الجلسة البحثية الأولى "المثقف الآن"

في إطار فعاليات مؤتمر أدباء مصر "تغيرات الثقافة .. تحولات الواقع" فى دورته الفضية " باسم "محسن الخياط"، عقدت فى اليوم الأول من المؤتمر الجلسة البحثية الأولى بعنوان "المثقف الآن" برئاسة د.محمود الضبع بقصر ثقافة الجيزة واشتملت على البحث الأول بعنوان "الثقافة.. ومفهوم المثقف الآن" للدكتور كمال مغيث وقد أشار فى بحثه إلى أن للثقافة مفهومان "مفهوم لغوى وآخر اصطلاحي"، فى المفهوم اللغوى تتعدد المعانى التى تدل على الحذق والمهارة والزراعة وإدراك الآخر أو الظفر بشيء، أما فى المعنى الاصطلاحى فهى تتعدد تعريفاتها التى تزيد على 200 تعريف أشملها هو: أن الثقافة هى ذلك الكل المعقد المتضمن المعارف والمعتقدات والفنون والآداب والأعراف والقوانين والعادات والمنجزات الأخرى التي عملها الإنسان كفرد أو مجتمع.
وهذا التعريف يعطى الثقافة بعداً أوسع من إنتاج الإبداع الثقافي وفى الإجمال يمكن القول أن الثقافة وظيفتها تسهيل حياة الإنسان ومحاولة حل مشاكله وحفظ مآثره وإشباع رغباته، كما يعتقد الباحث أن السعي نحو الإنسانية واحد من أهم خصائص الثقافة باعتبار أن واحداً من أهم معالم العالم الحديث هو العمل فى سبيل الإنسانية وإشاعة حقوق الإنسان التي تتجاوز الاختلافات الدينية والجنسية والعرقية بين البشر، كما استعرض الباحث عدة تعريفات للمثقف منها: المثقف هو الذى يضع نظرة شاملة لتغيير المجتمع، والمثقف هو الذى يعمل لصالح القطاعات العريضة فى المجتمع، والمثقف يتميز بأن لديه القدرة على النقد الاجتماعى والعلمى.
ثم أضاف أنه من جملة التعريفات عن مفهوم المثقف، يتضح أن المثقف هو إنسان امتاز عن بقية أبناء مجتمعه بقدرته على التفكير وإدراك التحديات التى تواجه محيطه الاجتماعي بخزين معرفى متمايز أيضاً، وباتخاذه لمواقف محددة فى قضايا حساسة وحاسمة، وليس شرطاً أن يكون قد حاز درجة رفيعة من التعليم، أي ليس شرطاً أن يكون التعليم هو مصدر أو مشروعية المثقف، وخلاصة القول أن ليس كل متعلم مثقفاً، ولا كل منتج للثقافة مثقفاً، وأكد الباحث على أن النقد أحد الأبعاد الأساسية لدور المثقف سواء كان ذلك موجهاً نحو السلطة ـ أية سلطة ـ وسياستها أو موجهاً للجماهير وطرق تفكيرها ومظاهر سلوكها المختلفة، أو كان موجهاً لمدارس فكرية معينة، كما يعد الظرف التاريخي أحد المحددات الهامة لدور المثقف فى المجتمع، فكلما زادت حدة الصراعات بين القديم والجديد، وزادت حدة التحديات والتغيرات التي يواجهها المجتمع، أصبح دور المثقف مطلوباً وهاماً وأساسياً.
أما البحث الثانى كان بعنوان "المثقف بين الموسوعية والتخصص" للدكتور محمد على سلامة وقد استعرض فيه تاريخ الثقافة المصرية عبر القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، في الفترة من 1910 – 2010، فلاحظ تفاوتاً شاسعاً بين طبيعة المثقف فى بداية الفترة المحددة، وطبيعته فى نهايتها، وكان وراء ذلك عوامل وأسباب منطقية أحياناً، وغير منطقية فى أحيان أخرى، لأن من المفروض أن يحدث تناسب طردى، لكن الذى حدث هو تناسب عكسى.
فمن يقرأ تاريخ الثقافة المصرية فى تلك الفترة المحددة يجد فى بدايتها ازدهاراً وتفاعلاً وثقافة موسوعية، ويجد فى نهايتها انحصار الثقافة فى تخصصات محددة رغم ازدهار النزعة العلمية وتداخل التخصصات.
