبرا . وجوه مألوفة لمسئولين في وزارة الثقافة يحيط بهم أدباء من أجيال وأقاليم مختلفة . الجميع كانوا في انتظار وزير الثقافة فاروق حسني لإقامة حفل افتتاح مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم بدورته ال " 25 " ( اليوبيل الفضي ). سمح تأخُّر فاروق حسني نصف الساعة الفرصة لتبادل الحوار بين الأدباء والمسئولين، وسمح للفضائيات المختلفة بإجراء الحوارات . حينما حضر حسني اندفع الجميع نحوه واكتفي بكلمة قصيرة للفضائيات . الجميع توجّهوا إلي المسرح ولكنه كان مكتظاً عن آخره، كانت مشكلة ضخمة، ولكن سار كل شيء في طريقه بالنهاية فقد وجد كل شخص مكاناً للوقوف .
كان الطقس قريباً من طقوس مؤتمرات المجلس الأعلى للثقافة، ولكن حين بدأ الكلام تغيّر كل شيء، ففجأة رفع أحدهم صوته يبدي تزمره من إطفاء النور، وتمت الاستجابة له وأضيء المسرح بالفعل .
الوزير بدا قلقاً من شيء ما . حينما تحدّث أفصح عنه . قال إنه يستمع إلي نفس الأسئلة منذ 23 عاماً، لدرجة أنه شعر بأنّ المؤتمر شاخ . أحمد مجاهد استغل الفرصة وعرض لمدة نصف الساعة أو أزيد إنجازات الهيئة في عهده بمصاحبة عرض علي شاشة بطريقة " البريجكتور ".
كلمة جمال التلاوي قوبلت بعاصفة من التصفيق، لأنها حملت أحلام العالمية بالنسبة لأدباء مصر في الأقاليم . طالب التلاوي بتحويل كتب الترجمة إلي سلسلة ثابتة، وأن يوفر الفنان فاروق حسني بعض المنح للسفر والإقامة للأدباء بالأكاديمية المصرية بروما مثل الفنانين التشكيليين، علّق بسخرية : " أنا أشعر فعلاً بالغيرة من الفنانين التشكيليين ". وأن يتم اعتماد الأمانة العامة لأدباء مصر كهيئة لها حق ترشيح الأدباء والفنانين لجوائز الدولة، وأن يوفر الوزير الدعم المالي الكافي لتحويل مجلة القصة من إصدار ربع سنوي إلي إصدار شهري .
وأبدي حسني مرونة في تنفيذ هذه المطالب باستثناء تحويل الأمانة العامة إلي هيئة لها حق التصويت علي جوائز الدولة، غير أنه عاد لنفس النقطة مع كلام قاسم مسعد عليوه الذي أبدي تخوّفه من اختفاء المؤتمر بخروج أشخاص بأعينهم من مناصبهم .
هنا توجه الوزير بالسؤال لمجاهد : لدينا كم وكيلاً للوزارة؟ ورد مجاهد : 11، وعاد الوزير لمواجهة المؤتمرين : يمكن زيادتهم إلي 12 بحيث يتولي وكيل الوزارة الجديد المؤتمر، وبهذا الشكل لن يستطيع أحد أن يلغيه !
وارتباطاً بالجوائز قال جميل عبد الرحمن إن الجائزة الوحيدة المبرأة في وجهة نظره هي التشجيعية أما بقية الجوائز، فتسير حسب هوي المسئولين . قال الوزير إن الجوائز تعتمد في الأساس علي شرف رئيس المركز، وهو لا يسمح أن تُمنح بالتدابير، وأضاف : " الأصوات سرية، لا أعرف بها إلا حينما تأتيني لتسجيل الصوت، ولو أنّ الجائزة مزوّرة فإن هذا في شرفي أنا شخصياً " ووجه سؤالاً لعبد الرحمن : هل تتصور أن أقول لشخص " والنبي صوّت لشخص معين؟ " علي الأقل سيخرج أحد الأشخاص بهذا الكلام إلي الجرائد، وأنا أتحدي أن يقول أحد إنني طلبت منه هذا "!
وطالب قاسم مسعدعليوة بأن نتخذ من الوحدة الوطنية مشروعاً قومياً نلتف حوله وأن تتحول الكتب المترجمة الي سلسلة دائمة . عقب حسني بأنه سعيد بتجربة الترجمة موضّحاً أنه سيدعم هذا الموضوع بكل الإمكانيات المتاحة موضحاً أنّ الترجمة من العربية إلي الأجنبية تحتاج إلي مساعدين أجانب، إضافة إلي التعاقد مع دار نشر في الخارج، ( حتي لا يتم ركن الكتب في مخازن السفارات ). وأشار إلي أنه لا يوجد لديه مانع في أن يذهب أديب لمدة شهر إلي الأكاديمية المصرية بروما يلتقي خلالها بالمبدعين هناك، وعن مجلة القصة والمطالبة بجعلها شهرية أكد أنه يدعم أي منتج يخرج من الثقافة الجماهيرية .
