قبل الريبورتوار..هل نمتلك فرقا مسرحية أم دورا للعرض المسرحي؟

قبل الريبورتوار..هل نمتلك فرقا مسرحية أم دورا للعرض المسرحي؟

العدد 616 صدر بتاريخ 17يونيو2019

في المقال السابق طرحنا قضية الريبورتوار وأهميته، وفرقنا بين نوعيه، وتساءلنا عن إن كان لدى مسارحنا المختلفة أرشيف يخصها يمكن على أساسه إعداد خطة لإعادة تقديم ما سبق وأن قدمته الفرقة من نصوص وعروض، وقلنا إنه إذا لم يكن لدى هذه الفرق هذا الأرشيف فعليها أن تجتهد من الآن وفورا في التجهيز لهذه الوحدة الفنية وفق خطة عامة يعدها البيت الفني للمسرح مستعينا بخبراء في كل التخصصات المختلفة وتعتمدها وزارة الثقافة وتعمم على كل المسارح المختلفة.
واليوم سأستكمل حديثي عن هذا المشروع محاولا تقديم مجموعة من المقترحات أطرحها هنا للنقاش بين المسرحيين، لعلنا بها نكون قد بدأنا في السير وفقا للحكمة التي أشرت إليها في مقالي السابق (أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا).
بداية، لا بد من طرح سؤال أظنه مهما قبل البداية، ألا وهو: هل ما لدينا من مسارح مختلفة يحمل كل منها اسما مختلفا (القومي، الحديث، الطليعة، الكوميدي، الشباب، الغد) أم أن ما لدينا هو مجرد دور للعرض، وما أسماؤها إلا عناوين ولافتات وضعت على جدرانها الخارجية للتمييز بين الأماكن لا للتفريق بين النوعيات؟ أظن – أقول أظن – أن ما لدينا ومنذ سنوات طويلة ليس أكثر من دور عرض لا فرق مسرحية. لأن للفرق المسرحية قواما ولوائح، والمقصود بالقوام واللوائح ليس الشق الإداري، ولكن وهو الأهم الشق الفني. وللتقريب، سأعطي مثلا من وسيط آخر وهو الصحافة. فمن المعروف والمفترض أن لكل صحيفة ما نسميه بـ(السياسة التحريرية) وهي التي تحدد إذا ما كان هذا الخبر أو ذلك التقرير يصلح للنشر لديها أم لا. والصلاحية من عدمها لا تتوقف عند جودة الموضوع (يفترض أنه لا ينشر أساسا إلا الجيد) لكن الصلاحية تحددها مدى توافق الموضوع مع (السياسة التحريرية) للصحيفة. وكثيرا ما كان يضرب لنا أساتذتنا مثالا مفاده أن لو اثنان من الصحفيين يعمل كل منهما في صحيفة مختلفة التقيا في آخر يومهما وقررا قضاء وقت لطيف معا ثم وقعت حادثة في الطريق، فإن واحدا منهما سيضحي بالسهرة التي كان سيقضيها مع صديقه لمتابعة هذا الحادث وسيضطر الآخر إلى الذهاب إلى بيته لينعم بنوم هانئ. وهنا لا يصح الحكم على من آثر الذهاب إلى البيت بأنه صحفي فاشل، لكن هو صحفي يعرف أن الحادث الذي وقع أمامه منذ لحظات لا يتوافق مع سياسة صحيفته، فهي لا تهتم بمثل هذه التقارير. في المقابل، سيرابط الآخر في مكان الحادث لأن الفرصة جاءته على طبق من فضة، فما يشاهده الآن هو من صميم اهتمامات صحيفته.
الأمر نفسه مع اختلاف في التفاصيل ينطبق على الفرق المسرحية، فليس كل نص جيد يصلح للتقديم في هذه الفرقة، إذ لكل فرقة نوعها الخاص من النصوص الذي يتوافق ولائحتها الخاصة وأهدافها الخاصة.
وبنظرة متأملة لفرقنا المسرحية المختلفة سنجد أنها تفتقد هذا التخصص لأنها تفتقد الهدف ومن ثم تفتقد القوام.
أعرف أن البعض سيقول: وماذا في ذلك فقد سبق وللكثير من المرات أن قدمت فرقة (القومي) مثلا نصا كان مرشحا للكوميدي أو العكس. وأقول لهم نعم تحقق ذلك في الكثير من المرات وفي كل الفرق بلا استثناء، لكن القاعدة تقول إن تكرار الخطأ لا يحيله إلى صواب.
ويبقى السؤال الأهم: وما علاقة ذلك كله بـ(الريبورتوار)؟.. وهو ما سنستكمله في أحاديث مقبلة.


محمد الروبي