كما أشار الباحث  لسبب بدايته بسنة 1910م، أولاً: لأنه أراد تحديد قرن "مائة سنة" ليجعله إطاراً للحديث، ثانياً: بداية من 1910م أخذت الملامح فى التبلور، وبدأت فترة الإرهاصات تؤتى ثمارها على المستويات كافة السياسية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد تعجب الباحث فى نهاية بحثه من الواقع الذى وجده، أنه فى الوقت الذى كانت فيه مصادر الثقافة ومواردها ضئيلة  وقليلة ظهر المثقف الموسوعى، فلا يمكن مقارنة مصادر المعرفة فى بدايات القرن العشرين ووسطه بما هو مطروح على الساحة الآن من إعلام وشبكة عنكبوتية "النت" خطيرة وواسعة الانتشار، ومدة زمن وصول المعرفة العلمية أو الإنسانية في الماضي كانت تستغرق وقتاً طويلاً، ومع هذا كانوا يحرصون على الإلمام بها والإفادة منها، أما الآن فيكفى أن تضغط على زراً على الكمبيوتر لتجلب أى معرفة من أى نوع، ومع هذا تجد الإلمام بها سطحياً وغير مؤثر ولا تظهر آثاره فى النتاج الثقافى العام أو فى إبداعات الأدباء أو فى نقد النقاد، وهذا هو الذى يدعو إلى العجب، فالمفروض إزاء هذه المعطيات أن تتنامى الثقافة لدى المثقفين، وأن يتنامى دور المثقف العام بل والموسوعى، وينعكس ذلك على إبداعه الأدبي إبداعاً ونقداً ولكن الذي يحدث هو العكس.
ويتساءل الباحث هل يعود السبب إلى الجو العام سياسياً واجتماعياً واقتصادياً؟ أم أنه فى تركيبة الأشخاص؟ فهل كان المثقفون القدماء يحملون من السمات الشخصية القوية ما يؤهلهم لذلك؟ وهل يفتقد المثقفون المعاصرون هذه السمة، وينشغلون بأمور حياتية تضغط عليهم فيكتفون بما هم فيه من حالة خاصة فى ثقافتهم وهو تخصصهم الإبداعي والعلمي؟.
كل هذه أسئلة تطرح فروضاً لتفسير الحالة الراهنة التي نعيشها الآن.
والبحث الثالث للدكتور وائل غالى بعنوان "التمثيلات الثقافية لتغيرات الواقع" تناول فيه مفهوم الثقافة حيث يرى أنه لا يوجد مفهوم واحد جامع مانع، بل يشهد الواقع المتغير على اختلاف معنى الثقافة من مرحلة تاريخية لأخرى، واختلافه بين الدارسين فى المرحلة الواحدة دون استقرار نهائى على معنى واحد واضح، فكل ثقافة تاريخية إنما تنتج نمطاً ثقافياً خاصاً يميزها، ومن ثم تنتج الثقافة المصرية نمطاً ثقافياً خاصاً يميزها، والثقافة المصرية ليست نظاماً عاماً فى المقام الأول، بل هي نظام فرعى يتشكل تبعاً لنمط مخصوص.
فالثقافة لا تنظم الأشياء كلها وإنما هى تحدد ميدان نشاط موسوم بخصائص متميزة ومن هنا تُفهم الثقافة على أنها دائرة جزئية أو مجال مقفل فى مقابل المجال الآخر، مجال اللاثقافة.
كما أشار الباحث إلى أن عمل الثقافة الأساسي هو فى تنظيم العالم حول البشر بنائياً، كما تلد الثقافة فعل البناء وحركته، وعلى هذا النحو فإنها تخلق محيطاً اجتماعياً حول البشر، هذا المحيط الاجتماعي، مثل المحيط الحيوي، وهو الذي يجعل الحياة ممكنة، لا من حيث هي حياه عضوية، وإنما من حيث هى حياة اجتماعية، بيد أن الثقافة لكى ترقى بهذا الدور لابد أن تتضمن فى ذاتها آلية بناء دائبة.
بدأت المداخلات بتعقيب زكريا عبد الغنى على د. كمال مغيث فى قوله أن الإنسان هو الوحيد الذي يسعى للثقافة وهو أيضا الذي يقاومها، ومع هذا يظل الصراع قائم بين الثقافة والسلطة وهذا لمحاولة السلطة الدائمة فى تسييس الثقافة، ووجه سؤاله للدكتور مغيث قال هل ترى أن السلطة فى مصر تسعى لذلك، وهل هناك تيار يسعى لتثقيف السياسة؟ ولماذا غابت الثقافة العلمية عند الأدباء العرب؟ أما مسعد عليوة فقد وجه نقدا للدكتور محمد على سلامة لنسيانه أسم سلامة موسى من قائمة المثقفين، كما ذكر كتاب على أنهم موسوعيين ولكنهم فى رأى مثقفين كثيري المعرفة وليسوا مثقفين موسوعيين ثم وجه دعوة لجميع الأدباء أن يتحدثوا كل المعارف.