وطالب عادل عثمان بطريقة لرعاية الأدباء والمثقفين، وأشار الوزير إلي أنه لا يوجد أديب في مصر دون دعم صحي وقال : " عندما أعلم بمرض أحدهم أتصل بوزير الصحة أو الدفاع لتقديم كافة الدعم ". وطالب الروائي جميل عبد الرحمن بوجود قصور ثقافة في المناطق الساخنة بسوهاج ( يقصد أماكن الثأر ) ، عقب الوزير قائلاً : أعطوني أراضي لإقامة هذه القصور ! وتساءل زكريا عبد الغني عن ماهية دور وزارة الثقافة؟ وعقب حسني بأن مهمة الوزارة هي إقامة المنشآت الثقافية من قصور ثقافة ومكتبات ومتاحف وأن نشر الثقافة ليست مهمة وزارة الثقافة فقط ولكن مهمة المجتمع ككل . وطالب الكاتب سمير الفيل بالاهتمام بالفن التشكيلي في المحافظات وضرورة عقد بينالي بكل المحافظات، بالإضافة إلي إقامة دور عرض سينمائي في الأماكن البعيدة عن العاصمة.
وقال حسني إن حركة الفن التشكيلي موجودة في الأقاليم من خلال قصور الثقافة وقاعاتها المنتشرة في مصر، أما أن يدور البينالي في محافظات مصر فهذا صعب لما له من صفة الدولية، وعن دور العرض السينمائي في المحافظات، أكد علي أنه طالب بضرورة وجود دور عرض في الأقاليم ليس لإمتاع الناس فقط ولكن من أجل صناعة السينما، مشيراً إلي أنّ لديه مشروعاً لإقامة دور عرض سينمائي في أقاليم مصر تحتاج إلي تشجيع رجال أعمال .
أما د . أحمد زايد رئيس المؤتمر فقد بدأ كلمته مشيداً بعنوان المؤتمر وعلاقته القوية بالواقع الراهن، وأهمية الثقافة لقناعة علماء الاجتماع بأن الحقبة الأولي من الألفية الثانية هي حقبة الثقافة التي تحدد الأطر العامة للسلوك وهي الأكثر تعرضاً للتفكك والتغير تحت وطأة ظرف العولمة وتعاظم سيطرة النزعات الاستهلاكية لا في تداول السلع بل في تداول الخطابات الأيدولوجية ونشرها وانتشار مظاهر التعصب الثقافي، وتشظي الهويات الثقافية فضلاً عن سيطرة القلق الأخلاقي، وعدم اليقين في النظرة إلي المستقبل وعدم الثقة وتأكل رأس المال الاجتماعي.
وتساءل : هل نحن بحاجة إلي تعريف جديد للمثقف؟ وأين يقف هذا المثقف وسط هذا الزخم الاستهلاكي وإلي أي مدي يخضع إنتاجه الثقافي لعالم السوق وقواعد ثقافة الاستهلاك؟ وكيف يتم تحصين المثقفين إزاء وحشية هذه الثقافة؟ وهل ما تزال التفرقة القديمة بين المثقف والمثقف صالحة؟ وهل من دور للإنتاج الثقافي في الارتقاء بالأذواق ومقاومة " سوقية " الثقافة وتشيؤ العلاقات الثقافية؟ وكيف ينظر المثقفون إلي أدوارهم في المجتمع؟ هل ما تزال مقولة الثقافة من أجل الثقافة صالحة أم أن المصلحة " ملازمة " لأي إنتاج؟ وما علاقة المثقفين بالدولة في هذا الظرف؟ وهل يتحول زمن الأدب إلي زمن الرواية؟
وتم تكريم الكاتبة فوزية مهران والمترجم طلعت الشايب، ومحمد فريد أبو سعدة ومحمد كشيك، وشاكر عبد الحميد، اسم الراحل محمد صالح، ويوسف أبو القاسم الشريف، ومحمد الدسوقي، والإعلامي أحمد المريخي ود . أحمد زايد بإهدائهم درع الهيئة، كما تم تكريم الفائزين في مسابقة الأبحاث وهم الناقد سيد الوكيل، محمد حامد السلاموني، الروائي محمد الراوي، الشاعر سمير الفيل .
