مرة أخرى .. لماذا تفوق ابناء المسرح في التلفزيون؟

مرة أخرى .. لماذا تفوق ابناء المسرح في التلفزيون؟

العدد 665 صدر بتاريخ 25مايو2020

إن كنت من متابعي مسلسلات رمضان، ستلاحظ أن هناك من الوجوه التي لم تكن تعرفها تركت بداخلك بصمة، ولعلك تساءلت ككثيرين عن اسم هذا الممثل أو تلك الممثلة التي أو الذي لفت نظرك وقلت بينك وبين نفسك أين كان هذا الممثل؟ أين كانت هذه الممثلة؟
وهنا دعني أقولها لك وبكل انحياز، كل ممثل أو كل ممثلة قد أبهرك أو أبهرتك في عمل ما من أعمال رمضان هم من أبناء المسرح، تعلموا على خشبته وربما بين فصول معهده، كيف ينطقون وكيف يشيرون بوجوههم وكيف ينظرون بعيونهم.
فممثل المسرح يا صديقي وعلى عكس الوهم المنتشر ليس مبالغا في انفعالاته، ولا صائحا بصوت رنان أجوف، ولا ذلك الذي يظنونه يضرب الهواء بيديه كأعمى تتخبطه الظلمة. ممثل المسرح يا صديقي يعرف أن لكل شخصية قوامها الخاص، تفاصيلها الخاصة.. تاريخها الذي عليه أن يبحث عنه حتى وإن لم يكن مكتوبا على الورق الذي بين يديه.
ممثل المسرح هو من تعلم كيف يمنح للشخصية تضاريسا داخلية وخارجية، ويعرف أن الصمت من عناصر الإجادة حين يأتي في موضعه تماما.
لذلك كله وغيره الكثير لفت نظرك ممثلون لم تكن تعرفهم، وآخرون سبق وأن شاهدتهم في مسلسلات سابقة ولم تكن تعرف أنهم جاءوا من عوالم أبي الفنون.
يبقى أن نلفت النظر  الى الخطأ الذي يقع فيه بعض أبنائنا الشباب إذ يعتقدون أن الموهبة وحدها تكفي ليكون  الشخص ممثلا جيدا. والحقيقة، إن الموهبة هي فقط الأساس الذي سيحدد إذا ما كان الشخص يمكن أن يستمر في طريق التمثيل أم يكف ليبحث عن عمل آخر أو لعبة أخرى.
لكن الموهبة وحدها لا تكفي، فالتمثيل كأي فن له أدوات، إذا لم يعرفها الشخص ويتدرب عليها وينميها ستموت موهبته كأي نبتة جميلة أهملها صاحبها وكف عن رعايتها بالري وتخليصها من أعشابها الضارة.
الممثل كما العازف، إذا لم يتدرب ويتدرب ويتدرب لن يستطيع العزف ببراعة على آلته حتى وإن كان يمتلك موهبة طاغية. آلة الممثل هي نفسه (جسدا وعقلا ومشاعر).. وإذ لم يعِ الممثل أن لكل من هذه العناصر تدريبات يومية- ونكرر يومية - فهو ممثل غير مكتمل، بل وستموت الموهبة ولو بعد حين.
وإلى جانب هذه التدريبات (اليومية) هناك ما يمكن تسميته بتسجيل المشاهدات اليومية. فعلى الممثل أن يغذي عينيه وروحه وعقله بتسجيل ما يشاهده في حياته اليومية، أشخاصا أو مواقف أو علاقات بين البشر بعضهم مع بعض أو بينهم والأشياء. تسجيل هذه المشاهدات ودراستها هي ما سيعين الممثل على إكساب دوره حياة حين يستدعي أيا منها أو يستفيد من تفاصيلها. والحقيقة العلمية تقول إن الممثل الموهوب من دون تدريب ودراسة مستمرة هو ممثل ناقص. وفي المقابل، فإن الممثل نصف الموهوب المجتهد الذي لا يكف عن تنمية أدواته هو بعد حين ممثل صاحب بصمة، والأمثلة (المحلية والعالمية) أكثر من أن تحصى عبر التاريخ.
أن تكون ممثلا يعني أن تكون مهموما بموهبتك، ترعاها كما ترعى نبتة تريدها يانعة دوما. وإلا ستصحو يوما لن تجدها، فقد غافلتك وماتت.


محمد الروبي