أما محمد التمساح فقد تساءل لماذا لا تتعاون الوزارات المختلفة "الثقافة والتعليم العام والتعليم العالى" فى تشكيل منظومة ثقافية تساهم فى بناء جديد للمجتمع، أن الكاتبة مديحة أبو زيد فقد أشارت إلى تغيرات الثقافة وتحولات الواقع وتساءلت عن أى واقع هو؟ وكيف ننقذ الواقع العام لنرفعه للواقع الثقافى.وقد عقب د.مغيث على مقولة أن السلطة تسعى لتسييس الثقافة قائلاً أظن أن حالنا فى هذا الموضوع ليس سيء ولكنه فى الحضيض فنجد قامات كبرى تدافع عن الحق والاستبداد والفقر، أما عن فكرة أن التعصب الديني عدو للثقافة فأنا أقول ليس هو فقط ولكن الفقر أيضاً عدو الثقافة، أما لماذا لا توجد منظومة ثقافية فأقول الروشتات موجودة فلدينا تعليم رخيص وبسيط وآمن من وجهة نظر النظام.
فُتح باب المناقشة فسأل الروائي زكريا عبد الغنى د. كمال مغيث هل ظاهرة التعصب الديني هي التي تجعل من الثقافة عدواً لها؟ وهل يمكن تقديم أدب حقيقي فى ظل الحداثة دون الثقافة الموسوعية؟ فرد عليه قائلاً ليس التعصب الديني فقط عدواً للثقافة، بل الفقر أيضاً عدواً للثقافة، فالفقير لا يستطيع أن يشترى صحيفة أو كتاب لأنه مشغول بأمور حياته اليومية، أما بالنسبة للثقافة الموسوعية فليس من الضروري أن تكون مثلاً متخصص في الكمبيوتر لتعرف الحديث عنه، أو متخصص في جراحات القلب لتعرف شيء عن القلب أو أمراضه.
أما محمد التمساح تساءل لماذا لا تكون هناك منظومة تتكون من عدة عناصر وأدوار، تتعاون فيها الوزارات المعنية "الثقافة، التربية والتعليم، التعليم العالي، المؤسسة الدينية" من خلال المثقفين والمفكرين والمتخصصين ورجال الدين لعمل مشروع ثقافي تعليمي مؤثر على كل المستويات، ويساهم في إنتاج جودة تعليمية وثقافية؟ فرد د. كمال مغيث قائلاً لأن لدينا تعليم رخيص وبسيط وآمن من وجهة نظر النظام.
وسأل زكريا عبد الغنى د. محمد على سلامة لماذا غابت الثقافة العلمية عند الأدباء العرب؟ فرد قائلاً أن هذا يرجع لنقطتين أولهما أنه في فترة السبعينيات استقطب السادات الرموز الثقافية والعلمية إلى حلبة السلطة ليُحدث خلل وليفقدهم قوتهم، وليخلق ثقافة أخرى عند تلاميذهم، بأنه ليس المهم هو الثقافة ولكن المهم هو السلطة، ولكنى أرى أن الجامعة دائماً هي القائد الحقيقي للثقافة، ثانيهما تغُير ثقافتنا، فالمهم أصبح ليس ثقافة ولا فكر، ولكن الأهم أصبح الحصول على منصب، أو تصبح لاعب كرة أو فنان، فانهارت القوة والمقاومة لدى الجيل الحالي، والتي كانت موجودة لدى الجيل السابق، بالإضافة لغياب مشروع قومي عربي أو مصري.


 



رجوع للصحفة الرئيسية   |  الذهاب لأرشيف الأخبار  

الصفحة ارئيسية   أرشيف الأخبار   اشترك في القائمة البريدية   دفـتر الـــزوار
الــدورة الحـالية   خريطة الموقع   اجـعلنا صفحـتك الرئيســية   وسائل الاتصال
هذا الموقع من تصميم وتطوير مركز التصميم الجرافيكي
جميع الحقوق محفوظة للهيئة العامة لقصور الثقافة - مصر