ومساء في قصر ثقافة الجيزة، أقيمت المحاضرة الثقافية المؤتمر بعنوان " تغيرات الثقافة تحولات الواقع " للدكتور أحمد زايد وأدارها د . عبد الرحمن الكردي . أشار د . أحمد زايد إلي أن مفهوم الثقافة بالمعني الضيق يشير إلي جميع المنتجات العقلية والفنية والعلمية، التي تميز شعباً من الشعوب، أما الثقافة بالمعني السوسيولوجي الأوسع، فإنه يشير إلي " مخططات الحياة تاريخية المنشأ " بمعني أنها تشتمل علي كل أساليب الحياة التي تستغرق مدي كبيراً من الرموز، والعادات، والتقاليد، والمعتقدات، والفنون، والمنتجات المادية وكل ما يتعلمه الإنسان بوصفه عضواً في الجماعة .
ثم فتح باب النقاش وسأل القاص والروائي زكريا عبد الغني عن ثقافة الاستهلاك؟ فرد زايد مشيراً إلي أن الثقافة الاستهلاكية ليس معناها الاستهلاك وإنما هي ثقافة لها أموال وأدوات للنشر، وهي ليست ثقافة مادية بحتة، ولكنها ثقافة رمزية، وتتعلق بدور الاستهلاك في الممارسات اليومية، ونجحت الرأسمالية في تحويل فكرة الاستهلاك العادي إلي ثقافة الاستهلاك فأصبحت ثقافة رمزية، وهي أيضاً ثقافة عالمية، كما تدخل كل الطبقات الفقيرة، وهي مسيطرة علي عقول البشر وعلي الإنتاج الثقافي والفكري .
وتساءل الكاتب والباحث حمدي سليمان إلي أين تذهب بنا الثقافة الاستهلاكية؟ فرد د . أحمد زايد بأن الثقافة الاستهلاكية لا تؤدي لتدني الثقافة ولكنها قدر، وتقهرنا من الخارج وتجعل سلوكنا ينحاز أحياناً لإبداع تافه ربما تحت ضغط أزمة مادية . أما الشاعر رجب الأغر فقد أشار إلي أن هناك فجوة بين المثقف والمتلقي العادي، وبين المبدع والمتلقي العادي، فكيف نقضي علي هذه الفجوة؟ فرد د . أحمد زايد نقضي عليها بأن نبحث عن طريقة تجعل الناس تتقبل إبداعنا " موسيقي، شعر، أدب " فالموسيقي ترقي بالشعوب، فنعلم الناس العزف والغناء، ومنها ننتقل إلي الشعر وبالتدريج سنجده يكتب شعراً ويتكلم بالشعر .
وفي الجلسة البحثية الأولي بعنوان " المثقف الآن " برئاسة د . محمود الضبع تحدث كمال مغيث حول " الثقافة ... ومفهوم المثقف الآن " وقد أشار في بحثه الي أن للثقافة مفهومين " مفهوم لغوي وآخر اصطلاحي
أما البحث الثاني فكان بعنوان " المثقف بين الموسوعية والتخصص " للدكتور محمد علي سلامة وقد استعرض فيه تاريخ الثقافة المصرية عبر القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، في الفترة من 1910 _ 2010، فلاحظ تفاوتاً شاسعاً بين طبيعة المثقف في بداية الفترة المحددة، وطبيعته في نهايتها، وكان وراء ذلك عوامل وأسباب منطقية أحياناً، وغير منطقية في أحيان أخري، لأن من المفروض أن يحدث تناسب طردي، لكن الذي حدث هو تناسب عكسي .
وتناول الدكتور وائل غالي في بحثه " التمثيلات الثقافية لتغيرات الواقع " مفهوم الثقافة حيث يري أنه لا يوجد مفهوم واحد جامع مانع، بل يشهد الواقع المتغير علي اختلاف معني الثقافة من مرحلة تاريخية لأخرى، واختلافه بين الدارسين في المرحلة الواحدة دون استقرار نهائي علي معني واحد واضح، فكل ثقافة تاريخية إنما تنتج نمطاً ثقافياً خاصاً يميزها، ومن ثم تنتج الثقافة المصرية نمطاً ثقافياً خاصاً يميزها، والثقافة المصرية ليست نظاماً عاماً في المقام الأول، بل هي نظام فرعي يتشكل تبعاً لنمط مخصوص.


 



رجوع للصحفة الرئيسية   |  الذهاب لأرشيف الأخبار  

الصفحة ارئيسية   أرشيف الأخبار   اشترك في القائمة البريدية   دفـتر الـــزوار
الــدورة الحـالية   خريطة الموقع   اجـعلنا صفحـتك الرئيســية   وسائل الاتصال
هذا الموقع من تصميم وتطوير مركز التصميم الجرافيكي
جميع الحقوق محفوظة للهيئة العامة لقصور الثقافة - مصر